حمدي غيث.. سيرة نابضة بالإبداع
حمدى غيث
ينتابك الشك عندما تراه على الشاشة، هل هو «المعلم هدهد» تاجر الحشيش الأول فى الباطنية، صاحب الفلسفة العميقة والمبادئ الراسخة، أم «الشيخ بدار البدرى» الرجل الصعيدى الصلب الذى لا يلين قلبه إلا أمام ابنته الوحيدة، أو القائد الإنجليزى الذى لا يعرف الخوف «ريتشارد قلب الأسد» أمام صلاح الدين ورجاله، هل هو الفتوة الظالم «حسونة السبع» كما رسمته أنامل نجيب محفوظ، وغيرها من الشخصيات التى تقلب بينها الفنان الراحل حمدى غيث ببراعة شديدة ليظل اسمه علامة مضيئة فى تاريخ السينما المصرية فى ذكرى ميلاده المائة.
مع النسمات الباردة لشهر يناير من العام 1924، دوت فى الفضاء صرخات الطفل الرابع للعمدة الحسينى غيث عمدة قرية كفر شلشلمون بمحافظة الشرقية، اختار له اسم «حمدى» ليكون فرعاً جديداً فى شجرة العائلة العريقة التى يعود تاريخها وجذورها إلى أرض الحجاز، لعب التنوع الثقافى والفكرى فى رسم ملامح شخصية «حمدى» منذ سنواته الأولى، ما بين الأب الذى درس الطب فى أوروبا قبل أن يعود ليتولى مهام العمودية، غير أن الأب رحل، تاركاً الصغير بين يدى جده وخاله عالمى الأزهر الشريف، اللذين كانا يقيمان فى القاهرة، منهما تشرب «حمدى» علوم الدين واللغة العربية الفصحى.
مع افتتاح أول معهد عالى للتمثيل فى مصر، قرر أن يلتحق بالدراسة به فى دفعته الأولى، وتخرج فيه بتفوق فى 1947، وبدا أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة له فسافر فى بعثة تعليمية إلى عاصمة النور ليصقل موهبته الخام بدراسة المسرح والتمثيل، وعقب عودته تم تعيينه أستاذاً للتمثيل فى المعهد، وبالتوازى مع خطواته الأكاديمية قدم «غيث» أول أعماله على شاشة السينما فى فيلم «صراع فى الوادى» عام 1954، وتوالت بعدها الأدوار التى قدمته للجمهور كممثل من طراز خاص، منها «الناصر صلاح الدين»، «الرسالة»، «أرض الخوف»، «التوت والنبوت»، وتعلق به المشاهدون فى الدراما التليفزيونية فى مسلسلات «الضحية»، و«ذئاب الجبل»، و«زيزينيا» وغيرها من الأعمال.
أما على المسرح فقد قدم غيث أروع أدوار التراجيديا، سواء بالتمثيل أو بالإخراج، فى مسرحيات «مأساة جميلة»، و«راسبوتين»، و«أرض النفاق» و«الزير سالم».
ظل فن حمدى غيث وإسهاماته محل تقدير من قبل الدولة المصرية، فتم تكريمه فى عيد الفن عام 1978، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، بالإضافة إلى جائزة الدولة التقديرية للفنون قبل أن يرحل عن عالمنا فى السابع من مارس عام 2006، بسبب مضاعفات الالتهاب الرئوى، ويوارى جسده الثرى على نفس الأرض التى التقط عليها أنفاسه الأولى عن عمر ناهز الـ82 عاماً وقتها.