المجتمع يُفسد ما تصلحه دور الرعاية: «انت تربية ملاجئ»
دور الرعاية تربية ملاجئ
يواجهون المجهول منذ نعومة أظافرهم، يجدون أنفسهم وحيدين فى مهدهم، يحيطهم الخلاء، تنقلهم الأيادى الرحيمة إلى أقسام الشرطة، التى تحولهم إلى وزارة التضامن، وبدورها تقوم الأخيرة بتوزيعهم على دور رعاية الأيتام حسب أعمارهم وأماكن التقاطهم. بعضهم يسعفه حظه بالانضمام إلى دور رعاية رفيعة المستوى، ينعم فيها بتربية جيدة، وفرصة كبيرة للعيش حياة تقترب من الترف، يتوافر فيها المأكل والمشرب والإقامة اللائقة، بالإضافة إلى تنمية مهاراته ومواهبه المختلفة وممارسته لأنشطة عديدة، ودراسياً ينال حظاً جيداً، حيث يلتحق أحياناً بمدارس خاصة، ويسهم كل ذلك فى تشكيل شخصية سوية نافعة ومفيدة للمجتمع.
وبعد أن يمر العمر سريعاً، ويحين وقت الخروج من دور الرعاية، يصطدمون بنظرة المجتمع لهم، ويندهشون من نظرات الرفض والنفور رغم عقيدتهم بأنهم مواطنون صالحون، يواجهون تحديات عديدة فى توفير المسكن والحصول على التأمين الصحى وتوفير التموين الغذائى المكفول لأى مواطن مصرى مستحق، فضلاً عن معاناتهم فى الحصول على فرص عمل تتوافق مع مهاراتهم. لا يقتصر الأمر على هذا الحد، ففى مسألة الارتباط العاطفى، تحل جملة «تربية ملاجئ» على مسامعهم، يتم رفضهم بسبب تلك الجملة ويفشل بعضهم فى تكوين أسرة وتحقيق حلم الحياة وسط العائلة، كثير منهم يستثمر معاناته ويحيك منها رداءً مضاداً للصدمات، ويصنع منها شعلة تنير له الظلام، لكنه لا يقدر أن يتخطى العيش وحيداً بلا خليل ولا صديق ولا حبيب ولا زوج، خاصة أن نشأته فى دار لرعاية الأيتام رسخت فى وعيه مفهوم العيش مع الجماعة، فاعتاد أمهات عديدة بدلاً من أم واحدة وأخوات بالعشرات وليسوا اثنين أو ثلاثة، فهل يعيش وحيداً بعد تلك العزوة؟ ليس كل خريجى دور الرعاية بائسين، غير قادرين على الاندماج فى المجتمع، فبعضهم ينجح فى فرض نفسه، يجد مساراً وظيفياً مستقراً وحياة آمنة مادياً، والسر فى كلا الطريقين هو المجتمع، هو من يصدر أحكامه بالقبول أو الرفض.