أستاذ الاقتصاد بجامعة «موناكو»: مصر نفذت سياسات الإصلاح بنجاح والمواطن الذى يعانى منذ 2014 سيجنى الثمار بداية العام المقبل
أستاذ الاقتصاد بجامعة موناكو الدولية، الدكتور باسم قمر
اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة موناكو الدولية، الدكتور باسم قمر، ارتفاع الجنيه أمام الدولار، الذى أدهش الكثيرين مؤخراً، أمراً طبيعياً نتيجة زيادة تدفقات العملة الصعبة، مؤكداً أن ارتفاع الجنيه فى هذه المرحلة يمثل السياسة المثلى لمواجهة التضخم، ويُمكن البنك المركزى من تشجيع الاستثمار بخفض سعر الفائدة.
د. باسم قمر: لدينا مقومات أكبر من بترول الخليج والإنتاجية التركية.. والسياحة أهم من البترول لأنها مصدر دخل لا ينضب
وعبر كبير الاقتصاديين لمنطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط بالبنك الأوروبى للإنشاء والتعمير، عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد المصرى، مؤكداً، فى حواره لـ«الوطن»، أن من يراقب مصر من الخارج بعيداً عن الأهواء، سيلحظ تحقيقها إنجازات كبيرة رغم كونها شهدت ثورتين فى 8 سنوات، فكل سياسات الإصلاح الكلى تمت بنجاح، واستقر سعر الصرف، وجارٍ السيطرة على الدين العام، إلى جانب البدء فى الإصلاحات الهيكلية، ونجاح الحكومة فى إنجاز الكثير من مشروعات البنية الأساسية.. وإلى نص الحوار:
إلى أين يتجه سعر صرف الجنيه الذى يواصل ارتفاعه أمام الدولار منذ يناير الماضى؟
- هذا سؤال صعب، فالتنبؤ بأسعار الصرف عموماً مسألة صعبة، لكن لدىّ قناعة منذ يناير الماضى أن الأوضاع فى مصر تتطلب ارتفاعاً محدوداً فى سعر صرف الجنيه، لأن ذلك يمثل السياسة المثلى لتحقيق أهداف الاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة، فارتفاع الجنيه يعنى انخفاض تكلفة الواردات، وبالتالى تحجيم الأسعار، أى السيطرة على معدل التضخم (نحو 13% الآن) الذى يمثل مشكلة، وعلاجه يتطلب رفع سعر الفائدة، وزيادة الفائدة يعنى رفع تكلفة التمويل على المستثمر، وبالتالى إحجامه عن الاستثمار، ما يؤثر سلباً على النمو ويرفع معدلات البطالة. وعندما نتحدث لمستثمرين يقولون إنهم راغبون فى التوسع والتطوير وبدء مشروعات جديدة، لكن ليس بمقدورهم تحمل الاقتراض بسعر فائدة فى حدود 18%.
اتجاه الدولة إلى المشروعات القومية كان حلاً مثالياً لمواجهة الكساد وانخفاض معدلات البطالة
معنى ذلك أن ارتفاع الجنيه وسيلة فعالة للسيطرة على التضخم وبالتالى تنشيط الاستثمار؟
- هذا صحيح، فعند الرغبة فى السيطرة على التضخم، أمام مسئول السياسة النقدية، أى البنك المركزى، حلان وحيدان: إما رفع سعر الفائدة، وهى مرتفعة بالفعل، وإما السماح لقيمة الجنيه بالارتفاع، وهذا هو ما يجرى الآن. وحسب كل الأبحاث التى اطلعت عليها، فآلية سعر الفائدة ليست فعالة فى السيطرة على التضخم. وأكبر مؤثر فى مصر هو سعر الصرف، على عكس الولايات المتحدة على سبيل المثال، وبمجرد إعلان «البنك الفيدرالى» زيادة الفائدة فذلك يؤثر مباشرة على الاقتراض والمدخرات والاستثمار، لأن الآلية مألوفة منذ عشرات السنوات. ولكن فى مصر الوضع مختلف، وتأثيرها محدود، والدليل على ذلك أنه فى أعقاب قرار التعويم، أقبل الناس على الادخار طمعاً فى سعر فائدة 20%، رغم أن التضخم وقتها كان أعلى، وتجاوز الـ30% فى بعض شهور 2017، ولو حدث هذا فى أمريكا أو أوروبا، لأحجم الناس عن الادخار بسبب خسارتهم أكثر من 10% من أموالهم، وسعر الفائدة فى العادة يكون أعلى قليلاً من معدل التضخم، كما الآن فى مصر.
لكن الأسعار فى مصر تستجيب سريعاً لارتفاع الدولار، ولا تستجيب بنفس القدر لانخفاضه؟
- يحدث ذلك بشكل مؤقت نتيجة رغبة التجار فى تحقيق مزيد من الربح، لكن مع مرور الوقت ستنخفض الأسعار، وإذا لم يحدث، فلن ترتفع مرة أخرى ما يعنى انخفاض التضخم.
الحكومة سعت لجذب العملة الصعبة لبلد لم يدخله دولار واحد بعد ثورة 25 يناير.. وعالجت تشوهات سعر الصرف ومشكلة مديونية شركات البترول والغاز الأجنبية
وكيف يمكن للبنك المركزى التدخل فى سعر الجنيه فى ظل نظام سعر صرف حر؟
- البنك المركزى يستطيع أن يؤثر فى سعر الصرف بدخوله بائعاً ومشترياً للوصول إلى سعر توازنى يفيد الاقتصاد. والمسألة عرض وطلب، وكلما زادت التدفقات من الدولار كلما ارتفعت قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية، وهناك زيادة بالفعل فى تدفق النقد الأجنبى على مصر منذ قرار التعويم فى نوفمبر 2016، انعكس ذلك على الاحتياطى النقدى الذى قفز لأكثر من 44 مليار دولار، ما يعنى أن لدينا فائضاً من الدولار، ومن الطبيعى فى هذه الحالة أن يرتفع سعر الجنيه، وغير الطبيعى أن يظل ثابتاً كما كان لعام تقريباً عند نحو 17.80 جنيه.
ولماذا لم يلجأ البنك المركزى لهذا الخيار مبكراً؟
- كان مشغولاً بتكوين احتياطات تؤمن شراء واردات لا تقل عن 8 شهور، وبالفعل حقق الهدف، ما يجعله قادراً الآن على استهداف التضخم باستخدام سعر الصرف (أى يترك الجنيه يرتفع)، وبالتالى تنخفض الأسعار ويقل معدل التضخم، ويتمكن من خفض سعر الفائدة ما يعزز مناخ الاستثمار. وكان تقديرى أن الدولار سيستقر عند 16.70 أو 16.80 بحلول سبتمبر وأكتوبر، لكنه بلغ هذا المستوى أسرع مما توقعت، وهذا مؤشر إيجابى لأنه يعنى أن معدل تدفق النقد الأجنبى على مصر مطمئن، وتوقعاتى أن يتجه المركزى لخفض سعر الفائدة، وإذا لم ينخفض التضخم لنحو 10% فى الشهور القادمة، فاحتمالات ارتفاع الجنيه ستزيد ربما لمستوى 16.40 أو 16.50 جنيه، وأنا لا أستطيع أن أُجزم بمواصلة الجنيه للارتفاع، من الوارد خلال العامين القادمين أن يتأرجح الدولار بين 16.50 و18 جنيهاًً. طبعاً من الوارد مع رفع الدعم المنتظر على الوقود والكهرباء الذى سيضاعف التضخم، قد يؤجل البنك المركزى قرار خفض سعر الفائدة. ورأيى أن الأفضل تأجيل بعض إجراءات رفع الدعم للسيطرة على التضخم، لكن إذا قل سعر الفائدة لـ10%، ربما يؤدى ذلك إلى قلة الطلب على الجنيه، وبالتالى ارتفاع الدولار، وهذا أمر ممكن جداً.
ألا تشارك البعض قلقه من الزيادة المطردة فى الأموال الساخنة التى تأتى لمصر طمعاً فى نسبة الفائدة المرتفعة؟
- لا أشعر بالقلق من الأموال الساخنة لسببين، أولهما أن الجزء الأكبر من الاستثمار فى أدوات الدين المصرية ذهب لسندات طويلة الأجل، أى أن الأموال التى تأتى لمصر ليست «ساخنة» تماماً بالمعنى السلبى المستقر فى أذهان الناس. الأمر الثانى أن مصر على مدار أكثر من 20 عاماً تتخذ إجراءات احترازية ضد احتمال الخروج السريع والمفاجئ لهذه الأموال من خلال غطاء خاص.
ارتفاع الجنيه أمر طبيعى ويحقق السياسة المثلى فى هذه المرحلة لمواجهة التضخم.. ويُمكن البنك المركزى من تشجيع الاستثمار بخفض سعر الفائدة
هل اتجاه المركزى المتوقع لخفض الفائدة يمكنه تقليل إقبال الأجانب على الاستثمار فى أدوات الدين المصرية ما يؤثر على تدفق الدولار؟
- سعر الفائدة هو العنصر الأساسى لجذب هذا النوع من الاستثمارات، لكن هناك عوامل أخرى، منها وجود غزارة فى سوق رأس المال العالمى، أى رؤوس أموال كثيرة «مش عارفة تروح فين»، نتيجة طباعة كمية كبيرة من النقد فى أمريكا بعد الأزمة المالية العالمية فى الأعوام من 2008 وحتى 2013. وأكبر الاقتصاديين فى العالم، أى أمريكا والصين، بينهما اشتباك فى حرب تجارية، والأوضاع فى القارة العجوز ليست جيدة لأسباب منها توابع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وكان هناك توجه فى أمريكا لاستعادة فائض الدولار الذى تمت طباعته برفع سعر الفائدة، ولكن لأسباب كثيرة عاد «الفيدرالى الأمريكى» وأرجأ قرار رفع الفائدة، ما أربك حسابات أصحاب رؤوس الأموال، ومن الطبيعى أن يتجه جزء من هذه الأموال للأسواق الناشئة، ومصر فى وضع أفضل بكثير من الاقتصادات الناشئة، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط المضطربة.. وقل لى: مَن أفضل منا حالاً الآن؟.. أُجيبك أنا: لا أحد.
لماذا يعتبر بعض المستثمرين مصر سوقاً جاذبة؟
- مصر سوق كبيرة ومغرية، وكان هناك ترقب من جانب المستثمرين لاستقرار الأوضاع فى مصر وتطبيق بعض السياسات الإصلاحية والحوافز، وهناك توقعات أن يُؤتى كل ما تم إنجازه من مشروعات استثمارية عملاقة وبرامج الإصلاح ثماره قريباً جداً، وأحد المؤشرات أن صافى الاستثمار الأجنبى المباشر زاد لمستويات لم نرها منذ العام 2010، رغم أن الأوضاع الإقليمية غير مشجعة.
ألا يتناقض السماح للجنيه بالارتفاع مع ما تردد عن مزايا خفض قيمة العملة لدعم الصادرات؟
- لا يوجد تناقض، فهذه سياسات مختلفة تخدم أهدافاً متغيرة. وكنا قبل برنامج الإصلاح نعانى من سعر صرف رسمى ثابت عند نحو 8 جنيهات لا يُعبر مطلقاً عن الواقع، ووصل سعر الدولار لـ20 جنيهاًً فى السوق السوداء، كان لا بد من إصلاح هذا الوضع حتى لو لم يشجع على الصادرات بشكل كبير، نتيجة ضعف مرونة الصادرات المصرية واحتياجها لنسبة كبيرة من الواردات، علماً أن تقلص عجز ميزان الحساب الجارى بشكل واضح يعنى نجاح هذه السياسة. الآن نحن فى حاجة للسماح للجنيه بالارتفاع قليلاً للسيطرة على التضخم بخفض أسعار الواردات. ولا يوجد تناقض، فكلى ثقة أن كل ما يتعلق بسعر الصرف جرى وفق دراسات وافية هدفها الوصول لسعر توازنى يحقق الصالح العام.
عند البعض قناعة باستحالة ارتفاع الجنيه أمام الدولار بحُكم ضعف إنتاجية الاقتصاد المصرى. هل تتفق؟
- لا شك أن تنوع الإنتاج ووفرته عامل أساسى فى دعم سعر الصرف، وتركيا مثال على ذلك، فلم تساعد العملة التركية فى الأزمات الكثيرة إلا من خلال تنوع إنتاجية الاقتصاد التركى. لكن سعر الصرف لا يتعلق بالقاعدة الإنتاجية مباشرة، وإنما بمقدار ما تملكه من احتياطات النقد الأجنبى. دول الخليج لا تنتج شيئاً سوى البترول وتستورد كل شىء، ومع ذلك فسعر الصرف لعملاتهم لم ينخفض منذ 30 عاماً.
المستثمرون يشكون ارتفاع تكلفة التمويل والمنافسة غير العادلة مع القطاع غير الرسمى.. وكل ما يتعلق بسعر الصرف جرى وفقاً لدراسات وافية
تبدو متفائلاً على عكس عدد من الاقتصاديين الذين يتحفظون على بعض خطوات ونتائج برنامج الإصلاح.. وبعضهم ينتقد التركيز على المشروعات القومية الكبيرة؟
- متفائل ولكن لأسباب موضوعية، فمن يراقب مصر من الخارج بعيداً عن الأهواء سيلحظ أنها حققت إنجازات كبيرة بالنسبة لبلد شهد ثورتين، وسادته فوضى كبيرة منذ عام 2011 وحتى عام 2014. وعلى مدار الخمس سنوات الماضية، قطعت مصر شوطاً كبيراً، وكل سياسات الإصلاح الكلى تقريباً تمت بنجاح، فتحرر سعر العملة واستقر سعر الصرف، وجار السيطرة على الدين العام الذى قد تجاوز نسبة الـ100% من الناتج المحلى الإجمالى. أما الإصلاحات الهيكلية مثل تنظيم الاقتصاد غير الرسمى، وإصلاح منظومة الجمارك والجهاز الإدارى، وإصلاح نظامى التعليم والتأمين الصحى، بطبيعتها صعبة وتحتاج إلى وقت.
أما فيما يتعلق بالمشروعات القومية، فاعتقد أنها كانت الحل الأمثل لمواجهة الكساد وانخفاض معدلات البطالة، وتخيل لو لم تنفق كل هذه الأموال، كما ستبلغ نسبة البطالة حينها؟. كنت وما زلت مقتنعاً أن توشكى واحد من أفضل المشروعات فى مصر، وحزين لعدم اكتماله، ربما لظروف سياسية بحتة أو لنقص التمويل، لكن كفكرة هو ممتاز، وأتمنى إعادة النظر فيه.
لكن تظل مشكلة ضعف الإنتاجية كما هى؟
- ليس دور الحكومة أن تُقيم مصانع، هى تقيم البنية الأساسية وتسعى لتهيئة المناخ، فيما يتولى الاستثمار الخاص البقية، وهذا ما يحدث بالفعل. ولو كنت صانع القرار، فلا أعتقد أننى كنت سأفعل شيئاً مختلفاً. الناس ثارت فى «25 يناير» لأسباب مختلفة منها أنه «فاض بيها واتخنقت». مشاكل فى كل قطاع دون حل، بداية من المرور فى الشارع، حيث كل الشوارع تعانى من اختناق، مروراً بالخدمات الطبية المتدنية والتعليم السيئ، إلخ. فى هذا الوضع ماذا يمكن أن تفعل الحكومة؟. بدأت بالسعى لجذب العملة الصعبة لبلد لم يدخله دولاراً واحداً بعد ثورة 25 يناير، وعالجت تشوهات سعر الصرف، وحلت مشكلة مديونية شركات البترول والغاز الأجنبية، ما أسفر عن اكتشاف حقل «ظُهر»، وأعادت بناء شبكة كهرباء قوية باستثمارات ضخمة، إضافة لاستثمارات كبيرة فى الطاقة الشمسية والرياح، وتوسعت فى محطات المياه والصرف الصحى، وشيدت شبكة متميزة من الطرق والكبارى والموانئ، وتعد بالفعل شرايين التنمية. فى هذه الأثناء أنجزت مشروع قناة السويس الجديدة بتمويل داخلى. وقتها لم يكن هناك استثمار فى مصر، وبالتالى كان هناك فائض رهيب فى الودائع، وشرعت فى بناء العاصمة الإدارية، وعدد كبير من المجتمعات العمرانية، مع مشروع محور قناة السويس الطموح، القائم على أساس استقبال استثمارات ودعم الإنتاجية والقدرة على التصدير، وكل هذا كان ضرورياً، ليس فقط لجذب المستثمر وإنما ضرورة ليعيش الشعب، ثم إنك لا تستطيع أن تتحدث عن دعم الإنتاجية دون أن تتوفر لديك بنية أساسية. إذا فعلنا ذلك سنكون كمن يضع العربة أمام الحصان. أُدرك طبعاً أن هذه الإنجازات من الصعب أن يشعر بها المواطن لأننا ما زلنا فى الفترة الصعبة، المعروفة بربط الحزام ورفع الدعم. لكنى أثق بأن المواطن العادى الذى يتألم حالياً من ارتفاع الأسعار، سيجنى ثمار الإصلاح بداية من العام المقبل.
لا أتصور دولة تقترض من الخارج مليارات ثم تدعم الوقود ليستفيد منه الأغنياء.. ومصر فى وضعية أفضل من الاقتصادات الناشئة
وما سبب ضعف إقبال المستثمرين على مصر؟
- هناك ارتفاع فى معدلات الاستثمار، وهى آخذة فى الزيادة، وبعد توفير البنية الأساسية سيبدأ القطاع الخاص فى تأدية دوره، علماً بأن عدم إقبال المستثمر يكون أحياناً لاعتبارات يصعب السيطرة عليها، والولايات المتحدة على سبيل المثل، هبطت بسعر الفائدة لصفر من 2009 وحتى 2012، لكن المستثمر لم يأت إليها لأسباب أخرى مختلفة.
بحكم عملك فى البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير، فإنك تتواصل دائماً مع المستثمرين. ما أبرز شكاواهم؟
- أمران أساسيان، ارتفاع سعر الفائدة أى تكلفة التمويل، فلماذا سيأتى المستثمر إلى مصر عند سعر فائدة يتجاوز الـ18%، بينما يمكنه التوجه للمغرب والاقتراض بنحو 4%، أو الأردن بـ5%. وحتى يقل سعر الفائدة لا بد من انخفاض التضخم، ومعدل 9% معقول جداً. الأمر الثانى الذى يشكون منه هو المنافسة غير العادلة مع القطاع غير الرسمى، فهناك مصانع كاملة فى السوق الموازية لا تعرف الحكومة عنها شيئاً، ولا تدفع ضرائب، فكيف يمكن أن ينافسها مصنع ملتزم بقواعد اللعبة.
إلى أى حد يقلقك ارتفاع الدين العام؟
-الدين العام لا يقلقنى الآن، كان يقلقنى فى الأعوام الثلاثة التى تلت ثورة 25 يناير. فى هذا الوقت كانت أوروبا تعانى من أزمة ديون، وكنت أخشى أن يتفاقم الدين المصرى نتيجة توابع ثورة 25 يناير، مثل الإضرابات وتوظيف عدد كبير فى القطاع العام والجهاز الإدارى للدولة، فترتفع النفقات، وعجز الموازنة. وكان هناك سبب إضافى لقلقى، هو أن صندوق النقد، الجهة الوحيدة التى ترصد معدلات الدين وقابليته للاستمرار، لم ينشر فى تقاريره الدورية وضع مصر عن العامين التاليين للثورة، ما يعنى أن الدين يمكنه الانفلات دون أن ينتبه أحد، وكتبت بحثاً وافياً عن ذلك، وقدمته لوزير المالية وقتها الدكتور أحمد جلال، الذى عرضه بدوره على مجلس الوزراء، وكانت توقعاتى أن الدين، الذى سجل 76% فى 2010، سيتجاوز الـ100%، وبالفعل وصل لـ104% فى 2014، أى قبل قرار التعويم، وكان هذا معدلاً خطيراً، وأسعدنى أن أول قرار اتخذه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا الصدد، كان رد الموازنة العامة لخفض العجز، ثم تلا ذلك رفع جزئى للدعم على الوقود، بداية من يوليو 2014. ولا أتصور دولة تقترض من الخارج مليارات، ثم تدعم وقوداً يستفيد منه الأغنياء.