خبراء: المؤسسات الدينية تُعيد بناء الإنسان بمكون «وسطي».. وتصحح المفردات الدينية الملوثة
د. شريف عوض
أكد خبراء علم النفس والاجتماع أن الدين هو الحائط الذى يستند عليه الإنسان وقت النوازل أو الضغوط، وصدور 3 ملايين ونصف المليون فتوى من قبل المؤسسات الدينية فى عام واحد دلالة على عودة الثقة فى تلك المؤسسات من قبل المواطن البسيط، كذلك إعادة تصحيح للمفردات الدينية التى لوّثتها جماعات التطرف الدينى فى السنوات الماضية.
«عزالدين»: المصريون لديهم نهم للحصول على الفتوى من مصادرها الشرعية والرسمية
وقالت د. إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع، لـ«الوطن» إن خروج 3 ملايين ونصف المليون فتوى فى عام واحد يدل على نهم كبير لدى المصريين للفتوى، لكنه يدل على بلبلة فى الأجواء وتخبط دعوى كبير لدى متلقى الفتوى، مشيراً إلى خروج 2 مليون فتوى لدار الإفتاء فى عام واحد، 63% منها حول «الطلاق والزواج» و«الأسرة والمرأة»، و12% تصحيحاً للمفاهيم والآراء الشاذة، و25% من الفتاوى تشمل «العبادات والمستجدات والمعاملات المالية والنوازل والآداب والأخلاق».
وأوضحت «عز الدين» أن الخطاب الإفتائى للدار حول الأحوال الشخصية متوافق مع رؤية الدولة نحو الاستقرار الأسرى والتصدى للرؤى الشاذة التى تدعو لخراب الأسرة، كذلك حصاد مركز الأزهر، واستقبال أكثر من مليون وأربعمائة ألف فتوى خلال عام واحد.
وأوضحت أستاذ علم الاجتماع أن الكم الكبير من الفتوى فى عام 2022 يقدر بعدد الفتاوى التى أصدرتها المؤسسات الدينية خلال سنوات عديدة، مشيرة إلى أن العبرة ليست فى الكم ولكن فى الكيف ومدى تأثير تلك الفتوى على المتلقين وقبولهم تنفيذها بشكل صحيح دينياً، مشيرة إلى وجود فراغ كبير لدى كثيرين يحاولون ملأه بالجوانب الدينية.
«عوض»: جماعات التطرف نشرت مفاهيم دينية خاطئة تسببت في فتنة مجتمعية وعنف أسري
فيما قال د. شريف عوض، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن الكم الكبير من الفتاوى التى أخرجتها المؤسسات الدينية الرسمية خلال العام الماضى هى إعادة تصحيح لمسار الفتوى فى مصر بعد سنوات من الفوضى الدينية والإفتائية نتجت عنها سلوكيات وأخلاقيات لا تمت للواقع بصلة، مشيراً إلى إعادة رد الاعتبار للمؤسسات الدينية وإعادة الثقة مرة أخرى بعد سنوات من القطيعة التى تسببت فيها جماعات التطرف الفكرى، موضحاً أن المؤسسات الدينية الرسمية تعمل على محاربة السلوكيات الخاطئة التى نتجت خلال الأعوام الماضية وتسببت فى كوارث دعوية، خاصة ما يتعلق بالأمور الشخصية وأحوال الأسرة، والتى تتصدر قائمة الفتوى لدى الأزهر والإفتاء، فالفكر المتطرف خلال السنوات الماضية وضع تفسيرات خاطئة مثل تعدد الزوجات وضرب الزوجة والعنف الأسرى، لذلك تقوم المؤسسات الدينية بتصحيح المسار وإعادة بناء الإنسان المصرى بمكون دينى وسطى.
وقالت د. رحاب العوضى، أستاذ علم النفس السلوكى: «الدلالة النفسية للأرقام ليست دلالة نجاح أو فشل ولكن الناس بطبعها تميل إلى ما يجعل ضميرها ساكناً ولو بفتوى دينية، فإذا كانت الأسئلة الأسرية تصل لما يزيد على مليون فتوى، فهذا دلالة فشل للعملية التعليمية والإعلامية التى لم تدمج الدين بشكل صحيح بالدراسة والحياة ولم تهتم بالمعاملات الإنسانية وتهيئة الشباب للزواج وبالتالى لا يقعون بالخطأ».
وأضافت: «وكان ولا يظل الدين هو الحائط الذى يستند عليه الإنسان وقت النوازل أو الضغوط فإنه يبحث عن سؤال له علاقة بحالته النفسية لدى رجال الدين مثل عقوبة الظالم أو مكافأة الصابر، ودلالة وجود 63% من فتاوى دار الإفتاء حول الأحوال الشخصية دليل على أن البعض غير مؤهل دينياً ولا اجتماعياً لبناء أسرة، وهذا يستلزم جهداً أكثر من الماضى، وجهداً أكثر من القائمين على أمر المجتمع المصرى عامة، وأيضاً هناك دلالة أنه ما زال البعض لديه ضمير يقظ يبحث عن الصح والابتعاد عن الخطأ».
بدوره، أكد د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، أن هناك ازدواجية دينية لدى عدد من المصريين، فهناك اهتمام بالشكل الدينى وليس المضمون وهو المحور الرئيسى للدين، فليس الهدف الشكل بقدر المضمون، فالمجتمع المصرى فى الستينات كان يعيش أزهى عصور التعايش النفسى والدينى الحقيقى حتى دخلت عليها أفكار جماعات متشددة فى السبعينات، فصار الخمار والنقاب والجلباب والسروال الباكستانى أسساً دينية، وهو أمر خاطئ.
وأكد «فرويز» أن صدور هذا الكم من الفتاوى من قبل المؤسسات الدينية يؤكد عودة الثقة بين الشارع والمؤسسات الدينية الرسمية، بعد سنوات من القطيعة تسببت فيها جماعات الإسلام السياسى التى كانت تهاجم العلماء والمشايخ وتصفهم بعلماء السلاطين ومسميات أخرى بهدف نشر صورة سلبية عن المؤسسات الدينية وأنها بعيدة عن صحيح الدين، لكن خلال السنوات الماضية ومع ظهور الوجه الحقيقى لتلك الجماعات، وخروجهم بفيديوهات يهاجمون بعضهم البعض ويتهمون أنفسهم بالفساد الدينى، تضاءلت نسبة الثقة التى وضعها بعض المصريين فيهم واتجهوا لمؤسسات الفكر الدينى الوسطى للحصول على الفتوى منهم.
ودعا أستاذ الطب النفسى المصريين لضرورة الاهتمام بمضمون الدين باعتباره الجوهر الحقيقى وليس الشكل، والعودة لتقاليد المجتمع المصرى الحقيقية التى تتوافق مع الشرائع السماوية.