قلنا الخير على قدوم الواردين .. لقينا الأذى من مكتب الإرشاد
على الرصيف، تجلس أم سمر وفى يدها كوب شاى سادة، ببطء نسبى، ترفع السيدة الكوب إلى فمها وترشف منه، فيما نظرها يسرح فى ذلك المبنى الذى يستقر أمامها، بناء مربع الشكل من ثمانية طوابق مدهون باللون الأصفر، أسفله تماماً ينشط عمال فى تشطيب عدة حجرات ملحقة به ذات نوافذ ضيقة للغاية، فى الوقت الذى لا يتوقف فيه سيل الخارجين والداخلين من وإلى المبنى عبر بوابة خلفية كبيرة، على واجهة المبنى ترتفع لافتة مكتوب عليها: «المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين»، تخفض السيدة الأربعينية كوبها، وتشير إلى المبنى قبل أن تقول: «من ساعة ما مرسى مسك الحكم والمقطم كله مش عارف يرتاح بسبب المبنى ده».
لا يبدو على المبنى، الذى أشارت إليه حارسة العقار، ما يريب، ولا يبدو على رواده أيضاً ما يلفت النظر، مثله مثل عشرات المبانى من حوله يغرق فى صمت رهيب، ربما يأتى ذلك نظراً لطابع منطقة المقطم الهادئ فى الأساس، وكذلك طبيعة من يسكنون فيه، أم سمر نفسها تقول إنها تفاءلت خيراً عندما بدأ العمل فى تعلية المبنى قبل أكثر من عامين، وقتها عرفت بحكم عملها كحارسة عقار لمنزل فى شارع مواجه للمبنى أن أصحابه باعوه، وأن جماعة الإخوان اشترته منهم، ثم شرعت فى إضافة أدوار جديدة إلى الثلاثة أدوار التى كان يتألف منها المبنى.
تتحدث أم سمر عن أصحاب المنزل الذى يحتل مساحة كبيرة فى آخر شارع 10 على حافة الهضبة، فتصفهم بقولها: «كانوا ناس محترمين قوى، وكانوا متعودين يعملوا مائدة رحمن كل رمضان للغلابة اللى هنا»، وبعد أن باعوا عمارتهم الصغيرة للإخوان، ظنت هى، كما ظن باقى العمال وحراس العقارات أن «الخير على قدوم الواردين»، لكن الأيام المتعاقبة أثبتت لهم جميعاً أنه ليس هناك خير يرتجى، اللهم إلا المشاكل التى تسعى بين أيادى من يقطنون المبنى ومن حولهم.
«أول ما طلعوا بالعمارة وشطبوها، قالوا هيعملوا حفلة، رحنا نتفرج لقينا ناس كتير قوى، وسمعنا إن فيهم فلسطينيين، وقعدوا يخطبوا ويقولوا مصر وفلسطين حاجة واحدة»، تعود أم سمر بذاكرتها إلى تاريخ افتتاح مبنى المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين منذ ما يقرب من العامين، فتقول إنه أشيع وقتها أن الجماعة ستذبح عجلين وستوزع لحومهما على العمال الموجودين فى المنطقة لكنها لم تر شيئاً، نفس الشىء حدث وقت الانتخابات، «قالوا إنهم بيوزعوا سكر وزيت لكن برضه ما شفناش منهم حاجة»، الشىء الوحيد الذى رأته أم سمر هو كشك الخبز الذى تقول إنه أقيم منذ شهرين تقريباً بالقرب من مقر الجماعة، وأصبحوا بفضله يأكلون رغيف خبز محسناً فيما عدا ذلك، لم يروا من الجماعة شيئاً.
أكثر من 17 عاماً، قضتها أم سمر كحارسة عقار فى منطقة المقطم، كما تقول: «المنطقة طول عمرها هادية، وما فيش فيها مشاكل»، غير أن الوضع تغير منذ صار مرسى رئيساً للجمهورية «الظاهر مزعل الناس عشان كده بيخرجوا ضده فى مظاهرات»، أما منطقة المقطم «القلق بيحصل لما بنسمع إن المرشد موجود هنا»، فعلى حد وصفها «هو اللى جاب لنا الأذى»، والأذى كما عبرت عنه «مظاهرات وناس بتضرب فى الشرطة وبتحرق عربيات وبيبقوا عايزين يولعوا فى عمارة الإخوان»، وهو ما يثقل عليها فى مهنتها بوصفها حارسة عقار «بنبقى سهرانين طول الليل برة بيوتنا خايفين على عربيات السكان وبيوتهم لاحسن حد يعمل فيها حاجة».
تبدى أم سمر استغرابها من حجم المعارضة التى يلقاها الإخوان، رغم أنها تراهم «ناس فى حالهم» على حد تعبيرها، اعتادت أن تراهم فى الصباح الباكر يتريضون فى قطعة أرض خالية تقع أمام المقر فى أزياء رياضية، كما اعتادت أن تراهم مساء وهم يلعبون الكرة فى نفس المنطقة، غير أنها تعود لتؤكد أن «ربنا أعلم بالبواطن»، وما دام الناس غاضبين من أعضاء الجماعة، فهذا يعنى أن أعضاء الجماعة «فيهم حاجة غلط»، إذ ليس معقولاً أن من سمتهم بـ«القيادات» الذين يهاجمونهم، جميعهم يكرهون مصر، على العكس تماماً، ترى أم سمر أن من المعارضين «ناس كتيرة محترمة»، وهذا لا يتناسب على الإطلاق مع العنف الذى واجهتهم به الجماعة، خاصة عندما قام واحد من الجماعة مؤخراً بصفع سيدة على وجهها، وهو الشىء الذى وصفته أم سمر بأنه «قلة أدب».
«بلديات الرئيس مرسى» تقول حارسة العقار مشيرة لانتمائها لمحافظة الشرقية التى جاء منها الرئيس، لكنها تؤكد أن أشياء كثيرة مما يفعلها لا تعجبها «لما بيخطب بيقول كلام كتير ومش بافهم منه حاجة، وباحس إن أنا اللى معايا إعدادية أعرف أقول اللى هو بيقوله»، فعلى حد تعبيرها أن الرئيس يكثر من الكلام، وهذا يتسبب فى عدم فهم الجماهير له، وأمنيتها الوحيدة هى أن يختصر الرئيس فى خطاباته «يقول اللى هو عايزه باختصار، من الآخر كده كلمة واحدة أبرك من عشرين».
اخبار متعلقة
«النافورة».. ميدان يسكنه المشاهير
صالون شهرى لـ«علاء الأسوانى وأحمد فؤاد نجم وثروت الخرباوى»
كورنيش المقطم.. هنا ملتقى العشاق وجسر التنهدات
من مصر الجديدة إلى المقطم.. الثورة تطارد خصومها
دير القس سمعان الخراز بمنشية ناصر . . عالم سحرى حدوده الارض والسماء
مساكن الزلزال.. الحياة على شمال المقطم
الهضبة الكبيرة.. معجزات وكرامات
فى ميكروباص من «السيدة عائشة» أو أتوبيس من «مدينة نصر».. إزاى تروح «المقطم»
الإعتداء على «قنديل» وتعذيب مدمنين وسرقة وتثبيت الجرائم تعددت الجرائم والمنطقة واحدة
المقطم.. الحتة المقطوعة