وليد طوغان يكتب: آفاق جديدة في الاتجاه شرقا.. وتقدير آسيوي

الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»
من العاصمة الهندية نيودلهى، جدد رئيس الدولة المصرية دعوته للدول النامية، للتكاتف فى مواجهة التحديات العالمية والأزمات الدولية التى يمر بها الكوكب. أزمتا الغذاء والطاقة هما العنصران الأكثر أهمية فى المعادلة فى الظروف العالمية الأخيرة.تسير مصر على خط الرشد المعهود.
تسعى القاهرة برؤية وثبات إلى مد أياديها للجميع وفق مشروطيات مشروعة.. ومبادئ، أولاها المصالح المشتركة، وثانيها الندية. من نيودلهى جدّدت مصر رغبتها المستمرة فى بناء تحالفات دولية للحد من آثار الأزمة العالمية الراهنة.
أضافت جولة الرئيس الآسيوية الأخيرة زخمًا فوق اعتيادى للدبلوماسية الرئاسية فى مناطق جديدة، تفتح آفاقًا جديدة فى ظل تنافس عالمى، واستقطاب حاد بين الدول الكبرى. خلقت الأزمة الروسية الأوكرانية تغيرات شتى ظهرت على خرائط السياسة، إضافة إلى أن هناك ما لم يظهر من تداعيات الأزمة بعد.
فى الأزمة وخلالها تعالت مستويات الاستقطاب الدولى، بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وبين روسيا والصين وحلفائهما من جانب آخر.العالم يكاد يكون فى حرب. أو هى حرب حديثة، بالمفاهيم الحديثة، والأساليب الجديدة. تزامنت الحرب مع أزمة اقتصادية عالمية، فى أعقاب نتائج مرحلة كورونا، أضيف إليها ما خلّفته الأزمة الروسية الأوكرانية من مزيد من الارتباك على الاقتصاد الدولى.
كان لابد أن تؤثر الضغوط الدولية، والأزمة الاقتصادية على إمدادات الطاقة والغذاء فى كل دول العالم. استهدفت الجولة الرئاسية، فى ذلك التوقيت، مد خطوط الدبلوماسية استهدافًا للتواجد.. والتعاون.
زيارة الرئيس السيسى للهند وأذربيجان وأرمينيا هى مزيد من خطوات فى إطار استراتيجية مصر فى الاستدارة شرقًا، التى تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية على كل المحاور مع دول آسيا.. فى مواجهة التحديات العالمية. دائمًا ما تؤكد القاهرة أن الاتجاه شرقًا، لا يعنى بالضرورة توقف التعاون مع الاتجاه الغربى. لكن فى الأساس، فإن مصر الدولة ذات السيادة، دائمًا لديها مقومات التعاون فى جميع المجالات مع الجميع، وفق مصالحها، ووفق ما تراه من رؤى.
غير استراتيجيات السياسة، فإن أحد الملامح الأساسية الرئيسية فى جولات الرئيس السيسى الخارجية هى دائمًا اللقاءات التى يعقدها مع رجال الأعمال ومسئولى الشركات العالمية. فى الهند، شهد محور فرص الاستثمار فى مصر، مع التقدم الذى تحقق فى البنية التحتية، والمزايا التى تقدمها الدولة المصرية للمستثمرين الأجانب لقاءات ومناقشات واتفاقات.
وفى أرمينيا اعتبرت الوكالة الرسمية للأنباء أن الفرصة مواتية «لاستغلال الزيارة لتكثيف العلاقات مع مصر».. وأضافت الوكالة: «نحن بحاجة إلى تعزيز الشراكة فى المجالات التى لدينا فيها مصالح مشتركة خاصة القطاع العسكرى والتقنى».
على محور السياسة الدولية، لفت رئيس الهيئة الوطنية فى أرمينيا إلى تزامن زيارة الرئيس السيسى مع التوقيت المهم فى ظل تحديات كبيرة تواجه المجتمع الدولى نتيجة تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية على الاقتصاد العالمى، والتغييرات الجيوسياسية فى النظام الدولى. الأمر الذى على قدر كبير من الأهمية، أن الزيارة تأتى وسط تغيرات فى الاتجاهات والاستراتيجيات الكبری فى منطقة القوقاز واللاعبين الرئيسيين فيها. المعنى أن الزيارة بأبعادها، ستؤدى إلى خطوات غير مسبوقة، فى مسيرة العلاقات بين البلدين، بما تحمله من مؤشرات مستقبلية، بالنظر إلى موقع أرمينيا على الخريطة، وسط التغيرات السياسية العالمية بأبعادها وانعكاساتها على منطقة القوقاز.
فى جولة الرئيس السيسى الآسيوية رسائل متعددة. ربما أولها أن مصر شديدة القرب مما يجرى فى الإقليم، ولديها حضور قوى فى بؤر مختلفة.. بالقرب من المناطق المفترض أن تتواجد فيها.. وبقدرة.
أرمينيا بالذات على سبيل المثال، واحد من أهم الملاعب لأطراف دولية لديها سياسات ليست بالقدر الملائم من التوافق مع السياسات والمصالح المصرية.
زيارة رئيس الدولة المصرية إلى أذربيجان وأرمينيا فى هذا التوقيت يرسل ضمن ما يرسل من رسائل، تأكيد تسجيل حضور القاهرة فى مناطق النزاعات الدولية.. مع التأكيد على مصداقية الدور المصرى.
متوقع، وعلى أثر جولة الرئيس الآسيوية، أن تشهد هذه المنطقة تحركات إضافية نشطة الفترة المقبلة، بعد تأكيد الحضور المصرى، وتأكيد استراتيجية الاستدارة شرقًا، فى الطريق لتحقيق مصالح مشتركة بالتأثير شديد الإيجابية على الاقتصاد المصرى.
مقابل الدبلوماسية الرئاسية المصرية فى الاتجاه شرقًا، فإن الشرق لديه ترحاب كبير بمصداقية مصر فى تحركاتها، سوف يزن الشرق الآسيوى المصداقية المصرية بميزان الذهب، فى الطريق لمزيد من الترتيبات الاستراتيجية.. وكلها مكاسب للقاهرة.
دخلت السياسة الخارجية المصرية مرحلة جديدة بتولى الرئيس السيسى المسئولية عام 2014.
بدأت السياسة المصرية مساعى دوائر جديدة قائمة على أسس معتبرة تعمل بشرف، وتتعاون بصدق. كان ضمن الدوائر الجديدة الاتجاه نحو آسيا. زار الرئيس السيسى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وفيتنام، على أساس مد آفاق التعاون لمساحات أوسع، وعلى أساس كون آسيا هى المستقبل فى الاقتصاد وفى السياسة.كان المحور الآسيوى محورًا مهمًا فى السياسة المصرية الخارجية، مع التأكيد أكثر من مرة على أن التعاطى المصرى فى اتجاه الشرق، لا يعنى المساس بالعلاقات مع الغرب.. أوالولايات المتحدة.
تنويع التحالفات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية فى هذا التوقيت وفى هذه الظروف الدولية مهم. تعمل مصر على مزيد من الاتفاقات الاستراتيجية والأمنية.. تطرق مصر كل الأبواب، فى كل المجالات. لا تقصد القاهرة إزعاج أحد، أو تهديد أحد. تسعى القاهرة لمصالح مشروعة، ورغبة فعلية فى تنويع العلاقات وتطويرها.تلك الرغبة فى تطوير العلاقات كانت شديدة الوضوح خلال زيارة رئيس الدولة المصرية للهند. وظهرت البوادر فى الاتفاق بين البلدين على تعميق التعاون فى الصناعات الدفاعية، والعمل على استكشاف مُبادرات جديدة لتكثيف التعاون العسكرى.يمكن اعتبار الزيارة مزيدًا من التوافق فى الرؤى فى مواجهة الأزمات الدولية، والتغيرات السياسية بين الدول الراغبة فى تحقيق السلام والتنمية.
مقال الكاتب الصحفي وليد طوغان رئيس تحرير مجلة «صباح الخير» في العدد الجديد من المجلة.