خاف على ابنيه من «البطالة» التى عانى منها 16 سنة.. فأخرجهما من المدارس وعلمهما صنعة
يسير على مهل.. سنه تقترب من الستين.. بحذاء مُهترئ.. مُنكفئا بوجهه إلى الأرض.. واضعا يديه خلف ظهره.. ينظر من بعيد إلى ذلك الباب الحديدى المُسلسل بالجنازير، لعله الرمق الأخير الذى لديه لتحقيق حلم دام 16 سنة يراوده، فمنذ أن بلغ «سعيد ثابت» أواخر الثلاثينات عاد إلى مصر بعد رحلة إلى دول الخليج ذاق فيها الأمرين؛ مر الذُل والنصب عليه، ليضيع كل ما وفره هباءً اللهم إلا قليلا من الأموال كان يرسلها إلى زوجته فى القاهرة، وعندما عاد رزقه الله بـ «عمرو» و«وليد».. «فولة واتقسمت نصين» توأمان زينة حياته.
يسير الرجل الخمسينى على الرصيف المجاور لديوان المظالم، متمالكاً نفسه خشية الوقوع إثر نوبة سكر تباغته فجأة، بالإضافة إلى دوالى القدمين التى تمنعه من السير لمدة طويلة، عندما عاد إلى القاهرة ترك وراءه ذكريات أعوام غربة قضاها بعيدا حطمت كل آماله خاصة بعد أن تكسرت أحلامه على شواطئ الطموح فور رسوبه فى الثانوية العامة، عاد بُخفى حُنين بعد أكثر من 20 سنة قضاها موظف أمن فى دول الخليج، فضلا عن مرض السكر المزمن الذى صاحبه: «مش قادر حتى أشترى العلاج مع إنه رخيص.. لكن أجيب منين».
داخل شقته بالإيجار الكائنة بشارع الهرم، ينتظر «سعيد» أسبوعياً نوبة السكر، ولأنه «عاطل» فلا يوجد له مصدر رزق يكفى احتياجات أسرته «لا شغل ولا معاش وأى وظيفة أتقدم فيها مقدرش أكمل فيها عشان نوبات السكر لما بيلاقونى تعبان بيمشونى على طول».. لم ييأس وحاول البحث عن ثغرة وداخل مبنى محافظة الجيزة قدم أوراقه طمعا فى الموافقة على إقامة «كشك» صغير يقتات منه بضعة جنيهات شهرياً لكن الطلب قوبل بالرفض، محطته التالية كانت داخل الشئون الاجتماعية طلباً لـ «معاش» ليأتيه رد الموظف كالصاعقة: «يا حاج إحنا هنا بنتعامل طبقا للوائح وقوانين.. وانت لازم يكون عندك 65 سنة أو عجز كلى أو جزئى».
محنياً ظهره حاملا فى يده ورقة صغيرة فيها مظلمته، كتب فيها أن محطته الأخيرة كانت التأمين الصحى الذى قرر بعد الكشف الطبى صرف مساعدة شهرية نظرا للأمراض المزمنة التى تمنعه من العمل.. ومنذ مارس 2011 وحتى الآن لم يحصل على أى مبالغ، رغم موافقة الشئون الاجتماعية عليها، ولم يجد الرجل العجوز أمامه سوى إبعاد توأميه عن التعليم من الإعدادية: «واحد شغال فى النقاشة.. والتانى فى محل موبيليا» ليكونا بديلا لرب الأسرة المريض: «كان نفسى يكملوا دراستهم لكن أعمل إيه».. معلقا آماله على سور «ديوان المظاليم» الحديدى: «يمكن الريس اللى إحنا اخترناه يقدر يعملى حاجة».
أخبار متعلقة
جوه ديوان المظالم بيحكى محكوم لحاكم.. عن الليالي الكحيلة
موظفو «ديوان القبة»: من نعيم زكريا عزمى إلى مظالم «ديوان مرسى»
ديوان قصر عابدين: فتحه المخلوع لتلقى الشكاوى.. لكنه لم يعمل إلا فى عهد مرسى
من سوهاج والمنيا والبحيرة والإسكندرية إلى ديوان المظالم بحثا عن «العدل والحل»
عسكرى الدورية أمام باب الديوان: «اللى يشوف بلاوى الناس تهون عليه بلوته»
نائبون عن أبنائهم وأشقائهم جاءوا ليشكوا «الخط الساخن» لأنه أصبح «باردا»
«هبة» أصغر بائعة لاستمارات التظلم أمام الديوان: «نفسى فى عروسة بتتكلم»
«طريف» جاء ليزور أقاربه.. فأصبح «عرضحالجى ديوان المظالم»
عبد العزيز وزوجته.. مطلب واحد وجهتان للشكوى
يوم كامل قضته «الوطن» على رصيف «الشكوى لغير الله مذلة»
«تهانى» رضيت أن يكون راتبها 40 جنيها.. فاستكثرت الحكومة الرقم وقررت إيقافه
خالد حمل صورة ابنته ضحية الإهمال الطبى واشترط: محاكمة الأطباء وضم ابنتى للشهداء
جاء يقدم شكواه وجلس ينتظر الرد.. وبالمرة يسترزق
«عاليا» رحلة 30 سنة من البحث عن مأوى.. وحياة