في اليوم العالمي للانتحار.. "الوطن" تحاور "العائدين من الموت"
مايكل وزوجته
"أسفل عجلات المترو أو بآلة حادة أو بالسم"، شهدت الفترة الأخيرة إقدام أشخاص عدة على الانتحار، دون الإفصاح عن الأسباب التي دفعتهم لذلك، واليوم بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة الانتحار، حاولت "الوطن" رصد حالات لجأت للانتحار ولكنه لم يصبها لتسرد لنا حكايات الندم والحسرة.
ياسمين: "بحب المكان اللي قطعته في إيدي بيفكرني بقوتي وعبطي"
لم تكن تتخيل "ياسمين. ع" أن رفض والدها خطبتها على حبيبها يدفعها للتخلي عن حياتها بسهولة، بعد أن شعرت أن الحياة دونه ستفقد معناها، فما كان منها إلا أن قامت بقطع شرايين يدها "كنت فاكره نفسي بحبه لكن ندمت لما عرفت الحقيقة وندمت على الخطوة".
"الاندماج في العمل والانخراط في زحام الحياة اليومية والتقرب في العبادات" كانت سبيل "ياسمين" للتخلص من الدوافع التي دفعتها للانتحار، فما كان منها بعد أن مُنحت فرصة أخرى للحياة أن تشكر الله أنها لم تمت بهذه الطريقة.
وعن مكان الجرح بيدها، تقول الشابة الثلاثينية، أنها تحب هذا المكان بجسدها وتحترمه، فكلما نظرت إليه تأكدت من قوتها التي دفعتها، للوقوف مرة أخرى على قدميها وأنها كانت "عبيطة" عندما فكرت في هذه الخطوة، حسب قولها.
واليوم بعد مرور 9 سنوات على التخرج من الجامعة والزواج من شخص آخر، لازالت تتذكر "ياسمين" تلك الخطوة، وأن إرادة الله عز وجل منحتها فرصة أخرى لتحيا حياة سعيدة مع زوج ترى فيه الدنيا والأخرة أنجبت منه طفلة تتجسد فيها الحياة.
محمد: "خيانة خطيبتي السبب وهي اللي أنقذتني"
"الحياة والموت بينهما شعرة، ولما بتفقد صوابك للحظة تقع الشعرة".. هكذا وصف محمد زكريا، أستاذ جامعي، محاولة الانتحار التي أقدم عليها قبل عام ونص، بسبب خيانة خطيبته له، بعد مشاهدتها في وضع مخل مع أحد زملائها في العمل داخل غرفة مكتبها.
لم ينطق الشاب الأربعيني بحرف واحد ولم يتحدث إلى أحد من أسرته وخرج من مكتب خطيبته يتجه نحو سيارته وبعد فترة قصيرة من الوقت وجد نفسه أمام محل مبيدات حشرية يشتري سُمًا.
يقول زكريا، إنه لم يشعر بكل تلك التفاصيل وقت حدوثها فكل ما كان يسيطر عليه هو التخلص من الحياة فحسب، وبالفعل ذهب إلى المنزل وأخذ السم، إلا أن خطيبته اتصلت بوالدته وأخبرتها أن الخطوبة تم فسخها وعلى والدته أن تجده للاطمئنان عليه، وبالفعل وجدته الأم ملقى على الأرض يتألم من تأثير السم.
ويحكي الأستاذ الجامعي، أنه لم يشعر بأهمية الحياة إلا بعد أن عاد إليها مرة أخرى، وأن الندم على تلك الخطوة لم يتركه حتى ساعد نفسه وسافر للخارج لاستكمال الدراسات العليا: "لحظة الانتحار مش فاكر تفاصيلها لأنها لحظة العقل بيغيب ومشاعر القهر أو الظلم أو الخوف اللي بتسيطر على المنتحر".
وعلى عكس "ياسمين" أو "محمد" فقد طفل الصف الثالث الإعدادي، أي دافع أو هدف لاستكمال حياته، فالمراهق الذي نشأ في أسرة ميسورة الحال لأب يعمل في الكويت منذ صغره ولم يُحرم حينها من أي شيء، لم يجد مبررا يدفعه للبقاء على قيد الحياة - من وجهة نظره- فلم يحب الدراسة ولا يهتم بالعبادات ولا القرب من الله فاتخذ قرارا بالانتحار للتخلص من حياته، فكان ذلك بمثابة البدء في حياة جديدة له.
مايكل: الانتحار نقطة تحول في حياتي
في الصف الثالث الإعدادي، حاول مايكل يوسف، الانتحار بعد أن وجد نفسه لا يرغب في الدراسة ولا هدف واضح لديه فقفز من شرفة منزله الواقع في الدور الثاني، إلا أن القدر شاء أن ينجو ويظل حيا، وحسب قوله: "لولا نعمة ربنا مكنتش لسه عايش".
لم يسعد مايكل صاحب الـ30 عاما، بنجاته من الموت فكان فشله في الانتحار محبطا له، فحسب حديثه لـ"الوطن": "كنت محطم نفسيا لأني فشلت حتى في الانتحار".
الخطوة، التي كانت المحطة الأخيرة في حياة الكثيرين، كانت نقطة البداية الحقيقية لاكتشاف مايكل حب الله له واكتشافه لقدراته ومهاراته، بعدها بدأ التقرب من الله الأمر الذي وصفه بأنه ساعده في اكتشاف ذاته وملء الفراغ داخله، والتحق بعدها بمدرسة صنايع وتفوق في دراسته الفنية، ثم التحق بمعهد البصريات بمنطقة المطرية وبدأ يواجه سوق العمل، ليحصد ثمار فشله في كل مقابلة عمل، الأمر الذي دفعه للصراخ إلى الله لينجيه ويرفع عنه وصمه الفشل.
وعن ذلك يقول: "بترتيب إلهي عجيب خلال أسبوعين كنت بعمل إنترفيو في شركة من أهم شركات وزارة البترول وبالعقل والمنطق إني مش هاتقبل، لأني بكل بساطة أنا ماعرفتش حتى أملا الأبلكيشين لأنه بالإنجليزي واتقبلت وهنا كانت إرادة الله واضحة في حياتي".
عُين "مايكل" أخصائي شؤون تجارية في إحدى شركات البترول، "لولا إني خدت الخطوة دي قدرت أفوق"، هكذا وصف الشاب الثلاثيني خطوة الانتحار التي أقدم عليها قبل أكثر من 10 سنوات، مؤكدا أن عناية الله سمحت له بحياة جديدة"، ويضيف: "كان جوايا فراغ عميق جدا قبله كده والفراغ ده متملاش غير بقربي من ربنا".
في منتصف الطريق حاول مايكل تنمية مهاراته بمزيد من"الكورسات" في مجالات مختلفة، واستكمال دراسته ليحقق النجاح الذي لم يستطيع أن يحققه في الصغر، فتمكن من الحصول على مؤهل عالٍ، وأصبح بمرور الوقت حاصلا على بكالوريوس تجارة قسم إدارة أعمال.
قبل سنوات قليلة التقى الشاب الثلاثيني بشريكة حياته نرمين، التي يصفها دائما بـ"حب العمر"، فكانت بمثابة دفعة أخرى للأمام، وأنجب منها طفلين وتلعب دورا كبيرا في تغيير تفكيره للأفضل بشكل مستمر وحسب قوله، "بعتبرها أحلى تعويض من ربنا في حياتي".