الثورة فعل فطرى أودعه الله فى النفس البشرية كى يكون بمثابة صمام الأمان الأخير، وهى تعمل ضد عقل الإنسان ومنطقه فى كثير من الأحيان للتغلب على غريزة الخوف
أذكر موقفاً حدث لى منذ أكثر من عشر سنوات، فى ليلة من الليالى وأنا أستعد للنزول لصلاة الفجر
«المحل أهو.. عشر دقايق وهنيجى على طول» خرجت زوجتى من السيارة ومعها ابنى، قاصدة ذلك المحل المتخصص فى بيع حقائب الأطفال المدرسية.. لقد اهترأت حقيبة ياسين سريعاً وأصبح من الضرورى شراء واحدة جديدة يكمل بها هذا العام..
ما زلت أتذكره جيداً.. مُدرس فصل أولى ابتدائى/أ.. كان بشوشاً ومرحاً لأقصى درجة.. وكان يحبنا جميعاً على الرغم من شقاوتنا وصوتنا العالى وخناقاتنا العبيطة على مسطرة أو قلم ألوان..
كنت أبحث عن مكان لسيارتى فى موقف سيارات أحد المولات الضخمة، وبينما أنا كذلك اضطررت إلى التوقف أمام أحد التقاطعات المخصصة لعبور الزبائن من وإلى بوابة المتجر
ضجت القاعة بالتصفيق فور دخول قائد الأوركسترا إلى المسرح، كان رجلاً أشيب الشعر يرتدى بدلة سوداء أنيقة، بدا واثقاً من نفسه، مشى بخطوات هادئة إلى أن وصل لمنتصف المسرح.. أومأ القائد برأسه تحية للجمهور، ثم أشار بيده إلى العازفين سامحاً لهم بالجلوس استعداداً للمقطوعة الموسيقية الأولى فى الحفل.
اقترب فصل الشتاء.. ومع اقترابه، تنسحب الشمس ببطء لتختفى وراء الغيوم، وينسحب معها النور والدفء فلا يبقى لنا غير البرد والظلام وأغصان يابسة.. مما يُدخلنى فى شعور موسمى بالانقباض والكآبة، ولا أعلم بالضبط أهى ذكرياتنا الحزينة المتراكمة فى مثل هذا الوقت من العام التى تخلق ذلك الشعور، أم كآبتنا الشتوية التلقائية هى التى تستدعى تلك الذكريات وتزيدها حزناً وقتامة؟
وما الجديد فى هذه الدنيا التعيسة، وفى كل يوم يفصح الإنسان عن مزيد من الخسة والنذالة واللاإنسانية؟ منذ أن كانت الإنسانية كلها تتمثل فى شقيقين، وجد قابيل مبرره الذى يريح به ضميره ليقتل أخاه وهو نائم! نصف البشرية يقتل نصفها الآخر بمنتهى الوحشية!
فى نهاية يوم المرمطة الأسبوعية على أحد ملاعب كرة القدم الخماسية، وقفت أنا والأصدقاء كما تعودنا عند أحد محلات العصير الشهيرة.. وبينما نحن محتاسون فى اختيار العصائر وأحجامها، أطلّ علينا من جهاز التلفاز المعلق على الحائط إعلان قبيح لفيلم من «أفلام العيد».
«كلمنى عن الحشيش!».. . انفجر صديقى ضاحكاً على الجانب الآخر من المكالمة الهاتفية لأنى داهمته بهذا السؤال خبط لزق، وبما أنه صيدلى، فربما اعتقد أننى أشاور عقلى على كَبَر وأبحث عن ديلر.. مما دفعه إلى الرد بشىء من الألش قائلاً: «طلبك مش عندى يا سى مزاجانجى».