كان عبدالله بن الزبير من أكثر أبناء كبار الصحابة مناوأة لفكرة توريث الحكم ليزيد بن معاوية، لأنه ببساطة كان أشدهم طموحاً إلى الخلافة، ذلك الحلم الذى ورثه عن أبيه. فى عام 64 هجرية اندلعت ثورة «ابن الزبير» بمكة المكرمة، وقد أصرّ على المكوث فى مكة، ولم يُفكر فى الخروج منها، ليُنازع يزيد بن معاوية الحكم، كما فعل الحسين بن على.
حين اشتعلت ثورة عبدالله بن الزبير، واجهها «يزيد» بشراسة عن طريق نائبه عليها عمرو بن سعيد بن العاص، ورغبة منه فى تأمين المدينة، ومنع تسرّب أفكار الثورة إليها، اتخذ قراراً بعزل الوليد بن عتبة عن إمرتها وولاها لعمرو أيضاً. وعمرو بن سعيد بن العاص -كما يظهر من اسمه- هو شقيق خالد بن سعيد بن العاص، جد عمرو بن الزبير، شقيق عبدالله، ويقول عنه «ابن كثير» إنه «كان متألهاً متكبراً»، واللافت أن «ابن كثير» يردف هذا الوصف بالحديث عن القرار الذى اتخذه «عمرو» بتعيين عمرو بن الزبير قائداً لشرطة المدينة المنورة، ثم وصفه بقوله: «وكان عدواً لأخيه عبدالله».
الكراهية كانت أساس اختيار عمرو بن الزبير، ليتولى أمر الشرطة فى المدينة، فقد كان الرجل حريصاً على القبض على أى شخص يُؤيد تمرّد عبدالله بن الزبير فى مكة، وتعذيبه وإهانته، وقد كان بذلك يُفرّغ طاقة الكراهية التى سكنت قلبه لشقيقه من أبيه. تتبع «عمرو» مؤيدى أخيه ومن يهوى هواه فى كل اتجاه، وحكم عليهم بالجلد، وضربهم ضرباً مبرحاً، ولم يستثنِ فى ذلك أحداً، بما فى ذلك شقيقه المنذر بن الزبير، وابن شقيقه محمد بن المنذر، وابن شقيقه الثائر خبيب بن عبدالله بن الزبير، بالإضافة إلى محمد بن عمار بن ياسر، وغيرهم كثيرون. تم جلد بعضهم 40، وبعضهم 50، وبعضهم 60 جلدة، كما يُقرر «ابن كثير».
ورداً على الحصار والاضطهاد الذى مُورس على مؤيديه اتجه عبدالله بن الزبير إلى الانتقام من عمرو بن سعيد وقائد شرطته عمرو بن الزبير، بأن اتخذ قراراً بمنع «الحارث بن خالد المخزومى» نائب عمرو بن سعيد على مكة من أن يصلى بالناس، لحظتها صمّم عمرو على تجهيز سرية إلى مكة للقضاء على تمرّد «عبدالله»، واستشار عمرو بن الزبير حول من يصلح لأداء هذه المهمة، فقال له عمرو بن الزبير: «إنك لا تبعث إليه من هو أنكى له منى»، فأصدر عمرو بن سعيد قراراً بأن يكون «ابن الزبير» قائداً للحملة الموجّهة إلى شقيقه.
كان عمرو بن الزبير مُصراً على غزو شقيقه والقبض عليه وسوقه إلى الخليفة يزيد بن معاوية فى الشام، وعندما حاول مروان بن الحكم تثبيط عمرو بن سعيد عن هذه الخطوة، ونصحه بألا يغزو مكة، وأن يترك «ابن الزبير» بها، فإنه عما قليل إن لم يُقتل يمت، حينها صرخ عمرو بن الزبير فى وجهه، قائلاً: والله لنغزونه ولو فى جوف الكعبة، على رغم أنف من رغم، فقال «مروان»: والله إن ذلك ليسرنى!