بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاستفتاء بقبول مسوّدة الدستور وبما أن التوقعات بانتهاء المرحلة الثانية بنتيجة متقاربة، أود أن أضع رؤية تحضيرية للمرحلة المقبلة بناء على هذا التصور لنكون على استعداد ذهنى لما هو قادم.
على السلطة أن تعى أن حجم الرافضين للدستور غير قليل ويجب تحليل هذا العدد موضوعياً، فالأمر ليس فقط محدوداً بالخلاف الأيديولوجى وحسب، بل إن هناك فئات أخرى انضمت إلى الرافضين للدستور، ليس فقط على خلفية الصراع على الهوية، بل على خلفية الرفض لسياسات السلطة الحالية، وكأنه تصويت انتقامى، هذا بالإضافة إلى الرافضين للدستور لأسباب موضوعية تتعلق بصياغات بعض البنود الهامة والتى تتمحور فى ١٢ إلى ١٥ بنداً على أقصى تقدير، ومن ثم على السلطة واجب هام فى المرحلة المقبلة، ألا وهو جمع أكبر قدر ممكن من المصريين على هذا الدستور، حتى بعد الانتهاء من الاستفتاء عليه، وذلك من خلال تقريب بعض الفئات الرافضة له من خلال عدة إجراءات، وهى كالتالى:
- تحديد حجم المواد المختلَف عليها موضوعياً ووضع خطة تشريعية لتحسين وضع هذه المواد من خلال حزمة من التشريعات تُعرَض على مجلس النواب القادم.
- تحديد المواد الدستورية، والتى يمكن تعديلها بتوافق يشمل غالبية القوى السياسية، على أن يتم تمريره فى أقرب إطار زمنى يمكن تحديده، على أن يتم التوافق على عدم تفعيل تشريعات مضادة لهذه المواد فى الفترة الزمنية البينية.
- على السلطة الآن العمل على تحسين الأداء الحكومى ليشعر المواطن بوجود هذه الحكومة التى فَقَدت بريقها منذ تم تعيينها، وكنت أتمنى تغييرها منذ فترة بعيدة، ولكن بعد إقرار الدستور أرى الصبر عليها حتى انتخاب مجلس النواب، وعندها سيتم حل الحكومة تلقائياً، حسبما ورد فى الدستور الجديد.
- العمل على تجويد القرارات الرئاسية فى المرحلة المقبلة وتحسس نبض الشارع المصرى قبل الخروج عليه بقرارات مؤثرة، وذلك من خلال الاستثمار الأمثل لمجموعة من المستشارين الأكفاء فى المجالات المختلفة.
ومن الجانب الآخر أدعوا المعارضة لأن تتفهم مقتضيات المرحلة القادمة، وأن تسعى من جانبها لتطوير خطابها إلى خطاب معارض موضوعى غير مصادم لإرادة الشعب وغير مستند إلى أدوات تثير الفوضى فى أرجاء الوطن، فالتظاهر والاعتصام وسائل سلمية للمعارضة، ولكن لا يصح استخدامها بعد استفتاء عبّر من خلاله المصريون عن إرادتهم الناسخة لأى إرادة سياسية لأى قوة أو تيار مهما بلغت قوته وقدرته على الحشد. على المعارضة الجلوس مع السلطة فى حال دعوتها إلى ذلك وليس ذلك لاحتوائها، ولكن للتوافق حول الأطر الأساسية الجامعة فى المرحلة المقبلة ومن ثم تقوم بتحضير أوراقها وبرنامجها السياسى للدخول فى انتخابات تشريعية مقبلة، يهمنا جميعاً أن نرى فيها منافسة حقيقية موضوعية يستفيد منها الوطن، سواء من التيار الذى يحكم أو التيار الذى يعارض.
أيها العقلاء، مصر الآن على مشارف الانتقال إلى الجمهورية الثانية بكامل مؤسساتها، فعلى الجميع السعى لإنجاز هذه المهمة التاريخية لإنجاح هذا المشروع العظيم، واعتبار هذا المشروع مشروعاً وطنياً، وليس مشروع سلطة حاكمة فحسب. المعارضة ذات المشروع البديل والسلطة الحكيمة ذات القدرة على إدارة الدولة هى مستقبل مصر التى نريد.