فكرى داود يكتب: دمياط مساحة محدودة وتنوع غير مسبوق
فكرى داود
رغم محدودية مساحة دمياط كمحافظة، واقتراب قراها ومدنها من بعضها البعض، فإن تنوع أنماط الحياة بها، يعد ظاهرة تستحق الدراسة، وتستوجب أكثر من قراءة.
وهذا لا يمنع أن هناك قواسم وسمات مشتركة، تتسم بها الشخصية الدمياطية عموماً، مثل الالتزام بالنهج العملى، والحرص على دقة العمل، والابتكار فيه أياً كان نوعه، وتقديس الوقت باستغلاله فيما ينفع، وكذلك التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية، أقول رغم كل هذه القواسم المشتركة، فإن لكل ناحية بالمحافظة خصوصية لا تخطئها عين الأريب:
فإذا كنت بدمياط القديمة -العاصمة- تشممت رائحة خشب الزان، ووقعت عيناك على ورش نجارة الموبيليا، وواجهات المعارض، التى تستقبل الزبائن من كافة المستويات الاجتماعية، كما تعبق خياشيمك، بعبير الحلوى الدمياطية الشهيرة، بجودتها وابتكار صناعها جيلاً بعد جيل، ونادراً ما يغادر الزائر دون أن يُحَمَّل بالمشبك الدمياطى والبسبوسة والهريسة، ناهيك عن الصناعات الجلدية ومنتجات الألبان.
فإذا انتقلت إلى رأس البر، التى لا تبعد عن دمياط القديمة، سوى عشرة أميال تقريباً، سيبهرك مشهد التقاء أحد مصبى النيل العظيم مع البحر المتوسط، عند منطقة اللسان، ذات المشاهد الآسرة، وستجد مجتمعاً موسمياً، يختلف نشاطه صيفاً، حيث تعج المدينة بآلاف المصطافين، المقبلين عليها من كل حدب وصوب، عن نشاطه شتاء، حيث الهدوء والسكينة والجنوح إلى التأمل.
فإذا عبرت النيل فقط، حيث عزبة البرج، ستجد مجتمع الصيادين وبناة سفن الصيد، والسفر بها داخل المتوسط، جرياً وراء الرزق، كما ستجد مصنع التونة القديم.
أما إذا عبرت إلى شرق نهر النيل، فستجد مركزى فارسكور والزرقا وتوابعهما، من قرى تجمع بعضها، بين القرية المتمدنة، أو المدينة القروية، حيث يتنوع النشاط بين الزراعى والصناعى والتجارى، فمدينة ميت الخولى مثلاً، متخصصة فى تجارة الأدوات المنزلية، وجهاز العرائس.
بينما توجد وسط نهر النيل الذى يشق المحافظة إلى شقين، بعض الجزر، أشهرها جزيرة شرباص، التى تقع قبالة قرية السوالم غرباً، وقرية شرباص شرقاً، وهى محمية طبيعية، تشتهر بزراعة الموز.
والمجتمع الدمياطى يعشق التكافل، يتجلى هذا فى ظواهر عديدة، كتقاسم الحلوى والأطعمة فى المواسم والأعياد -لا سيما بالقرى- وظاهرة النقوط فى الأفراح، والحرص على تشييع الجنائز، والمشاركة فى العزاءات.
كما أن المواطن الدمياطى لا يعول كثيراً على الوظيفة الحكومية، رغم حرصه على التعليم والحصول على الشهادات الدراسية، حيث يفضل العمل مع والده أو أى من ذويه، فى التجارة أو ورش الموبيليا أو غير ذلك، مع حرصه على الاعتداد بهندامه ومظهره.
هذا رغم ضيق المساحة -كما أسلفت- فالتنوع حاد ومتباين، وقادر على خلق عوالم وطرائق عدة للحياة، تتنوع بتنوع المكان والزمان.
ومن هنا كانت تلك الإطلالة على الواقع الدمياطى، هذا دون النظر إلى التجميل، فهناك العديد من الميزات، مع تباين الخصوصيات، وتمايز الأجواء.