الدكتور شوقي علام يكتب: سيدنا محمد مجدِّداً
د. شوقي علام
إن أهم ما يميز دعوة النبى هى أنها دعوة تجديد ودعوة إحياء ودعوة إصلاح وتصحيح للمفاهيم، ولولا التجديد لاندرست معالم الرسالات وتبددت معالمها، ولولا التجديد لهامت البشرية فى ظلمات الجهل تظنها هدى وفى غياهب الضلال تظنه حقاً. وإذا كان التجديد هو سمة رئيسية من سمات دعوات الأنبياء والمرسلين فهو بطبيعة الحال سمة أساسية فى شريعة الإسلام السمحة ووظيفة مهمة من وظائف ورثة النبى الذين قال فيهم رب العزة تبارك وتعالى: «قُلْ هَذه سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين».
فأتباع النبى هم الذين يدعون إلى الله على بصيرة، أى على علم ونور من رب العالمين تبارك وتعالى، يرشدون الخلق إلى الحق، ويجددون ما اندرس من معالم الخير فى حياة الناس، يدعون إلى مكارم الأخلاق التى بعث بها النبى، ويحملون مشاعل الهدى والخير إلى الناس جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وعقائدهم وأديانهم، ويصدق فيهم قول النبى: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا».
إننا ونحن نجدد الاحتفال بهذه الذكرى العطرة وهى احتفالنا برسول الله، نحتاج أيضاً أن نجدد العهد معه على حماية شريعته التى أرسله الله بها رحمة ونوراً للعالمين، وأن ننفى عن رسالته السمحة الغراء كل تحريف ارتكبته جماعات الإرهاب والتطرف التى حادت عن منهج الحق وطريق الصواب، وحرفت معانى السنَّة والقرآن الكريم، وسفكت الدماء التى حرمها الله تبارك وتعالى إلا بالحق، وأحيت فى الأمة منهج الخوارج الذين حاربوا أصحاب رسول الله وحرفوا سُنته، وجعلوا من الدين مطية لأغراض الدنيا وسلماً للحكم والرياسة وتحصيلاً لمطامح السياسة، وليس العيب أن يكون لهم هدف سياسى فهو هدف مشروع وله قواعده وأساليبه وطرقه القانونية والدستورية المعروفة، ولكن العيب كل العيب والظلم كل الظلم أن يتخذ الدين مطية لشحن عواطف الجماهير من أجل أغراض السياسة لا غير.
لقد أطلق الرئيس السيسى الكثير من دعوات تجديد الخطاب الدينى فى عدة مناسبات، ولم تكن هذه الدعوات المباركة إلا من باب الخوف والحب والحرص على حماية هذا الدين، من تحريفات جماعات التطرف والإرهاب وإدراكاً تاماً من الرئيس للخطر الداهم الذى يهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية بل والعالم بأسره من انتشار خطاب دينى متعصب عنيف لا يمت إلى سماحة قيم ديننا الحنيف بصلة، ولا إلى خلق نبينا الكريم بعلاقة، والرئيس السيسى يدرك تماماً أهمية نشر أخلاق المصطفى بين الناس، تلك الأخلاق التى لو سادت بيننا فلن نرى فساداً ولا ظلماً ولا قتلاً ولا فتناً باسم الأديان، وإن من الخطوط العريضة المهمة التى أشار إليها الرئيس فى أكثر من مناسبة أن التجديد لا يعنى أبداً إهدار شىء من الثوابت ولا خرق أمر من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، ولكنه يعنى أن نجدد الخطاب الدعوى والفقهى والإفتائى وفقاً لمتطلبات ومتغيرات حياتنا المعاصرة انطلاقاً من القاعدة التى انطلق منها جميع المجددين والمجتهدين أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان.
إن من أهم الأمور التى نحتاج لتجديدها وبعثها فى حياة الناس، هى الجانب الخلقى والقيمى فى حياة رسولنا الكريم، هذا الجانب الذى يغفل عنه كثير من الذين يتحدثون فى قضايا تجديد الخطاب الدينى، حيث يغلب على خطابنا الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالفقه والإفتاء، وهى بلا شك مهمة جداً، لكن الجانب الأخلاقى أيضاً فى غاية الأهمية، فما فائدة أى دين وأية شريعة بلا أخلاق؟ وما فائدة التجديد الفقهى إذا لم يكن مصاحباً له تجديد وبعث لأخلاق وصفات صاحب الشريعة؟
* مفتى الديار المصرية