1- إن لم تكن أصلاً من الإخوة المدمنين للإفطار المصرى الجماعى، قد تدفعك الصدفة أو الظروف إلى إحدى عربات الفول التى يتحلق حولها كل صباح عشرات الملايين من المصريين فى شتى المدن والقرى والمحافظات، بعض هذه العربات تقدم وجبة جماعية فى إناء ضخم يستخدمه عدد ضخم من السادة الزبائن، وبعضها يقدم أطباقاً خاصة لكل زبون، وفى حالة الزبون الجديد الطارئ يشعر البائع بالقرف الشديد من أى مواصفات خاصة يطلبها ذلك النوع من الزبائن، مثل الملح الخفيف أو عدم وجود شطة أو استخدام نوع معين من الزيت، أى شىء من هذا القبيل، ثم يختنق البائع ويكاد يطرد الزبون إذا طلب منه شوكة يتناول بها الفول! إذا مر الموقف بسلام وقرر البائع التجاوب مع هذا الشخص الطارئ الغبى، يشرع الأخير فى تناول الطعام، ولكنه يتوقف فجأة عن الأكل وتبدو معالم الامتعاض على وجهه وهو يشاهد عملية غسل الأطباق داخل جردل يمتلئ بالماء شديد القذارة، ثم يأخذ مساعد البائع الأطباق من هذا الجردل ويضعها فى آخر أقل قذارة، ثم يجفف كلاً منها بقطعة قماش تحمل كل معالم القذارة الممكنة، يشعر البائع والزبائن بامتعاض الزبون الجديد فيصيح فيه أحد الزبائن: «مالك يا عم الحاج.. ما تكمل أكلك.. النفس الحلوة لها الجنة»!
2- إن تمكنت الدولة من التحكم فى درجة نظافة عربات الفول التى تحتشد فى كل مكان من القطر المصرى، فإن هذا النوع من الطعام يظل أحد أهم أسباب التخلف العمومى الذى يسود غالبية قطاعات الدولة، الحكومى منها والشعبى، فالشخص الذى يذهب إلى عمله فى الصباح بعد تناول كميات من الفول والبصل والزيت الحار (إلخ)، يستحيل أن يؤدى واجبه بإتقان إلا بعد مرور عدة ساعات تتمكن فيها معدته من هضم هذا الطعام، خاصة قشور الفول المدمس، التى يقول السادة المتخصصون إنها تحتاج إلى تعديل الدورة الدموية حتى يذهب المزيد من الدم إلى المعدة للمساعدة فى طحن هذه القشور وما يصاحبها من بصل وزيت حار وتوابل وأشياء أخرى، وهو الأمر الذى يحرم المخ من الدماء الكافية لتشغيله، هذا بالنسبة للشخص القادر على الفهم، فما بالك بالشخص الغبى الذى لا يصل إلى مخ سيادته الدم الكافى للحفاظ على درجة آمنة من الغباء؟! كل السادة الموظفين أو الغالبية العظمى منهم يتناولون هذا النوع من الإفطار التراثى كل يوم، ويظل كل منهم فى مكتبه طوال اليوم يصارع الرغبة فى النوم، ويعتقد المتعاملون معهم أنهم «مش عايزين يشتغلوا»، ولكن الحقيقة أنهم مخلصون ومحترمون ولكنهم عاجزون عن العمل بسبب كوكتيل الفول والبصل الذى دمر الدورة الدموية لكل منهم وجعلهم غير صالحين للاستخدام الآدمى!
3- الفول ليس الآفة الوحيدة فى طعام عموم الشعب المصرى، فقبل إزالة منطقة ماسبيرو، كانت العشوائيات المحيطة بها تحتشد بأغرب أطعمة يمكن أن تراها العين، ففى هذه المنطقة شاهدت لأول مرة فى حياتى ساندويتشات المكرونة، وهى شىء لم أتصوره على الإطلاق رغم أننى من مواليد وسكان حارة اليهود فى الإسكندرية، وهى حى شديد الفقر والعشوائية، ولكنها خالية -حتى الآن- من ساندويتش المكرونة!
وهناك أيضاً «ساندويتشات السمين» التى تباع فى كل الأحياء الشعبية بالقاهرة، وهى تحتوى على كمية من القرف تكفى لإبادة أى شخص سوى لو تناول منها لقمة واحدة! وتجد فى القاهرة أيضاً ساندويتش يجمع بين الحلاوة والقشطة والعسل الأسود ومجموعة من الأشياء الأخرى، ويقال إنه «ساندويتش فياجرا»، ويتناوله الإخوة الراغبون فى الحصول على الحد الأقصى من القدرات الجنسية دون الحاجة للأدوية والمنشطات، وهذا النوع من الساندويتشات مسئول عن جانب كبير من حالات الطلاق فى الأحياء الشعبية، لأن الأزواج يصابون بمرض السكر بعد ساندويتشين أو ثلاثة، ويصبحون من العاجزين أو شديدى الضعف جنسياً حتى لو تناول أحدهم كل الإنتاج الأمريكى من الفياجرا!!
4- مع عظيم الاحترام لجهود الدولة فى مشروع «المائة مليون صحة»، نرجو أن يتفضل أصحاب هذا المشروع والقائمون على تنفيذه بالتجول فى الأحياء الشعبية فى القاهرة والإسكندرية وكل عواصم المحافظات، وفى أية أماكن أخرى من البلاد ما عدا الكومباوندات والأحياء الراقية، ثم يقررون بعدها حجم الفائدة الحقيقية من الحفاظ على صحة شعب لا يرغب هو نفسه فى الحفاظ عليها.