د. منجي علي بدر يكتب: ثورة 30 يونيو وسنوات البناء وتحديات المستقبل
د. منجي علي بدر
إن ثورة 30 يونيو علامة فارقة ونقطة بداية، سطر خلالها شعب مصر بإرادته الأبية ملحمة خالدة للحفاظ على هوية الوطن، حيث حظيت ثورة الشعب المصرى باهتمام وطنى وعالمى، تكاتفت خلاله جموع المصريين، وتوحدت كلمتهم خلف مؤسسات الدولة والمخلصين من أبناء الوطن، وكتبت الأمة بأحرف من نور ميلاد مسار جديد للعمل الوطنى، لتنطلق بعدها مسيرة البناء والتنمية الحقيقية على كافة المستويات.
ومن ذكرياتى ومتابعاتى اليومية عام 2013، حيث كنت أعمل كمستشار لوزير التجارة والصناعة بمقر الوزارة فى جاردن سيتى وكنت أشاهد الحشود تتزايد فى ميدان التحرير وتنادى برحيل النظام وضرورة تدخل الجيش للحفاظ على مصر من تداعيات مجتمعية قاسية، وانحازت القوات المسلحة المصرية للإرادة الشعبية الجارفة، مؤكدة أنه لم يكن بمقدورها غض البصر أو صم الآذان عن حركة ونداء الشعب المصرى، وخرجت بخارطة مستقبل رسمها توافق القوى والتيارات الوطنية، أزاحت من خلالها حكم الجماعة للعديد من الأسباب منها: التعدى على السلطة القضائية وتمثل فى عدم احترام أحكام القضاء، وافتعال أزمات متتالية مع السلطة القضائية وإصدار إعلانات دستورية تمس القضاء والحريات العامة، ومحاصرة المحكمة الدستورية.
وأيضاً عفو رئاسى عن الإرهابيين شمل 588 سجيناً بينهم فلسطينيون كانوا متهمين فى عدد من القضايا، أبرزها أسلحة وذخيرة وخلافه، وقرارات عفو عن المتهمين فى قضية تنظيم الإخوان الدولى، وبث روح الكراهية والفرقة بين أبناء الوطن، كما حرص الإخوان على اختراق جميع أجهزة الدولة للسيطرة عليها، فخلال 8 شهور فقط من الحكم تم تعيين المنتمين لجماعة الإخوان فى مختلف أجهزة الدولة.
وأزمة مياه النيل كشفت سوء إدارة رهيباً، فضلاً عن فضيحة بث الاجتماع على الهواء مباشرة فى مسألة تخص الأمن القومى للبلاد، وتدهورت السياسة الخارجية المصرية وضاعت هيبة الدولة المصرية، وتراجعت علاقات مصر بدول محورية باستثناء العلاقات مع دول تدعم حكم الإخوان فى مصر مثل تركيا وقطر. هذا، وتم الانفراد بصياغة الدستور وصدر مفتقداً التوافق الوطنى، كما سعى الإخوان لاختراق ماسبيرو وزرع عناصرهم بداخله، وأخونة المؤسسات الصحفية والإعلامية ومحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى ومحاولة تغيير هوية مصر الثقافية، وإقصاء قيادات وزارة الثقافة، وكان اعتصام المثقفين داخل وزارة الثقافة أول مسمار فى نعش النظام، كما أثرت الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة بشكل كبير على الأوضاع الاقتصادية.
سنوات البناء للمستقبل وعودة المكانة المصرية إقليمياً ودولياً:
بدأت ملحمة البناء عام 2014 بوصول الرئيس السيسى إلى سدة الحكم، ويحدثنا التاريخ عن قادة يملكون الحكمة والبصيرة ويؤمنون بقدرة شعوبهم على صناعة مستقبل أفضل فيخططون للمستقبل لتحويل أحلام شعوبهم لواقع ملموس فى عالم يتغير نظامه الدولى بوجهه السياسى والاقتصادى، ومع كل منعطف تاريخى تتبدل مقاعد اللاعبين كباراً وصغاراً، وتأتى قوة الجمهورية الجديدة من قوة جيشها وتلاحم شعبها وشعارها يد تبنى وتحقق تنمية اقتصادية مستدامة ويد تحمل السلاح لتحقيق الأمن القومى بمفهومه الشامل، ويراعى البناء الجديد للجمهورية الجديدة التوازن الدقيق بين الطبقات، بتطبيق برامج حياة كريمة وتكافل وكرامة والخروج من الوادى الضيق إلى الصحراء بمخطط تنموى يقضى بخفض الكثافات السكانية فى الدلتا والصعيد، وإفراغ حمولة العقود الماضية عن كاهل القاهرة، وتشييد شبكة طرق ومحاور تنموية تقطع البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وربط الوادى بسيناء بخطوط طول وعرض من الأنفاق والكبارى وخطوط السكك الحديدية وفق أحدث منتجات العصر الحديث، وتحمل الشعب المصرى عبء بناء دولته وإصلاح الاقتصاد بصبر وشجاعة وولاء.
تحديات المستقبل وإصرار مصر على الإعداد للعبور فى ظل تحديات محلية وإقليمية ودولية:
نفذت مصر العديد من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التى تدعم تحول الاقتصاد من خدمى ريعى إلى اقتصاد إنتاجى، يعتمد على الصناعة والزراعة وتحسين بيئة الاستثمار والإنتاج وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتمهيد البنية التحتية التى أنفقت مصر عليها أكثر من 10 تريليونات جنيه مصرى، وتحسين جودتها كإحدى الركائز الرئيسية لجهود الدولة لتحفيز القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال المصرية، ومنذ اليوم الأول لحكم الرئيس السيسى عام 2014، قام بترسيخ مفهوم الجمهورية الجديدة، التى تمتلك القدرات الشاملة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتعلى مفهوم المواطنة وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية، وعادت مصر لقوتها أمام العالم ولم تعد مصر دولة العاصمة كما كانت طيلة القرون الماضية، وبعزيمة لا تلين لامتداد العمران ليصل إلى 25% من المعمورة خلال السنوات القليلة القادمة، حيث تقوم الجمهورية الجديدة بتشييد مدن جديدة وحديثة (23 مدينة حتى الآن)، وترتبط بالعاصمة الإدارية الجديدة لتشكل فى مجموعها مصر الجديدة التى تنبنى على التخطيط والتنفيذ وبأيادٍ مصرية. وتستمر مسيرة عطاء الشعب المصرى، وتزداد معها الطموحات والآمال والتحديات، وأصبحت ثورة 30 يونيو علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، وعنصراً من عناصر بعث الهوية المصرية وتطورها، وباقة أكسجين أسعفت الأمة المصرية فى القضاء على مسلسل الفوضى بنشر المشاعر الوطنية، وإيماناً بمجد ماضيهم وعراقة تاريخهم وحضارتهم وأمل كبير فى مستقبلهم اعتماداً على أسس ثابتة اقتصادياً ومجتمعياً.