السويس.. «أنا صاحى يا مصر أنا صاحى.. سهران وفى حضنى سلاحى»
حكايات الغريب عندما يجد فيها حضناً دافئاً.. غناء السمسمية الذى يستحث رصاص البندقية فينطلق مزمجراً.. معامل الزيتية ومصانع الأسمنت والسيراميك والسماد.. ميناء الحجاج والتجارة.. رأس الخليج ومدخل القنال.. السفن الضخمة التى لا تنقطع عن الغاطس.. مراكب الصيادين وما يخرجه البحر.. أسطوات الشحن والتفريغ والتخليص الجمركى.. عمال الميناء الكادحون والبمبوطية وصغار الموظفين.. قصر محمد على الكبير وبيت إسماعيل ياسين.. قنصليات الدول الكبرى.. مسجد الشهداء وسيدى الغريب والنبى موسى.. الكنائس اليونانية والإنجيلية والأرثوذكسية.. جبل عتاقة ونفق الشهيد أحمد حمدى.. «الجناين» و«الأربعين» و«فيصل» و«بورتوفيق».. المبانى العتيقة المسقوفة بألواح الخشب.. مساكن هيئة القناة بالقرب من الميناء.. جمعة الشوان وحافظ سلامة والكابتن غزالى.. المقاومة الشعبية وحصار اليهود.. النكسة والثغرة والتهجير.. تأميم القنال والشركات.
هى «حنيّة» عبدالناصر، وذكاء السادات، وتجاهل مبارك.. ثورة 25 يناير وأيام الغضب.. شهداء حروب الشوارع والمظاهرات.. حظر التجول والتمرد عليه.. الإرادة حين ينكسر أمامها كل شىء.. الأرض والعيال، ووجوه على الشط.. إنها المدينة التى لم تذكر من قبل دون صفتها الملاصقة لها على الدوام «السويس الباسلة».[Quote_1]
على الخريطة تظهر المدينة مجرد نقطة صغيرة على رأس الخليج الذى تستمد منه اسمها، تمنحها الجغرافيا خصوصية ربما لم تتوافر لغيرها من المدن؛ جبل شاهق يلفها من الجنوب، ينتحى قليلاً ليعطى مساحة صغيرة للبحر الذى يلف بدوره جزءاً منها، فيما تتكفل القناة الصناعية التى تجرى على أرضها بملء باقى المساحة الناقصة. يلقى التاريخ بظلاله على الجغرافيا، فيمنح المدينة سيرة ضاربة فى القدم، تعود إلى عصر الفراعنة العظام، أولئك الذين وضعوا أيديهم على أهمية موقعها فاستثمروه، وجعلوا منها ميناءً للتجارة، ومنفذاً للدخول والخروج، أطلقوا عليها تسميات عدة، واستقر البطالمة فى النهاية على «كليزما»، التى تحولت عند دخول العرب لمصر إلى «القلزم»، ثم «السويس» فى العصر الحديث.
ارتفعت أهميتها مع انتشار الإسلام فى شمال أفريقيا، باعتبارها محطة رئيسية للحجاج الأفارقة، وبذلك ارتفع قدرها. فيما حاول البعض أن يرفع من قدرها أكثر حين أكد أن خروج اليهود الكبير وراء النبى موسى عليه السلام جرى عندها، رغم أن الجميع لا يسعه إنكار حقيقة أن نفس اليهود كادوا يعودون مرة أخرى لمصر بعد آلاف السنين عبر أراضيها، لولا مقاومة شعبية وعسكرية أنهت أحلام اليهود، وعززت من انتصارات مصر أثناء حرب أكتوبر 1973، أو ما يعرف عالمياً بـ«حرب السويس».
ورغم أن حرب السويس تصنف على أنها آخر الحروب على أرض مصر، فإن قائمة طويلة من الحروب سبقت تلك الحرب مرت على المدينة الهادئة، بدايةً من استقبالها للجنود المصريين العائدين بهزيمة لا تمحى من حرب 1948، مروراً بالمقاومة الشعبية ضد القوات البريطانية فى منطقة القنال عقب انسحابها من داخل مصر بعد الحرب العالمية الثانية، ثم العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956، الذى أصابها ببعض الرذاذ الخفيف، فنكسة يونيو 1967 التى قصمت ظهرها بحق وحولتها إلى مدينة أشباح، وأخيراً حرب أكتوبر 1973 التى كاد يتحول النصر فيها إلى هزيمة عندما حاول الإسرائيليون أن يدخلوا مصر من ثغرة على أراضيها، فتصدت لهم المقاومة الشعبية لتضع نهاية لأحلام الغزو الإسرائيلى.
كل تلك المعارك يخلدها أهالى السويس على السمسمية؛ الآلة الموسيقية الشعبية هناك، تلك التى اخترعوها واخترعوا لها أغانيها ورقصاتها، دائماً حاضرة فى الحروب أو الأفراح، ترتفع أصواتهم ممزوجة بابتسامة واسعة: «أنا صاحى يا مصر أنا صاحى، سهران وف حضنى سلاحى، واللى يقلل من قيمتى، واللى يكسر عزيمتى، يحرم عليه صباحى».. تصل الرسالة جيداً لمن يفهم، أما من لا يلتقط الإشارة بسهولة فلا يتعبون أنفسهم معه، سرعان ما يعطونه ظهورهم ويواصلون غناءهم للسمبوكى الذى يقف «على المينا»، وريس البحرية المصرى، والأسمر الذى عايره البيض وقالوا له: «يا اسمر اللونى يالاللى»، يختموا غناءهم بتصفيق طويل قوى، ثم ينصرفون إلى مشاغلهم وكأن شيئاً لم يكن.
هكذا السويس، وهكذا مزاج أهاليها، وهكذا إرادتهم التى لا تعرف الانكسار.. ظهر ذلك فى أحداث الثورة المصرية، كما ظهر فيما تلا ذلك من أحداث، يفعلون ولسان حالهم يقول: «تعلمنا أن نقاوم، وأما ما عدا ذلك فلا يخطر على بالنا أبداً».
يمكنك مشاهدة الملف التفاعلي على الرابط التالي:
http://www.elwatannews.com/hotfile/details/161
أخبار متعلقة:
«يا بيوت السويس يا بيوت مدينتى.. أستشهد تحتك وتعيشى إنتى»
من «الغريب»؟
أبناء «الغريب»: مبارك قاطعنا لأن «عرافة» أخبرته أن نهايته ستكون على يد السوايسة
«الحاجة ثريا»: شفت الأمن المركزى فى الشوارع.. خفت
المهنة.. بطل
المؤرخ عاصم الدسوقى: «روح الانفصال» تتغذى على إهمال الحكومة.. وعناد أهل القناة سيولد «الكفر بالبلد»
«حمادة» السويسى: الإخوان وجبهة الإنقاذ والفلول.. عدوان ثلاثى جديد