نكشف بالمستندات: 50 مليون دولار لدعم المتحف المصرى الكبير «ضائعة»
نكشف بالمستندات: 50 مليون دولار لدعم المتحف المصرى الكبير «ضائعة»
اثريون أثناء نقل الاثار
كشفت مستندات حصلت عليها «الوطن»، كارثة من العيار الثقيل تنتظر المتحف المصرى الكبير، الذى بدأ كحلم لإنشاء أكبر متحف فى العالم على مساحة 170 فداناً يحوى 100 ألف قطعة أثرية بتكلفة بدأت فى 2002 بـ550 مليون جنيه، لتصل مع تعطل العمل وتوقفه لنحو مليار جنيه، أطلقت من أجلها وزارة الآثار حملات لجمع التبرعات وطالبت بقروض إضافية من اليابان فى الوقت الذى تجاهل فيه وزراء الآثار المتعاقبون مبلغ 50 مليون دولار قُدمت كمنحة من مركز البحوث الأمريكى تضيع بين قطاعات الوزارة المختلفة، واختفت فى ظروف غامضة ليس ذلك فقط، بل وتسبب الإهمال فى تلف أجهزة واستلام مبانٍ دون المواصفات، بل وإهدار 100 مليون فى حائط وظيفته الوحيدة أنه أيقونة للمتحف
وترصد المستندات، التى حصلت «الوطن» على نسخة منها، واقعة فساد جديدة وإهدار ما يقرب من 200 مليون دولار قُدمت كمنح وقروض ومساعدات وأجهزه لإقامة المتحف من عدد من الجهات، منها هيئة التعاون اليابانية «الجايكا»، وهى الجهة الممولة للعمليات الإنشائية، ومركز البحوث الأمريكى، التابع لهيئة المعونة الأمريكية، والذى منح المتحف الـ50 مليون دولار، وهو المبلغ المفقود منذ 25 ديسمبر 2012، بين قطاعات الوزارة، ولم يتم العثور عليه حتى الآن.
وكشف المستند الأول بتاريخ 9 ديسمبر 2012، وقدمه اللواء محمد الشيخة، الرئيس السابق لقطاع المشروعات بوزارة الآثار، موجهاً إلى وزير الدولة لشئون الآثار، ضياع 50 مليون دولار، مؤكداً أن هذا المبلغ لم يصل رقم حساب قطاع المشروعات، وطلب الاستفسار عنه من قطاعى الآثار الإسلامية والمتاحف، وسؤال إدارة المتحف المصرى الكبير.
والمستند الثانى بتاريخ 30 ديسمبر 2012، كان موجهاً من الدكتور الحسين عبدالبصير المشرف العام السابق على مشروع المتحف المصرى الكبير يؤكد فيه أنه لا يعرف شيئاً عن هذا المبلغ وأنه لا توجد معلومات لديهم.
أما المستند الثالث بتاريخ 30 يناير 2013 كان موجهاً من قطاع المتاحف إلى وزير الآثار، يؤكد نفس الشىء ويرد بنفس الجملة: «إن كشوف الحساب الخاصة بالقطاع لم يرد بها مبلغ الـ50 مليون دولار الخاصة بالمتحف المصرى الكبير»، وظل هذا المبلغ لغزاً فى وزارة الآثار، وما زال المسئولون يبحثون عنه منذ عامين.
وأكدت مايسة حسين على، مدير عام الحسابات بالمتحف المصرى الكبير، أن جميع المبالغ الواردة للمتحف من تبرعات ومنح ترد مباشرة لقطاع تمويل الآثار بالوزارة ضمن حساباتهم، كما أن هذا المبلغ لم يرد ضمن كشوف البنك الخاصة بالوحدة الحسابية للمتحف.
إهدار 70 مليون جنيه على أجهزة ومعدات وبناء معامل لا تصلح للاستخدام
ورصدت المستندات، تلف جهازين وإهدار ما يقرب من 70 مليون جنيه على أجهزة ومعدات وبناء معامل لا تصلح للاستخدام، ففى يونيو 2009، قامت وزارة الآثار بشراء جهاز الأشعة السينية من شركة أوروبت، وهو جهاز صمم خصيصاً بناء على طلب من إدارة المتحف الكبير لاستخدامه فى أغراض فنية متعلقة بالقطع الأثرية، وتم توريده بمبلغ 7 ملايين جنيه. الجهاز الذى يحتاج إلى غرفة تحكم خاصة بمواصفات فنية معينة، حتى يتسنى له العمل دون إلحاق أى ضرر بالعاملين، رفضت الشركة الموردة فى أكتوبر 2009، تركيبه نتيجة لعدم مطابقة الغرفة المعدة للمواصفات القياسية، كما وردت فى الكتالوجات المصاحبة للجهاز، وقامت الشركة برفع تقرير للقائمين على المتحف المصرى تعلن فيه أنها غير مسئولة عن تركيب الجهاز وهو ما يطرح السؤال حول كيفية استلام الغرفة من استشارى المشروع دون مراجعة القياسات ومدى صلاحية تلك الغرفة.
وأكدت الشركة الموردة للجهاز أنه فى حالة زيادة حوائط الغرفة 50 سم، تكون المساحة المتبقية غير كافية لتركيبه، وأن هناك احتمالاً لتسرب الإشعاعات، فيما حاولت الوزارة إقناع الشركة بالموافقة على تركيبه، إلا أن الأخيرة رفضت، وصممت على بناء غرفة خاصة له، فيما لا يزال الجهاز موجوداً داخل الصناديق دون استخدام رغم مرور أكثر من 5 سنوات، وهو ما عرضه للتلف، ولم تتسلمه الوزارة رسمياً نتيجة لعدم تشغيله، حيث إن الإجراءات الروتينية تقضى بأن يتم تشغيل الجهاز، والتأكد من صلاحيته ومن ثم يتم تخزينه.
كما أفاد مستند آخر، إهدار ما يقرب من 9 ملايين جنيه من المال العام، بسبب حدوث عطل فى جهاز «الميكروسكوب الماسح الإلكترونى»، حيث توقفت العدسة الرئيسية عن العمل، وارتفعت حرارة الجهاز نتيجة سوء التهوية، ما تسبب فى توقف الجهاز تماماً أثناء عملية الفحص، وهو جهاز متخصص فى تحليل عينات من قطع أثرية، لمعالجتها بطريقة فنية ومعرفة نوعها، ووقع العطل بحسب المستندات المتمثلة فى تقارير رسمية رفعت لوزير الآثار نتيجة لقيام إدارة المتحف بإرسال غير متخصصين للحصول على دورات تدريبية على استخدامه، وهو ما أدى إلى حدوث أعطال فنية تجاهلت الإدارة تلافيها، ومنذ عام 2009 وحتى الآن، لا يزال الجهاز على حاله.
ويعتبر جهاز «الميكروسكوب النافذ»، أحد أهم الأجهزة التى يتم الاستعانة بها داخل المتحف بغرض تحليل عينات الآثار، تم شراؤه فى سبتمبر 2009 بمبلغ 13 مليون جنيه، وطالبت الشركة الموردة بإنشاء معمل خاص لتشغيله، إلا أن طلبها قوبل بالتجاهل، وفى يونيو 2011 أرسلت الشركة للإدارة الفنية بالمتحف، خطاباً رسمياً تخلى فيه مسئوليتها عن أى أضرار قد تحدث للعاملين جراء تشغيله دون وضعه فى غرفة مخصصة له.
وكشف «تكادو كنجو»، مسئول المشروعات بمؤسسة «الجايكا»، أن الحكومة المصرية تتعامل بغموض معهم، مؤكداً أن هناك مجموعة من الاستفسارات تعد لغزاً فيما يتعلق بتعاملها مع مشروع المتحف المصرى الكبير، أولها أن الحكومة حصلت على ما قيمته 40% فقط من قيمة القرض الأساسى الذى اتفق عليه عند بداية المشروع، والبالغ 400 مليون دولار يستحق الدفع فى 2016 بفائدة 1.5% ممتدة على 30 عاماً، وحتى هذه اللحظة لم تطلب الحكومة رسمياً القرض الإضافى الذى أبدت رغبتها فى الحصول عليه شفهياً عبر وسائل الإعلام، والبالغ 350 مليوناً، بل وتأكيد رئيس الوزراء أنه جرى التفاهم مع الجانب اليابانى لتوفير القرض الإضافى وهو ما لم يتم، وعلمت الحكومة اليابانية به عبر وسائل الإعلام ما يطرح علامات استفهام خاصة مع ما كشف عنه القرار الوزارى الصادر فى 2012 بإبطاء وتيرة العمل نتيجة عدم توفر تمويل كافٍ، فكيف تعلن الحكومة ذلك فيما لا ترسل طلب تمويل من جهة التمويل؟ ولماذا تعلن عن قرض إضافى ولا تطلبه وتبطئ وتيرة العمل بدون مبرر عقب الثورة؟ بالرغم من تيقنها أن الإبطاء سيرفع القيمة مع زيادة الأسعار عالمياً، لتصل تكلفة إنشاء المتحف لمليار دولار أى نحو الضعف، وهو ما أعلن عنه وزير الآثار ممدوح الدماطى فى تصريحات صحفية، وأكد أن التكلفة ارتفعت لمليار جنيه.
مدير عام الحسابات بالمتحف: جميع المبالغ الواردة من تبرعات ومنح ترد مباشرة لقطاع تمويل الآثار بالوزارة
وأكد «كنجو»، أنه يجرى حالياً مراجعة الأعمال الإنشائية لحائط صد الرياح لتخفيض تكلفته مع الحفاظ على شكله وقيمته الجمالية، وأن التكلفة مرتفعة جداً وبدون مبرر ومن الممكن تخفيضها لتخفيض التكلفة الإجمالية.
عبارة مسئول «الجايكا»، دفعتنا للبحث عن الحائط المذكور لنكتشف واقعة إهدار أموال جديدة، وينص التعاقد على إقامة حائط لصد الرياح بطول 600 متر من مواد استخدمها المصرى القديم بقيمة 100 مليون دولار وهو مبلغ كبير جداً، خاصة إذا ما علمنا أن تكلفة إنشاء متحف السويس القومى كاملاً طبقاً للمستندات بلغت 20 مليون و700 ألف دولار.
ورفض مسئول المركز الأمريكى للبحوث، التعقيب على قضية الـ50 مليوناً التائهة، مؤكداً أنه غير مسموح لأى من العاملين بالمركز الحديث لوسائل الإعلام، وأنه يوجد مسئول بوزارة الآثار مخول له الرد على جميع تلك التساؤلات، وكان استفساره الوحيد عن كيفية حصولنا على مثل تلك الأوراق وهل هى فى حوزتنا بالفعل، نافياً وجود أى أعمال للمركز بالمتحف المصرى، وأن كل أعماله فى محافظة الأقصر فقط وجميعها أعمال حفائر بالرغم من أن جولة بالموقع الإلكترونى للمركز ستكشف عن مساهمته فى عمليات ترميم متحف الفن الإسلامى، وفى أرشفة التراث المصرى وفى تطوير المتحف المصرى بالتحرير.
وأكد هانى أبوالعزم، مسئول ملف مركز البحوث الأمريكى بوزارة الآثار، أن أجهزة «الميكروسكوب»، لم تعمل من الأساس لعدم توافر غرف ذات مقاييس تناسب تلك الأجهزة، وهو ما يطرح سؤالاً عن كيفية استلام استشارى المشروع لمعامل الترميم، وأين الرسومات الهندسية التى سبقته، وبالتالى لم يتم تشغيلها وتأكيد استلامها وإدخالها للمخازن، وهو ما عرضها للتلف، وأنه تم إحالة القضية برمتها للنيابة الإدارية.
ونفى «أبوالعزم»، علمه بوجود تحويل مالى بـ50 مليون دولار رغم وجود مراسلات بين الوزير ورؤساء القطاعات للاستفسار عن مصيرها.
وخلال زيارتين للمتحف فى أكتوبر 2014 وسبتمبر 2015، رصدت «الوطن» أن أعمال المبنى الرئيسى لا تزال فى مراحل الأساسات، والجزء الوحيد المنتهى هو مركز الترميم والأبحاث، أما المتحف فهو فى حاجة إلى 7 سنوات على أقل تقدير، طبقاً لوزير الآثار الحالى الدكتور ممدوح الدماطى، الذى أصدر قراراً بإيقاف المؤقت الإلكترونى الموجود فى أرض المشروع، الذى يحسب تنازلياً ميعاد افتتاح المتحف، والذى كان من المفترض، أن يكون بعد تعديله فى 2015.
وأعلن «الدماطى»، أن الافتتاح النهائى سيكون فى عام 2022 بالرغم من أن التعاقد كان يشترط الانتهاء من المشروع فى 2012 وبذلك يدخل القرض حيز التنفيذ فى 2016 ويتوجب على الحكومة المصرية دفع أصل القرض، وفوائده دون تحقيق المتحف لأى عائد مادى لأنه لا يزال فى طور الحلم. واعترف على سيد توفيق، المشرف العام على المتحف المصرى، بوجود أخطاء فى الأجهزة المشار إليها، كاشفاً أن جهاز الأشعة السينية، الذى صمم خصيصاً للمتحف المصرى، ذو قدرات مرتفعة لا تتحملها الآثار، وقد تصيبها بالتلف لذا فإن المتحف يتفاوض مع الشركة لإعادته منذ 2010، أما جهاز التلسكوب العاكس فتم تصليحه على نفقة المتحف، وهو يعمل الآن بشكل جيد.
أما فيما يتعلق بحائط الصد، أشار «توفيق»، إلى أنه أيقونة المتحف، وتم الاتفاق عليه فى وقت لم تكن الآثار تعانى من أزمة، كما هو الوضع الآن، مؤكداً أنه لن يتم الاستغناء عنه حتى إن لم تكن له وظيفة.