رئيس أكاديمية الفنون الأسبق: الاعتصام علامة فارقة في تاريخ الحركة الثقافية.. وعقلية الإخواني «تصدع بما تؤمر» (حوار)
سامح مهران
قاد الدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون من «2010 - 2014»، وهى فترة بالغة الحساسية من عمر الوطن، إذ واجه المجتمع المصرى، وقتها، منعطفاً خطيراً أثناء فترة حكم الإخوان وحتى بعد سقوطهم، كانت فيه الأكاديمية أبرز القطاعات المستهدفة من التنظيم من أجل اختراق الثقافة المصرية وأخونة المجتمع. يروى «مهران» فى حواره لـ«الوطن» تفاصيل التحركات لرفض حكم الإخوان، وكيف كانت الأكاديمية القاطرة نحو اعتصام المثقفين فى مقر وزارة الثقافة، ومن ثم ثورة الـ30 من يونيو 2013 التى أنقذت مصر من حكم التنظيم.
كيف استقبلت أكاديمية الفنون خبر صعود الإخوان لحكم مصر 2012؟
- أنا ضد تحول مصر إلى دولة دينية، وخلافى مع هذا التنظيم أو مع الوزير الإخوانى لم يكن خلافاً شخصياً، وكنت قد حولت علاء عبدالعزيز الذى كان مدرساً بمعهد السينما للتحقيق قبل توليه الوزارة إلى النيابة الإدارية بتهم مخلة بالآداب.
إلى ماذا كان يرمى الإخوان؟
- تكميم الأفواه وتنميط الناس ليسلك الجميع بطريقة واحدة، والحياة قائمة على الاختلاف، والثقافة إن لم يكن بها اختلاف فهى ليست ثقافة، فنحن نُربى عقولاً قادرة على الاختلاف والنقد بمعناه الواسع والشامل، ليتمكن الإنسان من تقييم للسياسة والاقتصاد ولكل مناحى الحياة (العقل النقدى)، ومن دون العقل النقدى سنتراجع، والفكر الإخوانى لا يمتلك مثل هذه الرؤى، وعقلية الإخوانى أن «يصدع بما يؤمر».
كيف كانت علاقة الإخوان بأكاديمية الفنون؟
- حاول الإخوان اختراق وزارة الثقافة المصرية من خلال الأكاديمية، بعدة سبل من بعد 2011، وعقدوا مؤتمراً لإقالتى باعتبارى من فلول نظام مبارك، (كان مبارك قد أصدر قرار تعيينى رئيساً للأكاديمية فى 10 أكتوبر 2010) لكن لم أكن عضواً فى الحزب الوطنى ولا أى حزب آخر، وخرجت التهم الملفقة ضدى من هذه الجماعة، وظلت الشكاوى الكيدية تقدم ضدى لجهات مختلفة وكلها أثبت كيديتها وأغلقت، لكن من الوقائع البارزة فى هذه محاولة الإخوان عرض فيلم بعنوان «التقرير» أول أفلام سينما النهضة (شركة إنتاج إخوانية) فى مسرح سيد درويش التابع للأكاديمية فى مارس 2013، وقتها اعترضت على الفيلم لأنه لم يحصل على أية تراخيص رقابية سواءً على النص أو الفيلم نفسه، فبدأ حمدى زوبع، المتحدث باسم حزب الحرية والعدالة آنذاك، يكتب ضدى وضد الأكاديمية ومن هنا بدأنا ننظم أنفسنا.
ما الإجراءات التى اتخذتها عقب تولى علاء عبدالعزيز وزارة الثقافة؟
- عقب اختيار الوزير الإخوانى للثقافة فى مايو 2013، وبعدما حلف اليمين الدستورية صرح بتصريحات عشوائية «عبيطة»، إذ قال: «جئت لأصوب الأوضاع فى أكاديمية الفنون، وتطهير وزارة الثقافة»، وتصريحات من هذا القبيل لم تعجبنى، فدعوت عدداً من المثقفين لعقد اجتماعنا الأول فى الشيخ زايد (بالقرب من مسكنى) وحضر معنا الدكتورة إيناس عبدالدايم والدكتور أحمد مجاهد، والمخرج المسرحى عصام السيد، والمخرج حامد سعيد والمهندس محمد أبوسعدة، وقلت للمجتمعين أنا الأكثر أماناً بينكم، ولا يستطيع أى أحد إقالتى من المنصب إلا بقرار جمهورى، ولكى يقيلنى رئيس الجمهورية وقتها فلا بد له من تحويلى للتحقيق بتهمة تثبت علىّ التهم ثم يتم إقالتى، وقلت لهم وقتها سوف يدور عليكم واحداً واحداً، ودعوتهم للتحرك. وكنا نعلم أن الثقافة المصرية المتميزة بالرحابة وسعة الصدر والتنوع الثقافى، ومصر طوال تاريخها غنية بالتنوع، وعندما يتولى الإخوان ليفرضوا نمط تفكير واحد، فذلك «مصيبة».
بِمَ خرج اجتماع المثقفين يومها؟
- قررنا تنظيم أول مؤتمر بعنوان «ضد العدوان على الثقافة المصرية» فى أكاديمية الفنون واشترك فيه الفنان حسين فهمى على المنصة، وعدد كبير من المثقفين، وقد تعرض هذا المؤتمر لسرد تاريخ وزير الثقافة الموالى للإخوان، وإلقاء عدد من البيانات، أولها لرئيس أكاديمية الفنون، وبيان لجبهة الإبداع الفنى ألقاه عبدالجليل الشرنوبى، وبيان لحزب الجبهة الديمقراطية ألقاه جوزيف نسيم، وكلمات لكل من الفنان حسين فهمى، والفنان عبدالرحيم حسن، وهذا المؤتمر كان أول ظهور لحركة «تمرد»، وقد شارك ممثلون عن الحركة فى هذا المؤتمر، ولم تكن قد اكتسبت شهرتها بعد، وقررنا تنظيم أنفسنا لمجابهة الإخوان، ثم حضرنا المؤتمر الموسع فى نقابة الصحفيين، ثم عقدنا اجتماعاً فى المجلس الأعلى للثقافة، وكانت الخطة فى البداية تتمثل فى احتلال المجلس وتغيرت إلى احتلال مقر الوزارة فى الزمالك.
كيف رأيت أيام الاعتصام؟
- الشعب المصرى ضرب مثالاً رائعاً للوعى، خلال اعتصام وزارة الثقافة، والشعب المصرى كما قال «كاسترو» بعد انتصار 73، «شعب يملك عبقرية اللحظة، لكن للأسف لا يملك الاستمرار فيها»، الشعب فى هذه الفترة تكاتف بقوة، كل أطياف الشعب المصرى كانت ضد هذه الجماعة.
فيمَ تختلف ثورة المثقفين؟
- 30 يونيو النتيجة التى ترتبت على اعتصام المثقفين، فلم نكن نعلم أن الجيش المصرى سينزل إلى الميدان، هذه النتيجة هى شجاعة المثقف المصرى النادرة، وهى الشجاعة التى يقر بها كل مثقفى العالم العربى حتى هذه اللحظة، ويقولون إننا لم نر حراكاً ثقافياً مثل هذا الحراك الذى قام به المثقف المصرى، وهذه ثورة قام بها مثقف أعزل لا شىء يحميه إلا ثقافته، لكن كان عنده إيمان عميق بمصريته أولاً وبأن مصر قدرها أكبر من هذه الجماعة.
كيف ترى اعتصام المثقفين بعد مرور 11 سنة؟
- المثقف هو العقل الحقيقى لبلد مثل مصر، ووجود هذا البلد من وجود ثقافته وفنونه، وحتى النفوذ السياسى هو امتداد للنفوذ الثقافى، ومن لا يعرف ذلك عنده مشكلة فى تفكيره، وهو ما سيؤرخه التاريخ بصدق لأننا فعلاً كان ممكن أن نقتل، فالفصائل المسلحة الإخوانية منتشرة فى كل مكان وبالفعل دخلنا معهم فى اشتباكات شوارع، أمام وزارة الثقافة، لكن أغلب الشعب المصرى المجرد من المصلحة كان مؤيداً لاعتصام المثقفين.