الست الشغالة بتاعتنا نظيفة جداً وبتكره الكركبة والكراكيب كراهية الموت.. وطبعاً تشاركها هذه الكراهية حرمنا المصون التى تعتبر أن أى شىء لا يخصها هى شخصياً من الكراكيب والنفايات التى يجب التخلص منها فوراً. فما بالك بقى لو حاجة من حاجاتى أنا؟!
فى أحد الأيام رجعت إلى بيتنا فتحت دولابى وجدته نظيفاً مرتباً معطراً بعطر العود الذى أحبه.. تنفست فاتحاً رئتى للرائحة النفاذة.. فجأة توقف النفس فى صدرى، أين كتبى؟! أين أشيائى؟!، لا وجود لها بالدولاب الذى استقرت به منذ أن انتقلت إلى بيت الزوجية، تاركاً بيت أمى العامر.. أسرعت للست حرمنا المصون: «فين كتبى؟!»، نظرت إلىّ بلا أى اهتمام «كتب أيه؟»، «كتبى.. إيه الكتب بتاعتى اللى كانت فى الدولاب».. أشاحت وجهها عنى وقالت بمنتهى البساطة «أه سعاد -ودى الست الشغالة- وضعتها تحت السرير».. أسقط فى يدى، الصدمة أخرستنى.. نظرت إليها ببلاهة، متسائلاً «سرير؟ سرير إيه؟». قالت بمنتهى الهدوء وكأنها ترشدنى «تحت سرير أحمد -ابننا الأوسط-»، سألتها منفعلاً: «ليه؟»، قالت: «دى كراكيب ومبهدلة الدنيا، وانت خلاص قرأتها، إيه بقى لازمة إنها تبهدل لنا البيت».. صرخت: «العقاد كراكيب، نجيب محفوظ كراكيب، أيام طه حسين هتبهدل لنا البيت، حرام عليكِ»، وطبعاً بعد جدال طويل وخناقة سمع أصداءها سكان الشيخ زايد كلهم، فشلت فى استعادة كتبى من تحت صحارة السرير.
المهم بدأت محاولاتى فى استعطاف «سعاد» (الشغالة) أنها تطلع لى الكتب من تحت السرير: «صباح الخير يا سعاد، ممكن تطلعى كتبى من تحت السرير وتحطيها فى الدولاب لو سمحتى»، قالت بتردد وقرف «وضّح تانى يا أستاذ أسامة».. «آه لو سمحت يا سعاد من فضلك».. «حاضر»، قالتها مصحوبة بزفرة غضب ألهبت بها وجهى.. ولما رجعت البيت بعد الشغل مالقيتش الكتب.. سألت مراتى: «ليه سعاد ماطلعتش الكتب»، قالت لى «أصلها تعبانة والمرتبة تقيلة مش قادرة تشيلها»، فجأة بقت المرتبة تقيلة وهى مش قادرة تشيلها.. دى نفس المرتبة اللى رفعتها بإيد واحدة علشان تحشر تحتها كتبى المسكينة.. استغفرت ربنا وسكت، وبعد فترة قلت أتبع سياسة تانية: «صباح الخير يا سعاد، ممكن تطلعى لى كتاب (عبقرية على) من تحت السرير»، «مين يا أستاذ أسامة؟، على مين؟».. «يا ست سعاد بعد إذنك كتاب لونه أبيض كاتبه العقاد، اسمه (عبقرية على) وجلدته تخينة».. «يا أستاذ أنا مش عارفة عبقرية العقاد دى، لو سمحت اكتب اسمه».. «يا ستى اسمه عبقرية على».. «خلاص يا أستاذ أسامة اكتب اسمه، وهتيجى تلاقيه موجود»، مش عارف ليه حسيت إنى فى المكتبة وإنى باستعير الكتاب: «ماشى يا سعاد آدى ورقة باسمه»، رجعت بالليل بعد يوم شغل طويل ومرهق.. دوّرت على الكتاب مالقيتوش، سألت مراتى «فين الكتاب اللى طلبته من سعاد؟»، قالت لى بغضب «شوف بقى موضوع الكتب والكركبة دى مزعلة سعاد جداً، وأنا الحقيقة ما أقدرش على زعلها، دى لو مشيت أنا ممكن ألوص»، قلت لها «وأنا عملتها إيه دلوقتى؟».. ردت على: «سعاد قالت لى شوفى بقى الأستاذ أسامة عايز يرجع تانى لموال الكتب والكراكيب، وكل شوية يطلب منى كتاب جديد من تحت الصحارة، ونرجع بقى نلم تراب وبهدلة مش كفاية جاب من أسبوع 3 كتب وسايبهم مرميين على الكومدينو، وكل ما أشيهلم ألاقيه رجعهم تانى».. نظرت إلىّ زوجتى متقمصة دور الحكيم، قائلة: «سعاد بتقولك اتفرج على التليفزيون أحسن».