حادث قطار أسيوط -هذا الحادث الأليم الذى زاد من عمق الجراح التى يعيشها الوطن فى هذه الأيام- جاء ليتوج مرحلةً شهدت الكثير من الأحداث والصراعات؛ لتكون هى الصادمة المبكية التى تعصر قلوب المصريين وهم يشاهدون أطفالاً أبرياء يذبحون تحت قضبان الفساد والإهمال الذى يطال كل شىء أمامه.
هذا الفساد أصبح كالوحش الكاسر المتبجح الذى نُزع قلبُه من صدره ليحطم أحلام أمة وآمال شعب، فنال من كل شىء جميل، حتى وصلت يداه الخبيثتان إلى فلذات أكبادنا.
قطار أسيوط قطار بلا رحمة، لا يعبأ بمن أمامه، يسير على قضبان من تركوه ولم يسعوا إلى إيقافه، فصار أكثر دموية وبشاعة، فقد قتل أطفالنا، ولسان حاله يقول: لم تنته المهمةُ بعدُ، فما زال فى جعبتى الكثير.
وأنا أسمع آهات الأمهات، ولوعة الآباء أكاد أسمع من بعيد ضحكات هذا القطار فرحاً بنصره علينا، ومتشفياً فى كل مواطن تحطمت أحلامُه أمام قدرته على إحداث أكبر قدر من الآلام فى أقل وقت ممكن.
هذا الحادث الأليم -من وجهة نظرى- يمثل منعطفاً حقيقيًّا فى الواقع المصرى، فإما أننا أمام انفتاح غير مسبوق لشهية الفساد والطغيان، أو أننا سنكون أمام سياسات حادة وقوية لمواجهة هذا الفساد.
نعمْ، هذا ما أعنيه تماماً، فالفساد يكون ككرة الثلج، إنه يزداد وتتفاقم آثاره مع ظهوره وانتشاره دونما ردع، أو وقوف أمامه بقوة، وذلك -بوضوح- لأن هناك رسالةً ما مشفرة يتم تناقلها بين أصحاب المصالح، مفادُها أن الطريق ممهدة، والتربة خصبة، ولا توجد عقبات إلا نادراً، والأمر على ما هو عليه، فلم إذاً التوقف؟
بل وربما يكون الأمرُ أكبر من ذلك، فقد تزداد جرعات الفساد؛ لإثبات أنه لا يجرؤ أحد على الوقوف أمام هذه الماكينات التى أصبحت تجرى فى الوطن مجرى الدم.
إخوانى فى الوطن، لقد حان الوقتُ لتعلن الدولةُ الحرب على هذه المنظومة المتغلغلة فى أروقة الدولة وأجهزتها المختلفة على مختلف الأصعدة، فدائماً نذكر التطهير فى جميع مطالبنا، سواء قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها. لقد حمّلْنا الدكتور محمد مرسى هذه المسئولية لتكون على قمة أولوياته، ولكن للأسف لم نجد صدى هذا الأمر فى سياسات الحكومة المشكلة، بل لم نجد رأس هذه الحكومة رجلاً قويًّا ذا بأس شديد، قادراً على مواجهة هذه الوحوش المستعدة للانقضاض بقوة على من يحاول الاقتراب منها.
أرى أن هناك خطأ كبيراً فى تشكيل هذه الحكومة، سواء فى قيادتها أو تكوينها الوزارى غير المتجانس، فالحكومات الائتلافية لا تستطيع أن تنفذ برامج متكاملةً، وأجندات مترابطةً، بل يؤول بها الأمر إلى جُزُر منفصلة، ومن هنا أصبح تغييرُ الحكومة أمراً واجباً، بل وفى أسرع وقت، ثم يتم تشكيل حكومة على رأسها شخصيةٌ قويةٌ قادرةٌ على المواجهة والصمود، ومعه وزراء متجانسون يعملون على أجندة موحدة للخروج بالوطن من هذا النفق الذى يهدد استقراره بشدة، وربما يعصف بالكثير من المكتسبات التى حققتها الثورة.
هناك مراحلُ تمر بها الأوطان تعد فاصلةً، وتحتاج فيها لأكبر قدر من التكاتف بين الجميع، على أن تكون قيادتُها عازمةً بقوة على إحداث تغيير نوعى، ومحاربة كل ما ينخر فى عمق الوطن ليحطمه من الداخل.
فى الوقت الذى نرى فيه الخارج القريب يُسعّرُ من حربه، ويشد من أزره، ويستقوى علينا بغيره فيقتل ويهدم بلا توقف، أصبحت الحلولُ الرمادية غير مجدية، فإما أن نكون أو…..