بالصور| «دع مياهى.. فمياهى آمنة».. أضخم مناورة لمكافحة التلوث البترولى
الفريق مهاب مميش
كنا معهم على الشاطئ ثم على القاطرة، وعاصرنا «محاربتهم» لكارثة بيئية متوقعة يرتفع صوت محركات القاطرة «بورسعيد» تمام العاشرة من صباح يوم الثلاثاء الماضى، ليُعلن بدء تحركها من مقرها الثابت أمام مبنى «القبة» ذى الطراز المعمارى الفريد، وهو المبنى التاريخى لهيئة قناة السويس، حيث بُنى فى عام 1895 فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى، لتنطلق القاطرة الضخمة والمُخصصة للقطر والإنقاذ فى رحلتها إلى ميناء شرق بورسعيد لعرض مناورة افتراضية لعملية مكافحة التلوث البترولى على صفحة مياه القناة.
«الوطن» على شط القناة شاهداً على «المحروسة 11»
المناورة البحرية التى تم الإعداد لها بإتقان شارك فيها هيئة قناة السويس سواء لجنة فنية ومُعدات، أو إدارياً الهيئة الاقتصادية، بالإضافة إلى هيئة البترول المُمثلة فى شركة «بتروسيف»، وسبب اختيار ذلك المكان هو إظهار جمال الميناء الجديد، وزيادة الاستثمارات فى ظل إمكانيات الهيئة الكبيرة فى مواجهة أى حادث طارئ، وهو ما أوضحه الربان «عصام داود»، رئيس اللجنة المركزية لمكافحة التلوث بهيئة قناة السويس، مؤكداً أن اللجنة مسئولة عن القطاعات الثلاثة بطول القناة، وهى بورسعيد والإسماعيلية والسويس، قائلاً: «لكن لو اتطلب مننا المساعدة من خارج النطاق اللى مسئولة عنه مش هنتأخر»، موضحاً أن مركز «مُحاكاة التلوث» به شاشات تعرض الوضع داخل القناة عن طريق الكاميرات الموجودة بطول القناة، قائلاً: «يقدروا يشوفوا تحرك المراكب والسفن بشكل طبيعى».
تصل القاطرة إلى مكان المناورة عقب مرور 45 دقيقة من الإبحار، ترتفع الشمس للدرجة التى ترتفع معها الحرارة بما يتكفل بتدفئة الجو، يظهر اثنان من اللانشات الصغيرة مربوطين بطرفى حاجز مطاطى لتحديد وتحجيم البقعة الافتراضية حتى لا تنتشر خارج المنطقة، وخلف الحاجز الزجاجى يقف داخل الغرفة المُخصصة لقيادة القاطرة المليئة بالشاشات والعدادات، واضعاً أمامه جهاز لاسلكى يُتابع من خلاله الرسائل والإشارات، يُحدد اتجاهها وسرعتها وفقاً للممر الملاحى وسرعة الرياح، إلى جواره يرتكز مساعده الشاب مرتدياً قميصاً أبيض وبنطلوناً أسود، إنه «عبدالعليم عبدالراضى» رئيس قباطنة قاطرات بهيئة قناة السويس، يرتدى الزى المُخصص للقباطنة، يقول عبدالعليم إن هناك 4 حالات تستدعى تحرك القاطرة تجاه السفن المستهدفة، أولها التى حدث لها شحط «غرز»، وتقوم حينها الناقلة بإنقاذها وسحبها، وثانياً نشوب حريق بإحدى السفن ويتم التوجه لها مباشرة وإطفاؤه، أو البحث عن المخاطيف التائهة عن السفن، وأخيراً مكافحة التلوث عن طريق تحجيمه وعدم انتشاره ثم القضاء عليه، قائلاً: «القاطرة جاهزة للتحرك فى أى وقت، ولما بيوصلنا أى بلاغ بنبدأ نتحرك فوراً تجاه المكان اللى فيه الأزمة»، مشيراً إلى أنه يعمل بالمنطقة ما بين غاطس بورسعيد وغاطس السويس.
ساعتان من التدريب البحرى بمشاركة «قناة السويس والهيئة الاقتصادية وبتروسيف».. والكاميرات ترصد المجرى الملاحى كاملاً
«الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله» ترتفع بصوت جهور لأحد العاملين على القاطرة إعلاناً بإقامة صلاة الظهر ليتجمع العاملون لأدائها.. على أحد المداخل بسطح القاطرة مكتوب «ممنوع الدخول لغير العاملين» وقف «محمد عبده»، 34 عاماً، يعمل فنى ميكانيكى على القاطرة «بورسعيد»، مرتدياً الزى الخاص بالعاملين فى هيئة قناة السويس، لا يعتمد عمل «عبده» على صيانة الماكينات المُعطلة خلال الوردية فقط، ولكنه يشترك فى الخدمات الأخرى كمساعد: «بساعد كمان زمايلى فى الإنقاذ وإطفاء الحريق، ومكافحة التلوث»، مؤكداً أن القاطرة مُجهزة بـ«واير» سميك من أجل شد السفن المُعطلة إلى خارج المجرى الملاحى، كما بها مدافع تسحب المياه من البحر وتدفع بها فى اتجاه الحريق الذى ينشب فى أى سفينة، متابعاً: «القاطرة هنا فيها طاقم بحرى، وآخر فنى، والورديات بتاعتنا عليها 3 أيام عمل و6 راحة، والشغل بيبقى متواصل على مدار الـ72 ساعة، تحسباً لحدوث أى ظرف طارئ».
يلتقط منه «علاء المنشاوى»، 48 عاماً، رئيس بحرى على القاطرة «بورسعيد»، الذى يجلس على أحد المقاعد الخشبية بسطح القاطرة، ويعمل فى تلك المهنة منذ 25 عاماً، أطراف الحديث قائلاً: «لما بيحصل عملية شحط فى المجرى الملاحى لقناة السويس نقوم بتحضير معدات الإنقاذ بالكامل، ونصل إلى تلك السفينة ونبدأ عملية الشد بحيث إننا نطلعها من المكان اللى قفلت فيه القناة»، يصمت «المنشاوى متذكراً أنه منذ نحو 15 عاماً حدثت واقعة تلوث من سفينة تسمى «الصامدون» وكانت محملة بشحنة بترول، متابعاً: «المركب اتفتحت من تحت والشحنة دى بدأت تنتشر فى القناة وبدأنا نتعامل معاها ونسيطر على الموقف، واحنا جاهزين بالمعدات والأجهزة لمواجهة أى حادث مفاجئ».
«نشأت»: أهم خطوة هى احتواء «البقعة» لمنع انتشارها.. و«مركز المحاكاة» مؤهل للتنبؤ بـ«سلوكها» ويملك قاعدة بيانات لجميع «الكيماويات»
عقب مرور أقل من ساعة قامت بعض كاشطات الزيوت بسحب طبقة التلوث الافتراضية من على سطح المياه، وخلال تلك الفترة من العملية البحرية يمر «أحمد سرور» كبير مرشدين، بين أرجاء القاطرة على مدار الساعتين اللتين استغرقتهما المناورة، من أجل متابعة سير العملية البحرية، قائلاً: «المناورة النهارده من أجل مكافحة الانسكاب البترولى بمعنى مكافحة التلوث فى البحر، لأن أكبر مشكلة بتواجه الناس اللى بتشتغل فى البحر أو الموانئ هى التلوث، والتلوث ده بيقضى على الكائنات البحرية كلها اللى فى المياه، ومكافحة التلوث بتم عن طريق شفاطات بتاخد الزيت أو البترول المسكوب، أو بنرمى عليها مواد كيميائية بتدوبها، واحنا جاهزين لمكافحة التلوث فى قناة السويس وميناء شرق بورسعيد وشرق التفريعة، والحوادث الكبيرة مش بتحصل كتير ولكن فى نطاق ضيق وبنسب بسيطة».
بتعليمات الفريق «مهاب مميش» يتم عمل مناورات شهرياً لكافة الأقسام والتحركات ويتم التشديد عليها، ويقومون بتدريب كافة العاملين على المواقف المثيلة لتلك الحوادث، مع التأكد من صلاحية كافة أنواع المواد التى تقضى على التلوث، حسب «سرور»، يرفع «سرور» نبرة صوته بسبب شدة الرياح قائلاً: «محدش يقدر يتلافى إن مشكلة زى دى متحصلش لأن أى سفينة معرضة لكده ودى حالات مفاجئة، لكن دورنا إننا نقلل تأثير التلوث ده وتحجيمه عن طريق الحواجز المطاطية والقضاء عليه فى ظل الرياح اللى ممكن تنقله لمكان تانى»، يصمت «كبير المرشدين» برهة ثم يستكمل حديثه قائلاً: «النهارده كل الأقسام شاركت فى المناورة، وهى تحركات بورسعيد والإسماعيلية والسويس، بكل الإمكانيات المتاحة، ودى أول مرة تتعمل فى المكان ده».
كبير قباطنة القاطرات: 4 حالات تستدعى تحركنا هى الحريق و«الانسكاب» و«الشحط» والبحث عن «المخاطيف التائهة»
ويتحدث «سرور» عن دوره داخل القاطرة وحوادث التلوث قائلاً: «دورى رئيس قسم الإمدادات بتحركات بورسعيد، ومسئول عن الفريق الذى يكافح التلوث، ومسئول عن كافة الوحدات داخل القاطرة، وبيجلينا بلاغ برؤية تقريبية من قبطان المراكب اللى ماشية أو المرشدين اللى شغالين، أو من خلال اللانشات التى تتبع الهيئة وتمر خلال 24 ساعة فى اليوم، وأول من يستلم البلاغ مكتب الميناء، ويبدأ فريق مكافحة التلوث التحرك إلى المكان بمعداتهم»، مشيراً إلى أن فترة القضاء على التلوث تتوقف على الكثير من الاعتبارات منها كمية البقعة ومساحتها وسرعة الرياح.
يظهر من بعيد رصيف ميناء شرق بورسعيد الجديد، الذى يتم العمل فيه خلال الفترة الحالية، حيث تظهر سيارات النقل مع أكوام ضخمة من الردم، وعند انتهاء المناورة البحرية «المحروسة 11» يصعد المهندس «نشأت نصر» مقرر اللجنة المركزية لمكافحة التلوث بهيئة قناة السويس إلى القاطرة عن طريق أحد اللانشات، مرتدياً الزى الخاص بالهيئة، موضحاً أنه من أجل سرعة الإبلاغ عن التلوث يكون الإرشاد إجبارياً، بمعنى أن كافة السفن التى تعبر قناة السويس يصبح عليها مرشدون تابعون للهيئة، بالإضافة إلى أن القاطرات المُصاحبة للسفن موجود عليها أطقم فنية مدربة بشكل عال داخل مركز محاكاة التلوث، ويقومون بدورهم والإخطار بشكل سريع لأى بقعة تلوث، مشيراً إلى أنه لديهم 16 محطة إرشاد بطول القناة تستطيع الإبلاغ الفورى عن أى بقعة تجدها.
مركز المحاكاة هو المقر الذى تجتمع فيه اللجنة المركزية لمكافحة التلوث لإدارة الأزمة، لأنه يستطيع التنبؤ بسلوك الزيت وتحرك الرياح، ولديه قاعدة بيانات بكافة أنواع الزيوت، ويستطيع من خلالها تحديد المعدات والطريقة الأمثل للقضاء على ذلك التلوث، وفقاً لـ«مقرر اللجنة المركزية»، موضحاً أن أهم خطوة فى القضاء على التلوث هى احتواء بقعة الزيت لضمان عدم انتشارها ووصولها للموانئ، وأنهم يستطيعون القضاء والتغلب على أى تلوث حتى 1000 طن من الزيت، مضيفاً: «لو عرفنا من خلال الحسابات إن التلوث أكبر من إمكانياتنا ومعداتنا وإن فيه شك إننا مش هنقدر عليه، بنخطر المنسق الوطنى لجهاز شئون البيئة».
«عبده»: الورديات بتاعتنا عليها 3 أيام عمل و6 راحة.. والشغل متواصل على مدار الـ72 ساعة تحسباً لأى ظرف طارئ
أكثر من 180 شخصاً شارك فى المناورة البحرية ما بين أطقم فنية وقباطنة ومرشدين وميكانيكية وغيرهم، وأكثر من 16 وحدة بحرية، حسب «نشأت»، قائلاً: «سفينة النجدة الموجودة داخل المناورة فيها 6 تنكات سعة التانك 500 طن زيت، وبقدر أستخدمها كمخزن لها، والزيوت اللى جبناها بنسلمها للهيئة العامة للبترول ويتم هناك إعادة تدويرها»، مشيراً إلى أن 4 ملايين طن حمولة تمر يومياً خلال قناة السويس، مختتماً حديثه قائلاً: «بناخد من أى بقعة تلوث عينات فورية وبنبعتها للمعامل المركزية التابعة لشئون البيئة ونطابق تلك النتيجة بكل السفن التى عبر فى تلك الفترة، وعند العثور على السفينة المسببة نتحفظ عليها ونتعامل معها بالطرق القانوينة وتتحمل كافة التكاليف والتعويضات».
العاملون المشاركون فى مناورة المحروسة.. إيمان واستعداد
«القاطرة» بعد إبحارها من الميناء