قبل ما أدخل فى الموضوع، ونبحر فى تجاوزات الدكتور البرادعى الأخيرة، أود أن أذكِّر القراء الأعزاء بأمر هامّ. أنا قمت بانتقاد الرئيس فى أكثر من مقالة، وطالبتُ بتطهير الداخلية بشكل واضح وصريح وأعلنتُ صراحة رغبتى فى إقالة حكومة هشام قنديل بعد حادثة القطار، فمن الآخر كده أقول ما أشعر به وأعتقده وأسعى أن يكون انحيازى إلى الحق بموضوعية.
الدكتور البرادعى فاجأنا بأكثر من تصريح فى الفترة الماضية، كان من السلبية بمكان أن أشغل الكثيرين ممن فى الساحة السياسية بانتقاده والهجوم عليه، سوء عندما طالب الغرب بالتدخل فى الأزمة المصرية، أو عندما قام بالتلميح بتدخل الجيش فى لحظة من اللحظات. الحقيقة أنا لست معنياً بكل ما قاله الدكتور البرادعى ولكنى فقط سأقف عند حواره الذى دار مع مجلة «دير شبيجل» الألمانية، لأنها كما أظن احتوت على كل المعانى والمنطلقات التى انعكست على كل تصريحاته فى الفترة الماضية.
الحوار مع المجلة كان بالنسبة لى مجموعة من الرسائل إلى المجتمع الغربى والقوى المؤثرة فيه، فعندما يقول صراحة الدكتور البرادعى فى لقائه إنه يعمل على جمع القوى الليبرالية تحت مظلة واحدة لكى يقف أمام التيار الإسلامى، فهذا من حقه سياسياً، ولا أرى بئساً فى هذا الأمر فى ظل المنافسة السياسية الوطنية. أما أن يختم هذه الجملة بأنه يريد من المجتمع الغربى والأمريكى مساعدته، فهنا يجب أن نقف وبقوة. هل المنافسة السياسية مع أطياف سياسية أخرى داخل مربع الوطن تتيح للدكتور البرادعى الفرصة لخلق جبهة خارجية ضد رفاق الوطن وإن اختلفوا سياسياً وأيديولوجياً؟ من خلال ما قرأته فأرى أن الدكتور البرادعى يجاهر بأن مربعاً واحداً يضمه ومعه المجتمع الغربى والتيار الليبرالى فى مصر، وعلى الجانب الآخر هناك مربع يضم التيار الإسلامى بمختلف أطيافه. أليس هذا تجاوزاً لكل الأعراف الوطنية، أليس هذا استعداءً واضحاً لفصيل وطنى، حتى وإن كان منافساً؟ ماذا لو فعل الإسلاميون نفس الأمر فى دولة خليجية على سبيل المثال؟ والله كانت قامت الدنيا ولم تقعد، وكنا سمعنا عويلا فى كل مكان عن حرمة الوطن وامتدادات الإسلاميين فى الخارج وخطورته على الأمن القومى.
الحوار على قِصره شمل خطايا سياسية ووطنية من العيار الثقيل من وجهة نظرى. فعندما أراد أن يشير إلى خصومه السياسيين داخل «التأسيسية» وصفهم بأوصاف أيديولوجية وسياسية ممكن نبلعها كخلاف سياسى بين البرادعى والتيار الإسلامى، ولكن المفاجأة الكبيرة أن يرمى البرادعى فى وسط كلامه قنبلة من العيار الثقيل، فقد أراد أن يرسل رسالة إلى لوبيهات الضغط الغربية عبر مفاهيم قابلة للاشتعال سريعاً. فإذا به يقول إن من ضمن إشكالياته مع التيار الإسلامى داخل «التأسيسية» أنهم ينكرون «الهولوكوست». طبعاً شىء لا يصدقه عقل ولا منطق، ما الذى أقحم «الهولوكوست» فى خطاب سياسى مصرى داخلى؟ وهل ولاء البرادعى وبراءته من التيارات السياسية أصبح «الهولوكوست» والاعتراف بها من مكوناتها الأساسية؟ ولماذا يتم ذكر هذا الأمر وفى صحيفة ألمانية بالذات، أليس هذا هو الاستعداء بعينه؟ أليس هذا هو أبشع أنواع الاستقواء بلوبيهات مشبوهة ضد فصيل وطنى فى صراع سياسى داخلى؟ «الهولوكوست» حادثة فى عمق التراث اليهودى والصهيونى فى كل أوروبا ويعدُّون المخالفين لها أعداء من الطراز الأول، بل وهم من أعداء السامية وغيرها من التهم المعلبة والمجهزة سلفاً.
بصراحة هذه تجاوزات لا تصنع توافقا ولا تبني وطنا ولا تؤسس دولة، بل انها خطايا سياسية ووطنية يجب العدول عنها ومحاصرتها بشكل جماعي ومن كل الطيف السياسي في معزل عن الصراع الحالي بين القوى السياسية المختلفة. الصراع سيزول وستبقى المبادىء الحاكمة في علاقاتنا والتي ستؤسس لمستقبل سياسي في مصر يتيح الفرصة للمنافسة السياسية الشريفة من أجل المصلحة العليا لهذا الوطن الذي فداه شبابه بروحه من أجل مستقبل حر وكريم…..وشريف.