وحيد حامد: جميع أفلامي مع عادل إمام نجحت.. وشريف عرفة كان مخرجي المفضّل
وحيد حامد
كان مشروعاً أريد تحقيقه، وهو إجراء مناقشات مطولة مع صناع السينما، يتحدثون خلالها عن الفكرة.. القصة والحوار، عن الواقع والخيال والخبرات الحياتية والدراسة، عن الأفلام وكواليسها.. عن الحياة. ومنذ سنوات، قررت البدء فى الرحلة السينمائية، والبداية كانت مع التأليف والكتابة، بعمل حوارات مع كبار كتاب السيناريو فى مصر، بطريقة مختلفة لا تعتمد على مجرد السؤال والإجابة، لكنها تناقش تجربة مصرية مميزة، من خلال الغوص داخل «دماغ» كل مبدع.. ونقلها للقارئ فى لقاءات نُشرت فى كتاب «أول الحكاية»، الصادر عن دار معجم، يعرض اختلاف وجهات نظرهم، أفكارهم، طرقهم فى الكتابة.
وعندما كان «أول الحكاية» مجرد «فكرة» أنشغل بها طوال الوقت، لا تخرج من رأسى، حكيتها لزميلى وصديقى الصحفى إمام أحمد فتحمس لخوض التجربة معى.. لتخرج لقاءات مع كبار صناع السينما بينهم وحيد حامد، بشير الديك وغيرهما.. وهو ما تنشره «الوطن» لأول مرة صحفياً وإلكترونياً إيماناً منها بأهمية الثقافة وصناعة السينما وتأثيرها على المجتمع.. وتبدأ بنشر حوار الكاتب الراحل عاطف بشاى. وهو ما حمسنى لإجراء مناقشات أخرى مع المؤثرين فى «السينما» استكمالاً للمشروع الذى بدأته. وفى اللقاء تحدث وحيد حامد عن فيم يفكر الكاتب؟، كيف يصنع الدراما؟، من أين جاء بشخصيات أفلامه؟، كيف كتب الحوار؟، كيف يخلق على الورق؟، عن الغموض والمعالجة، عن علاقة السيناريست بالمنتج والمخرج والممثل والجمهور، عن النسخة الأخيرة من السيناريو. فتح قلبه، وقدم نصائحه للشباب المبدع، وتحدث عن تجاربه الملهمة، بداية من أول الحكاية، مروراً بالمشوار المهم والملهم والذى له كبير التأثير على السينما والمجتمع.
تستكمل «الوطن» نشر حديث الكاتب والسيناريست الراحل وحيد حامد عن السينما والكتابة والحياة، فقد كان كلامه صادقاً، ككتاباته فى أفلامه، تحدّث من قلبه عن عالم السينما الذى أحبه وعاش أيامه فيه، وخبراته الحياتية وثقافته الواسعة وتكلم ببساطته عن الكثير من الأمور الخاصة بالفن والكتابة والحياة واختياراته للمخرج، وطرق الكتابة المختلفة، وشراكته ونجاحاته مع الزعيم عادل إمام، وعبقرية السيناريست الراحل محسن زايد، ورأيه فى كتابة الأعمال التاريخية والنقل عن الأدب.
شراكة التسعينات مع الزعيم
لم يكن أمراً متعمّداً، كنت أكتب السيناريو وأقدّمه لعادل إمام، وأسأله عن رأيه، وعندما يقول إن الورق نال إعجابه، نبدأ تصوير الفيلم، وتصادف أن جميع أفلامنا نجحت الحمد لله، وأنا الذى كنت أختار المخرج، وكان اختيارى يقع على شريف عرفة، لم يفرضه أحد علىّ، وقتها كان لا يوجد شخص يقول لا لشريف، لأنه كان نجماً كبيراً جداً، وأنتجت عدداً كبيراً من الأفلام بهذه الثلاثية، مثل: اللعب مع الكبار، المنسى، والنوم فى العسل.
الإذاعة والتليفزيون والسينما
نجاح المصنّف الفنى فى مجال يدفعه لأن يتحول إلى مجال آخر، مثلاً «طائر الليل الحزين» مسلسل إذاعى، إنما نجاحه فى الإذاعة دفع إلى أن ينتج سينمائياً، وكذلك «الدنيا على جناح يمامة» مسلسل إذاعى، نجاحه الساحق فى الإذاعة هو الذى دفع المنتج لتحويله إلى فيلم. والسؤال هنا: هل التحويل بدعة؟، لا ليست بدعة، فالمسلسلات الإذاعية التى أنتجت فى أوروبا، تحولت إلى أفلام ومسلسلات، فهو أمر عادى. لكن يجب أن نعلم أن لكل مصنف فنى قواعده، الإذاعة تعتمد على الحوار فقط، فى التليفزيون الحوار مع الصورة، لكن للحوار مساحة أكبر، وفى السينما الحوار مع الصورة، لكن للصورة نصيب الأسد، فيجب أن يكون التعامل مع كل مصنّف وفقاً لقواعده.
الحوار فى السينما
الحوار فى السينما يكون للضرورة، مثال «مشهد حب فى السينما»، هذا المشهد لو أنا عملته بطريقة البطل والبطلة، بين «فلان» و«فلانة»، وعاوز أشوف المشهد على الشاشة، لو «فلان» قال لفلانة، أنا بحبك ومابانامش الليل من حبك، وأنت فى خيالى على طول، فإحنا كده ساقطين، لأن المفروض يكون التعبير بالصورة كأنى سمعتهم، من خلال لمسة الإيد، نظرة العين، الحكى بالصورة، وأوفر الكلام، أنا بانقل صورة لمشاهد بيتفرج، اسمها فرجة، فى الحالة دى أعبّر كويس أوى بالنظرة أو باللمسة أو على حسب بقى.
المقصود الصورة هى التى بتتكلم، واستعمال الحوار يكون فى حالة الضرورة، إنما الأساس: دع الصورة تتحدث.. أما مساحة الحوار فتكون أكبر فى الدراما التليفزيونية.
كاتب أفضل من وحيد حامد
الأكثر تمكناً، أفضلنا جميعاً ككاتب دراما، أفضل من أسامة أنور عكاشة، وأفضل من وحيد حامد، وأفضل من كل الكتّاب، هو محسن زايد الأكثر وعياً وتمكّناً، والدليل على ذلك رائعته «حديث الصباح والمساء»، أعتقد أنها معجزة، والذى يريد معرفة أهمية «زايد» عليه أن يقرأ الكتاب ويشاهد المسلسل، سيجد المعجزة، هو كاتب فذّ، ويجب علينا إعطاؤه حقه.
الأعمال التاريخية والانحياز إلى الحقيقة
فى رأيى، أنه يجب الالتزام بنقل الحقيقة كما هى، وانحياز الكاتب أثناء كتابة عمل تاريخى يكون للحقيقة، هذه هى أمانة الكاتب، نحن لا نُجمّل الأشياء ولا نُزيّف التاريخ، أما الخيال هنا فيكمن أثناء كتابة المشاهد نفسها.
النقل عن الأدب
أنا شخصياً لا أحب هذا الأمر، طالما عندى أفكار فلماذا أنقل عن أدب الآخرين؟، لكن أحياناً تُعجبنى حكاية ما، فأضطر للكتابة عنها، وأنا شخصياً أعمل بطريقة مهمة جداً، أستوعب الرواية جيداً، وآخذ منها خيطاً لعمل الفيلم، وأهضمها كويس، ثم أركنها ولا علاقة لى بها بعد ذلك، ثم أقوم بعمل الفيلم بالطريقة التى أريدها، برؤيتى أنا.
فيلم «الراقصة والسياسى»، يختلف عن الرواية، ومثال آخر فى فيلم «غريب فى بيتى»، فى الأصل كان مسرحية بطلها 2، رجل وامرأة، ولا يوجد معهما حتى كومبارس، يتعاركان على شقة، المسرحية كان اسمها good bye girl، لـ«نيل سيمون»، فأنا قلت سأحولها إلى فيلم، وطلع «غريب فى بيتى»، وكان لا علاقة له بموضوع المسرحية تماماً، إنما النقل المباشر لا فائدة منه.
حب على الورق
أحياناً يحدث ذلك، تقع فى حب شخصية كتبتها، ترسم شخصية تكون فى خيالك، المرأة كما تريدها، بالشكل الذى تريده، مثلاً الطموحة وخلافها، مثلاً البنت فى «أنا وأنت وساعات السفر»، وحنان فى «دم الغزال».
وعلى العكس، هناك شخصيات تستدعيك من الواقع، فتنقلها إلى الورق. مثلاً فى «اضحك الصورة تطلع حلوة»، رأيت المصوراتى على الكوبرى، فالشخصية لفتت انتباهى، فنزلت لأشاهده، وحبيت الحكاية، ونقلته من خيالى إلى الورق.
كذلك فى «المنسى»، فلولا تعطل القطار بى فى إحدى المرات أمام كشك معزول، ما كان هذا الفليم وُجد من الأساس. تعرّضت لهذا الموقف بالفعل، وسألت نفسى: «يا ترى الراجل اللى جوه عايش إزاى، وبيعمل إيه».
ومن الممكن أن تأتيك الفكرة من خلال كتاب، مثلاً فيلم «قانون ساكسونيا»، جاءت فكرته من خلال كتاب عن المزيكا، لا علاقة له بأى شىء، فمؤلف الكتاب الدكتور حفنى عامل مقدّمة رائعة يقول فيها إن الموسيقى كانت فناً لا يعترف به، وفى ولاية ساكسونيا الألمانية، كانوا يعاملون الرجل الموسيقى معاملة الظل، أى إنه لو قتل فنان موسيقى لا يُحاكم القاتل، إنما يُحاكم ظله، ويأتى حكم الإعدام بقطع رقبة الظل، إذن هذا البنى آدم الذى مات لا قيمة له، ومن هنا جاءتنى فكرة «قانون ساكسونيا».
مزاج الكتابة
بالنسبة لى، دائماً أضع أمامى أقلاماً وورقاً، بحيث لو جاءت لى فكرة، خاطرة، رغبة فى الكتابة، أبدأ فوراً، فالكتابة بالنسبة لى مزاج يستدعينى، لكن أنا لا أصحو من النوم مثلاً، وأقول أنا هاكتب مشهدين أو 3، «ماعرفش أعملها الحكاية دى».
لكن هناك البعض يكتب فى أوقات معينة، مثل الأستاذ نجيب محفوظ، كان يقول سوف أكتب 20 ورقة، وبالفعل يكتب، لكن ما فهمته فى ما بعد أن الأستاذ نجيب كان يعيد صياغة ما كتبه فى ما بعد.
الكتابة عمل ذاتى
الكتابة عمل ذاتى، وهناك أخطاء يقع فيها الكاتب الذى يتقدّم بفكرة ملخص وحلقتين لشركة إنتاج، يجب أن يكون عملك كاملاً و«متقفل»، حتى لا تفتح الباب للتدخّل فيه وتحافظ على استقلاليته تماماً. الذاتية والاستقلالية رأسمال الكاتب الذى يحترم نفسه ويحترم جمهوره، ويجب ألا يسمح الكاتب بالتدخّل فى السيناريو دون الرجوع إليه واستشارته.
«فالممثل اللى عايز يغير فى السيناريو ييجى يؤلف هو وأمثل أنا.. كل واحد المفروض يشتغل شغلانته».
المحاولة الأولى للكتابة:
تحدث الأستاذ وحيد حامد عن محاولاته الأولى فى الكتابة، وكتابته للقصة القصيرة، وعن قراءاته للأدب العالمى، الروسى والفرنسى والأمريكى، وقراءته عدداً كبيراً من المسرحيات العالمية، خاصة شكسبير، وعن كتب طه حسين وعباس العقاد، وروايات نجيب محفوظ.
وحكى الأستاذ عن تأثير الكاتب يوسف إدريس على حياته، بعدما نصحه بالابتعاد عن كتابة القصة القصيرة والاتجاه إلى الدراما.
كما أوضح أنه يجب أن يكون للسيناريست خيال واسع وثقافة عامة، بالإضافة إلى أنه تعلم كتابة السيناريو ذاتياً، وأصقل موهبته بالمشاهدة وحضور المهرجانات العالمية، وبمتابعة كل ما هو جديد. وبحب تذكر قريته فى «منيا القمح»، وجلوسه على المصطبة بالساعات وهو يقرأ، وعن سفره من الزقازيق إلى القاهرة وهو فى عمر الـ17 عاماً ليُقدم فى نادى القصة القصيرة بشارع قصر العينى، وكان دافعه الوحيد هو الحب لعالم الكتابة.. وأنه طوال حياته كان يكتب عن قضايا الناس، لم يكذب عليهم ولم يزيف الواقع، ولم يتاجر بقضية ولم يبتز أحداً.
وقدّم الكاتب الكبير نصائحه للشباب الذى يحب الكتابة، بألا يقدم تنازلات، وأن يخلص للموضوع الذى يكتبه، وأن تكون لديه القدرة على إقناع الآخرين بالفكرة التى يؤمن بها، وأن الحكاية دائماً تبدأ من المؤلف، وهو صاحب الرؤية والفكرة، كما أنه كان يحرص على اختيار المخرج الذى لديه ثقة مطلقة فيه، وأن المخرج سمير سيف هو أكثر من ارتاح فى العمل معه، لأنه كان شديد الثقافة.. كما أنه كان حريصاً على عدم تقاضى أى أجر على المقال الصحفى، لأنه يرفض أن يحصل على أجر مقابل رأى يكتبه.
من أفلامه:
طائر الليل الحزين - فتوات بولاق - غريب فى بيتى - البرىء - الراقصة والسياسى - الإنسان يعيش مرة واحدة - الغول - أنا وأنت وساعات السفر - معالى الوزير - آخر الرجال المحترمين - الهلفوت - المنسى - اللعب مع الكبار - ديل السمكة - كشف المستور - الدنيا على جناح يمامة - رغبة متوحشة - طيور الظلام - النوم فى العسل - اضحك الصورة تطلع حلوة - سوق المتعة - محامى خلع - دم الغزال - الأولة فى الغرام - الوعد - احكى يا شهر زاد - قط وفار.
اقتباسات من أفلامه
«حلو أوى الواحد لما يزهق يقدر يمشى على طول
أنا برضه زى حضرتك كده
ساعات كتير أزهق بس ماقدرش أمشى
لو مشيت.. القطورات تخش فى بعض
أنا لو زهقت.. أتسجن
عارفة.. فيه ناس كتير تزهق بس ماتقدرش تمشى
تموت وهى زهقانة
أنا واحد منهم».
فيلم المنسى - 1991
«هى العقود عندكم ورق وبس..
حضراتكم بتاخدوا قرارات بملايين الجنيهات
فى كل مرة بتمضوا عقد.. ولّا الكلمة بتبقى عقد؟
العقد مابيعملش الحقيقة.. العقد بيثبتها بس
كلمة أنا بحبك عقد
اللمسة عقد
النظرة عقد
الوعد بالجواز ده أكبر عقد
طارق لما جالى البيت وقال لى يا عمى أنا بحب بنتك وعايز أتجوزها رحبت بيه، وقلت له: وأهلك؟
قال لى أهلى مابيرفضوليش طلب يا عمى.. صدقنى
صدقته.. لأن إحنا بنصدق الناس الأكابر وولاد الأكابر
أنا آسف
والله العظيم أنا ما جاى أبوظ الفرح
ربنا يسعدكم.. ربنا يسعدك يا بنتى
بس حقيقى أنا كنت هاموت من الغيظ لو ماكنتش ضربته القلم ده
ابنك عندك يا باشا.. مايلزمنيش
وبنتى عندى.. أميرة وملكة، حتى لو هى وأهلها مش لاقيين ياكلوا».
اضحك الصورة تطلع حلوة - 1998
«الإنسان بيعيش مرة واحدة بس.. علشان كده لازم يعيش كسبان على طول.. حتى إذا خسر لحظة.. لازم يكسب اللحظة التانية.. لكن لو فضل يخسر على طول.. هيموت».
من فيلم «الإنسان يعيش مرة واحدة» - 1981