هو أحد أهم الفئات المنتجة، ومن عظماء مصر المساند لها دائماً فى كل الشدائد والأزمات والمحن، ويحملها على كتفيه، ويعمل فى صمت منذ آلاف السنين، ولا يتوقف عن الإنتاج حتى وهو يخسر.
هو الشخص الأهم فى المجتمع، لأنه ينتج الغذاء الذى بدونه لا حياة على الكون، يعمل فى كل الظروف، فحينما يكون الآخرون فى منازلهم خائفين من لهيب الشمس أو قساوة البرد وغزارة الأمطار تجده فى حقله يسعى على رزقه وينتج لنفسه وغيره، لأن الزراعة عنده عبادة، إنه الفلاح الذى تحتفل مصر اليوم (9/9) بعيده الـ72.
وصدق الرئيس الراحل أنور السادات حينما قال إن العنصر الراقى أو الأرستقراطى فى هذا البلد هو الفلاح، لأنه «صانع الحياة»، لأنه أصل مصر: «هو أصل العامل، هو أصل المثقف، هو أصل الجندى، وأصل الحياة.. هو العنصر الراقى الأرستقراطى، وليس الباشوات».
خلال السنوات القليلة الماضية تعرّضت مصر والعالم لأحداث جسيمة، وآخرها الأزمة الروسية - الأوكرانية، ومن قبلها تفشى جائحة كورونا، حيث عاش العالم أياماً مرعبة، خوفاً من حدوث أزمات غذائية، والدول أغلقت أبوابها على نفسها، وفرضت الحظر على جميع المواطنين، للجلوس فى منازلهم إلا على الفلاحين الذين كانوا يعملون ويذهبون إلى الحقول ويتحدّون وباء كورونا القاتل، لإنتاج غذاء الشعب كله.
ومصر كانت من الدول القلائل التى لم تشهد أى أزمة فى الغذاء أو ارتفاع أسعاره.حتى فى ظل الانفلات الأمنى عقب ثورتى 2011، و2013 وفوضى وصلت إلى درجة إشعال النيران فى بعض مؤسسات الدولة ومعظم فئات المجتمع كانت تطالب بمكاسب فئوية ومادية ربما لا تستحقها، إلا الفلاح المصرى لم يترك أرضه أو يتخلى عن فأسه، وظل يعمل حتى لا تنهار بلاده.
الفلاح اكتسب خبرة طويلة توارثها عبر الأجيال، ربما تفوق الحاصلين على دراسات عليا فى الاقتصاد.ورغم تفتّت الحيازة وانخفاض مساحة الأرض التى يمتلكها، إلا أنه يعلم جيداً كيف يُحقّق منها أعلى إنتاجية.
ولأننى فلاح وأفتخر بذلك، فإننى سعيد بما يشهده حالياً قطاع الزراعة، حيث أصبح فى بؤرة اهتمام القيادة السياسية، وهذا يشجّعنى فى طرح بعض مشكلات الفلاح وحلولها، وأثق أنها سوف تلقى استجابة، ونظراً لتفتّت الحيازة مع الزيادة السكانية، أصبح نصيب الفلاح ضئيلاً جداً مع عدم وجود وظائف حكومية وانعدام السفر إلى الخارج، وارتفعت البطالة بين أبناء الفلاحين ومعظمهم حالياً عمالة غير منتظمة.
والحل قد يكون فى إطار المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» بتخصيص أراضٍ بالقرى للتصنيع الزراعى ومشروعات إنتاجية، وهذا يحقّق فوائد كثيرة، منها القضاء على البطالة والجريمة، وتقليل الفاقد والهدر، وتخفيض الأسعار، وإنتاج السلع الاستراتيجية للسوق المحلية والتصدير.
المشكلة الأخرى التى تواجه الفلاح هى تسويق إنتاجه، والدولة حالياً تحاول التغلب عليها من خلال الزراعة التعاقدية التى يتم التوسّع فى تطبيقها بشراء المحاصيل قبل زراعتها لضمان سعر عادل للفلاح ومخفّض للمستهلك، بعيداً عن جشع التجار، وأيضاً دعم مستلزمات الإنتاج، لأن ارتفاع أسعارها يؤثر سلباً على الفلاحين، ويتضرّر منه كل فئات الشعب، بالإضافة إلى خروج نقابتهم للنور مع التأمين الصحى والمعاش، وفى هذا رد الجميل للفلاحين.
صحيح أن وزير الزراعة هو محامى الفلاح، ولكن الحلول ليست كلها لديه، بل تشترك فيها جميع أجهزة الدولة، وحينما أتحدث عن الفلاح، فإننى أعنى كل المزارعين ومنتجى الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، خاصة الصغار منهم.
كل هؤلاء هم جيش مصر الأخضر، الذى يستحق كل الاحترام والتقدير، لأن بدونهم لا تستمر الحياة، فكل عام وفلاحو مصر بخير، ودائماً يدعمون بلدهم، ويساندون قيادتهم وينتجون غذاء شعبهم.