هبة حامد حسنين تكتب: من القاهرة إلى الإسكندرية: سلاماً
هبة حامد حسنين
ربما كانت الأعوام الأربعة التى قضيتها داخل هذه المدينة فى أثناء دراستى كفيلة بأن تكون وسيطاً جيداً بينى وبينها لأتقبل وجودى داخلها بعد قرارى بالانتقال إليها ولكن للعمل فى هذه المرة وليس الدراسة، اعتدت الشوارع التى تصرخ يومياً بآلات تنبيه السيارات، وأكتاف المارة التى تتلامس عابسة مضطرة فى أغلب المناطق، اعتدت وجوه الموظفين الغاضبة التى تستقبلك فى المؤسسات الحكومية لإنهاء الإجراءات، اعتدت كل هذه الأشياء كما اعتدت على ليل المدينة الذى قد يكون شفيعاً لها عما تفعله بأهلها وضيوفها نهاراً.
أما عن تقبلها لوجودى، فهى ربما بكرم أو بمكر لديها من القدرة على تقبل كل غريب عنها، يرفضها الغريب.. يذمها.. يضعها فى مقارنات غير منصفة «بعض الأوقات»، وتفتح لهم أبوابها للدخول والعيش فيها، أحسنت الاستقبال أم لم تحسن ولكنها لم ولن ترفضك!
لا تستهوينى تلك المقارنات «البائسة» التى تكون فيها القاهرة طرفاً سواء مع مدينتى الإسكندرية أو أى مكان آخر، فما يحدث بها يحدث داخل كل محافظات مصر ولكنها تتميز عنها بأنها شاشة عرض أكبر لكل الثقافات والسلوكيات والعادات والتقاليد، تتمتع بمكر يجعلك ترضى مضطراً بما ترفضه فى منشأك الأصلى، فأراها دائماً نموذجاً حى للزوجة المناسبة فى «جوازة صالونات» سخيفة.. تقليدية فى كل تفاصيلها ولكنك ستتقبلها ظناً منك أنها الأمان، تلجأ إليها هرباً من شىء ما أو من حبيبة سابقة أثقلتك ذكرياتها، أو طامعاً فى شىء تظن أنها ستوفره لك، أو حتى طامحاً فى حلم من المؤكد أن الزواج لن يوفره لك، ولكنك ستتزوجها فبعض الشرور لا مفر منها!
إذن، فلماذا المقارنات.. فلسنا -كإسكندرانية- شعب الله المختار، وليست القاهرة هى بوابات للسبع سماوات؟ ولكن سنقف فى النهاية يا عزيزى أمام «مدام اعتماد» فى مجمع التحرير، وستتركنا لتفعل شيئاً أهم منى ومنك، ربما مكالمة تليفون لصديقة تفتقدها، أو استكمال لتهيئة بعض الأطعمة للطهو، أو لأى سبب آخر ولكن فى النهاية سنحمل الباسبور الأخضر وسنقف أمام نفس المكاتب وسترفضنى وسترفضك السفارات ظناً منها أنك ستهرب بمجرد وصولك أراضيها، فلا داعى للتسابق من منا هو الأفضل!
لن أدعى بأننى ممن «فَرَمتهم» المدينة، أو من قُتلوا نفسياً فيها، فلدى حائط صد من الأصدقاء يمنع وصول تلك المشاعر والتأثيرات السلبية إلى، فكما يقول الأديب البريطانى لورانس داريل: «تصبح المدينة عالماً إذا أحب المرء أحد سكانها»، إذن فالأكثر حظاً عمن يتحدث عنه «داريل» من حصن نفسه بالأحبة، ولكننى لا أستطيع أن أنكر أن القاهرة هى المدرب الأفضل لى على فضيلة الاستغناء، ستجبرك -شئت أم أبيت- أن تقف بعد كل ضربة نفسية تستوجب السقوط، أن تعبر الخسائر -بشرية كانت أو نفسية- سريعاً.. تتجاوز الخذلان كما تتجاوز أى سيدة مصرية مواقف التحرش البغيضة اليومية، فلا فائدة من السقوط والتوقف عن الحياة طالما حاولنا!.. هنا لا وقت للاستسلام.. عليك الوقوف مجدداً وسريعاً وإلا ستفوز عليك المدينة بزمنها!
أحاول -أحياناً- أن أخلق المتشابهات بينها وبين الإسكندرية فى محاولة فاشلة منى لقتل المسافات والملل.. ولكن يتفوق علىّ الفشل، فلا تتشابه القاهرة مع أى محافظة غير فى كواليس ثورتنا (25 يناير) ما عدا ذلك فأنا كمن يحاول أن يخلق تشابهاً بين منتخبى كرواتيا ومصر فى كأس العالم مثلاً.. هل يلتقيان!
على أى حال ستظل القاهرة قاهرة، لها ما لها وعليها ما عليها، تقتل بمركزيتها ما تنحت المحافظات فى الصخر لخلقه.. ستظل هى الزوجة المناسبة التى يذهب إليها الجميع برضاهم ثم يهربون منها لخيانات بالسفر إلى مدن أخرى أكثر براحاً منها متعللين «المدينة مش بتفهمنا»!