فى كل مجتمع يوجد نموذج لذلك الرجل العجوز البخيل الذى لا يشبع أبداً، يريد أن يأخذ كل شىء ولا يعطى إلا الفتات، متخلياً عن كثير من ماء وجهه، متغاضياً عن مروءته وكرامته رغم ادعاء (الحمشنة بجعجعة فارغة) يستعرضها بين حين وآخر عندما تتأخر ابنته لساعات طويلة كافية لشياطين الليل كى تنتهى من مهمتها معها، رغم إدراكه التام أنها ترتكب ما لا تقبله نخوة أو رجولة لكنها فى النهاية تحضر قدراً كافياً من المال من عمل تحت أى مسمى لزج يكون فيه مبرر (أهبل) يضحك به على نفسه، ويجد حجة هى آخر ورقة توت تستر بشاعة ما قد أصبح عليه بعد أن تخلى عن دوره ليتركها تواجه الحياة بلا أى سند من مقومات تعليمية أو أخلاقية.
أو ذلك المتصابى المتشبث بالوقت الضائع المتكالب على اقتناء كل شىء بأى طريقة، المال، السلطة، زوجة شابة لا يستطيع مجاراة احتياجاتها مكتفياً بديكور الأسرة المزيف، متغاضياً عن انفلاتها، موهماً نفسه بأن كل شىء تمام رغم إدراكه الداخلى أن حملها من سفاح خائفاً أن يواجهها حتى لا تفضحه وتكشفه حتى أمام نفسه، وقد أعطى ضميره الكثير من المبررات، متعللاً بآخرين سبقوه بنفس الأفعال، ليمضى باقى أيامه بقيم مزيفة فيكون (مسخة) أمام الجميع حتى منافقيه الذين ينهشونه فور الرحيل.
أن يكون هنالك رجال بتلك الصفات فى أى مجتمع لشىء مؤسف ومخجل ولكنه وارد، أما أن تكون بعض مؤسسات الدولة تمارس تلك الرذيلة فذلك هو العار بعينه، باستثناء الشرفاء الذين يضيع مجهودهم وسط الفوضى، عندما يكون صاحب القرار هو نفسه صاحب المصلحة، أعرف أنك فى ماخور فساد طافح، فقد تركت (للقط مفتاح الكرار) ليقوم بإهداء نفسه مكافآت وعلاوات وبدلات، وبسرية تجعل الجريمة أسهل وألذ، وها هى النتيجة على مر سنين من التجويد لميراث الفساد الذى يضيف كل وريث فيه (التاتش بتاعه) ويكتسب المزيد من الأرض حتى أصبحنا يوماً فوجدنا أنفسنا غرباء فى وطننا، وأمامنا خط بارليف صنعناه بأيدينا يجثم على روح الوطن، وفى مقابل الاستمارات والبدلات واللجان وكل المستحدثات لإيجاد حجج لنهب المال العام، يصل لبضعة ملايين شهرياً لبعض الأفراد، لا بد من دفع الثمن، فأول هام لازم (يشبرأ) على بطانته التى يجب أن تكون ممن يستحلون المال الحرام، وبالتالى لا بد من إبعاد الشرفاء، وسد الفم لتستحى العين، بينما لا بد من غض الطرف عن غير المشاركين فى (اليغمة) وهم السواد الأعظم الذين يفقدون القدوة والانتماء، ويبدأ كل منهم فى البحث عن طوق نجاة، فتنتشر كل معطيات الفشل والظلم والخراب، وأمام بعض الخدمات المشروعة أو غير ذلك نجد المواطن مطالباً قهراً بالحسنة والشاى والحلاوة وملء الأدراج المواربة، على مستوى الغلابة، الذين يتقاضى أغلبهم مرتبات لا تتعدى حاجز الألف جنيه إلا بقليل، لندرك إلى أين قادنا سوء التخطيط من البداية واصطناع (الهبل) بتصور إمكانية الحياة بأرقام بالكاد تفى بإيجار منزل متواضع وسداد فواتير الكهرباء والماء، وهم يطالبون الجميع بربط الأحزمة بينما كروشهم (مدلدلة)، وهكذا يظل السيد المسئول الكبير (عامل عبيط) ويتركهم(يلقطون) رزقهم لأنه ليس عنده استعداد لفقد أى شىء من الملايين، المبرر الأزلى أننى لست من وضع النظام، وليس لى ذنب فيه، وإن حاولت التغيير فسأتعرض للانتقام، لكن اسمح لى أن أبلغك بأنك كاذب يا سيدى، وتغالط نفسك وأنت تعلم ذلك جيداً، وإذا كان الفساد قديماً من رأس الدولة فالظروف تغيرت، ألم يخطر فى بالك تأمل حال سابقيك والخرائب التى تركوها وراءهم مصحوبين بلعنات المقهورين وأمراض وكآبة وبعض من عقوبات السماء، صدقنى إنه حمل من سفاح، مهما التمست له من وثائق ميلاد ومهما كثر أمثالك من الحُبلى وراء كل باب لن يعطيه ذلك شرعية الوجود، فهو لم يكن أبداً ابنك الشرعى ولن يكون، وللحديث بقية تترجمها الأرقام.