المؤرخ عاصم الدسوقى: «روح الانفصال» تتغذى على إهمال الحكومة.. وعناد أهل القناة سيولد «الكفر بالبلد»
أهالى محافظات القناة لهم شخصية المهاجر الأمريكى الذى يتسم بروح المغامرة والعناد والتحدى والعنف أحياناً إذا ما أُضيرت مصالحه.. هكذا بدأ الدكتور عاصم الدسوقى مؤرخ مصر الحديثة حواره لـ«الوطن»، مؤكداً أنه يشعر بقلق شديد من دعوات الانفصال مهما بدت «خافتة» ويشعر بقلق أكبر من التهوين منها، فهو يخشى أن نلقى مصير السودان والعراق وسوريا ونحن غافلون.. ولن يعيد الهدوء والرضا إلى قلوب أهالى القناة وباقى محافظات مصر إلا تفعيل دولة القانون التى يشعر فيها المسيحى قبل المسلم وأهالى القناة قبل القاهريين والمرأة قبل الرجل أنهم سواسية فى الحقوق والواجبات. ويدعو الدسوقى لاستلهام روح النظام الفيدرالى الأمريكى وتفعيل الحكم المحلى حلاً للظلم الشديد الذى يشعر به أهالى الأقاليم التى بات معظمها مدناً معاقبة محرومة من خيراتها.. إلى نص الحوار:
* فى تقديرك.. ما الذى يحدث فى منطقة القناة؟
- حالة غضب ورفض للسياسات العامة التى يتبعها الرئيس مرسى وجماعته منذ توليهم السلطة، وهى سياسات أغضبت الجميع وليس أهل القناة فقط.
* لكن لماذا كان رد الفعل فى هذه المنطقة أعنف من باقى محافظات مصر، وحتى فى ثورة يناير أول شهيد سقط فى السويس؟
- مدن القناة لها طبيعة خاصة بحكم نشأتها، فالإسماعيلية وبورسعيد وبور فؤاد وبور توفيق مدن حديثة، جاء أهلها إليها من قرى ومدن الشرقية وسوهاج على وجه الخصوص بحثاً عن العمل عند حفر قناة السويس. أما مدينة السويس فميناء قديم جداً وفد عليه سكانه من دول كثيرة مثل الصومال والسودان والجزيرة العربية واليمن وغيرهم بحثاً عن العمل أيضاً. لاحظ أن كثيراً من أسماء العائلات هناك يعكس أصولهم غير المصرية. ولأن سكان هذه المدن مهاجرون سواء هجرة داخلية أو هجرة خارجية من دول الجوار، فإن طبيعة وشخصية المهاجرين تغلب على هذه المحافظات.
* وما أهم سمات شخصية المهاجر؟
- روح التحدى والمغامرة التى تدفعه للانتقال بحثاً عن حياة أفضل، والمهاجر غالباً ما يتصف بروح الكرامة ويجنح للخشونة والعنف إذا ما أضيرت مصالحه. أهل منطقة القناة يشبهون إلى حد كبير الأمريكان الذين هاجروا إلى هذه القارة المجهولة من كل دول أوروبا بحثاً عن فرص عمل وكانوا مستعدين لعمل أى شىء للحفاظ على موطنهم الجديد. وعناد هذه الشخصية وصلابتها ظهر بوضوح فى أحداث الثورة الأولى وفى ردود فعلهم على شعورهم بالظلم مؤخراً ليس لإعدام 21 شخصاً منهم ولكن لإفلات ضباط الأمن من العقاب.. ما دفعهم لرفض الحكم والنزول للشوارع والاشتباك مع رمز السلطة هناك ممثلاً فى الشرطة.
* لكن المسألة تجاوزت ذلك وبدأنا نسمع عن دعوات انفصالية عن القاهرة.. إلى أى حد تقلقك هذه الدعوات؟
- تزعجنى بشدة، فأكبر النار من مستصغر الشرر. والحقيقة أن مصر الآن مهددة بالانقسام على مستوى المذاهب والطوائف. ولا أعنى بهذا الانقسام المسلمين والأقباط فقط كما هو شائع. ولكن هناك انقسامات أكثر يُعد لها داخل دوائر صنع القرار العالمى، فهناك مثلاً كلام عن حقوق الشيعة فى مصر، وحقوق النوبيين «فوجئنا مؤخرة بوجود حركة مسلحة تدعو لانفصالهم» وحقوق الأمازيغ فى الواحات. وأهالى شمال سيناء يعانون من عزلة وتهميش قد يمهدان الطريق لانفصالها عن مصر، ومؤخراً بدأنا نسمع دعوات انفصال فى مدن القناة والمحلة وغيرها.[Quote_1]
* ألا تبالغ قليلاً فى مخاوفك؟
- أنا لا أبالغ، أنت وغيرك من تهونون من الخطر، فمنذ سنوات طويلة وهناك كلام فى دوائر صنع القرار العالمى عن دولة أمازيغية من الواحات لطنجة.. وعدد هؤلاء فى مصر ليس مهماً. المهم أن تنتشر فيهم روح الانفصال التى تتغذى على إهمال الحكومة لهم، كما حدث مع أهالى شمال سيناء الذين وجدوا أنفسهم على هامش الحياة فى مصر. عندما احتلت إسرائيل سيناء كانت مدركة لهذه المشكلة، فحرصت على تقديم كل ما يحتاجونه فارتبطوا بالإسرائيليين. وأذكر أننى زرت العريش بعد خروج الإسرائيليين منها، وسمعت أحد أهالى العريش، بعد مشادة مع أحد القاهريين، يقول: «إنتو إيه اللى جابكم؟ إحنا كنا مستريحين مع اليهود!». وأنا أعطى أهالى سيناء عذرهم، فالمثل يقول: «بلدك اللى فيها مالك وولدك»، يعنى لك منها نصيب، حتى تشعر بالانتماء وتدافع عنها، فالفقر فى الوطن غربة والغنى فى الغربة وطن. لاحظ أن الغرب ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض علينا وتفتيت القوميات فى إطار ما يسمى النظام العالمى الجديد الذى كنا نسمع عنه فى التسعينات وبدأنا نراه لاحقاً على أرض الواقع.
* وما أبز ملامح هذا النظام العالمى الجديد؟
- الكلام عن هذا النظام بدأ بعد سقوط الاتحاد السوفيتى فى عام 1991 وهو يعتمد على تفتيت القوميات على أسس دينية وعرقية ومذهبية بهدف إضعاف هذه الدول، ورأينا ذلك بوضوح فى إقليم تيمور الشرقية، حيث دعمت القوى العالمية هناك انفصال هذه الجزيرة الصغيرة عن إندونيسيا المسلمة على أساس دينى وهو وجود 750 ألف مسيحى هناك، وحدث نفس الأمر فى العراق الذى سعى وما زال يسعى الأمريكان لتقسيمه إلى عدة دول كردية وسنية وشيعية وتركمانية. وسوريا مرشحة لأن تتفتت إلى 7 دول، والسودان انقسم بالفعل إلى دولتين وفى طريقه لمزيد من التقسيم.
* لكن مصر تختلف عن هذه الدول التى كانت تعانى من تناقضات عرقية ومذهبية عنيفة؟
- أحد مصائبنا شعورنا الدائم بأننا مختلفون عن باقى العالم.. ولا ندرك الخطر إلا عند وقوعه. وأحب أن أذكرك بما قيل بعد اندلاع الثورة التونسية وهروب زين العابدين فى 16 يناير 2011، يومها خرج علينا المسئولون ليؤكدوا أننا لسنا تونس ومبارك ليس بن على، وقبل أن يكملوا كلامهم اندلعت ثورة يناير، وبعد أقل من 20 يوماً سقط مبارك!
* وكيف يمكن أن يحقق الرئيس مرسى التماسك الوطنى بشكل فعال وسريع؟
- بتفعيل دولة القانون، التى يسرى فيها القانون على الجميع دون تمييز ضد الأقباط أو المرأة أو الأقاليم أو عموم المصريين من خارج الجماعة كما هو حادث الآن. وإضافة إلى ذلك أن يسعى الرئيس لإقامة ما أسميه نموذج «الدولة المعيلة» التى أسسها محمد على وتبناها ناصر وقضى عليها مبارك. والدولة المعيلة هى التى توفر لمواطنيها احتياجاتهم الأساسية ولا تتركهم تحت رحمة القطاع الخاص وقسوة نظام السوق الحرة التى يؤمن بها جماعة الإخوان وتمثل خطراً على البلد.
* لكن نموذج الدولة المعيلة الذى تشير إليه يصعب جداً على الرئيس الحالى تطبيقه الآن؟
- إقامة الدولة المعيلة على طريقة محمد على وعبدالناصر صعب، لكن هناك بديل عملى وهو إطلاق حريات النقابات والمجتمع المدنى لحماية العمال وتحقيق توازن اجتماعى بين أصحاب الأعمال والعمال. أنا لست ضد اقتصاد السوق. أنا ضد السوق الحر تماماً. لا مانع من أن يملك رأس المال ويحكم لكن لا بد من نقابات تدافع عن العمال، هذا ما يحدث فى الدول الرأسمالية التى لم تشهد ثورة اجتماعية واحدة، لأن العمال هناك يتمتعون بحقوقهم ويشعرون بالرضا والأمان. وهذا ما يحقق التماسك الاجتماعى. إذن على الرئيس أن يطلق حريات النقابات والجمعيات الأهلية. فى الولايات المتحدة جمعيات لا حصر لها. هل تصدق أن هناك جمعية للدفاع عن حقوق أصحاب اليد اليسرى، وتضغط على شركات الملابس حتى يخصصوا نصفاً فى المائة من إنتاجهم لهؤلاء.[Quote_2]
* لماذا توجه كثيراً من سهام النقد عن كل خلل فى البلد للرئيس الذى لم يتول الحكم سوى منذ شهور قليلة؟
- هذا ما يقوله أنصاره من الإخوان، وهو صحيح لو كنا نطالب الرئيس بالتحقيق الفورى، كل ما نطلبه أن يبدأ وأن يسير فى الاتجاه السليم. وسأعطيك مثالاً، ثورة 52 حدثت فى شهر يوليو وبعد أقل من شهرين وتحديداً فى 9 سبتمبر صدر قانون الإصلاح الزراعى، وفى شهر أكتوبر صدر قانون تخفيض إيجار السكن بنسبة 15%، وفى نفس الشهر صدر قانون منع الفصل التعسفى للعمال، فاتضح خط الثورة المنحاز لفقراء المصريين سريعاً، ما يعنى أن عبدالناصر بدأ العلاج فوراً ولم يتحجج بالتركة الثقيلة التى ورثها عن الاحتلال البريطانى وأسرة محمد على منذ 1805.
* وهل تتوقع أن يتحمس الرئيس الجديد لنموذج الدولة المعيلة على حساب نموذج السوق الحرة؟
- أتمنى ولكن لا أتوقع، لأنه لا فرق بين الإخوان والحزب الوطنى، فأفكارهما الاقتصادية واحدة، وهم أيضاً أصحاب مشروعات رأسمالية ولكنهم يختبئون وراء الإسلام وخدّروا أعصاب الناس بـ«الإسلام هو الحل»، وهم فى الحقيقة يمنيون ولن يقتربوا من مشاكل الفقراء الذين صوتوا لهم ورأس المال لا دين ولا وطن له. الربح هو كل ما يعنيهم.
* عودة لموضوع مدن القناة.. هناك من يصف هذه المحافظات بـ«المدن المعاقبة» أى المحرومة من كل الخدمات منذ سنوات طويلة. ما الحل الذى تقترحه لتخفيف معاناة هذه المدن التى تشعر بالظلم؟
- بتفعيل الإدارة المحلية بشكل سليم، فمصر منذ عقود طويلة دولة مركزية تذهب خيرات أقاليمها للعاصمة. والصواب أن نستلهم النموذج الفيدرالى الأمريكى حيث تذهب عوائد كل محافظة لأبنائها وتعطى فقط 25% منها للحكومة المركزية فى القاهرة، ويكون المحافظ -المنتخب من أهل المحافظة- مسئولاً عن تدوير هذه العوائد داخل المحافظة. وإذا كانت هناك محافظة فقيرة يمكن لها أن تقترض من الحكومة ما يكفى لإقامة مشاريع لأهلها ثم ترده لاحقاً. وسيكون من أول ثمار هذه السياسة وقف الهجرة من الأقاليم إلى القاهرة، ما يفرغ هذه البلدان من كوادرها ويخنق العاصمة بما لا تستطيع تحمله. وتخيل لو حدث ذلك وذهبت عوائد القناة لأهالى هذه المحافظات المحرومة.. وبالمناسبة، أحذر من دخول رأس المال الأجنبى فى قناة السويس.. فرأس المال الأجنبى له شروط خصوصاً أننا لا نفرض عليه أى ضوابط.. وأهالى هذه المدن ليسوا فى حاجة لغزاة جدد يأتون إلى بلادهم ليحصلوا على خيراتهم دون أن ينالهم منها شىء.. وإذا كان ولابد، فيجب أن يدخل هذا المال فى مشاريع محددة تخضع لضوابط واضحة تماماً.
* فى تقديرك، لماذا لم تدعم الولايات المتحدة الإخوان فى تلك الأحداث؟
- أمريكا لا يهمها نظام الحكم فى أى بلد. ولا من يحكم، المهم السوق المفتوح حتى تتمكن شركاتها من العمل والربح. والبلد التى تفتح أسواقها تعنى عندهم أنها دولة محبة للسلام، أما إذا أغلقته فهى دولة مارقة، ويبحثون لها عن أى سبب لمهاجمتها؛ مشكلة أقليات، حقوق إنسان، سلاح نووى! وتعهد كل من الإخوان والجيش بالحفاظ على السوق الحر. وبالمناسبة أحد الأسباب الرئيسية لضرب محمد على وعبدالناصر عسكرياً إصرارهما على رفض فكرة السوق المفتوحة. وهناك سبب إضافى لحماسهم للإخوان وهو تفتيت المنطقة، لأنه إذا أراد مرسى -الذى يشبه الرئيس بوش الابن فى تعصبه الدينى- تطبيق برنامجه الدينى فسيؤدى ذلك على الأرجح إلى توتر اجتماعى لأنه يهدد المسيحيين بالعودة لمفاهيم أهل الذمة. هنا ربما تتدخل الولايات المتحدة تحت عنوان حماية الأقليات. وهذا ما حدث فى السودان،فلم تبدِ أمريكا انزعاجها من إعلان عمر البشير رغبته فى تطبيق الشريعة لكن تم نصب الفخ، وسارعوا لتجهيز المسرح لانفصال الجنوب، وقد كان.
يمكنك مشاهدة الملف التفاعلي على الرابط التالي:
http://www.elwatannews.com/hotfile/details/161
أخبار متعلقة:
«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى إنتى»
من «الغريب»؟
أبناء «الغريب»: مبارك قاطعنا لأن «عرافة» أخبرته أن نهايته ستكون على يد السوايسة
«الحاجة ثريا»: شفت الأمن المركزى فى الشوارع.. خفت
السويس.. «أنا صاحى يا مصر أنا صاحى.. سهران وفى حضنى سلاحى»
المهنة.. بطل
«حمادة» السويسى: الإخوان وجبهة الإنقاذ والفلول.. عدوان ثلاثى جديد