"من المعهد لـ هرمل.. يا رب يكون حي".. مأساة شقيقين يبحثان عن أخيهما الأصغر بين "ضحايا الأورام"
أخوة يبحثون عن شقيقهم بين ضحايا معهد الأورام
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية ونصف فجرًا عندما دق جرس الهاتف، يفتح المتحدث ليباغته صوت على الجانب الآخر من الهاتف: "لقينا محمود ميت يا عادل"، كان هول الصدمة على الشقيق الأكبر أكثر مما يحتمل، ليخر على ركبتيه، متكئا بجسده على سيارة كانت على جانب الطريق مرددًا بأعلى صوت لخمس مرات: "أخويا يا رب.. أخويا يا رب"، لم يتمالك الشقيق الثاني "محمد" أعصابه، ليصرخ: "أقول إيه لعيالك لما أرجع؟!، أبلغ مراتك إزاي إنك مت؟!".
فور الإعلان عن وقوع حادث في محيط المعهد القومي للأورام بالمنيل، سقط إثره عدد من الضحايا والمصابين، سارع أهالي العاملين في المعهد إلى موقع الحادث للاطمئنان على ذويهم، فمنهم من عثر على ذويهم أحياء، وآخرون وجدوهم إما بين الضحايا أو المصابين، وقطاع ثالث أصابتهم الحيرة على أحد ذويهم.. "يا ترى عايش ولا ميت؟".
على الرصيف المقابل للمستشفى، اصطف الأهالي ينتظرون الكشف عن ضحايا الانفجار، فيما سيطرت حالة من البكاء والصراخ على البعض من الذين علموا بوجود ذويهم بين الضحايا أو المصابين، كان من بين هؤلاء الشقيقين عادل ومحمد عبدالظاهر، اللذان يبحثان عن شقيقهم الثالث محمود عامل الأمن في المعهد، الذي لا يعرفون إن كان حيا أو مصابا أو من بين الضحايا، فلم يدروا هل يبكون على أخيهم، لاحتمال وجوده ضمن قائمة المتوفيين، أم يتماسكوا ويتفائلوا خيرًا ويدعون ربهم أن يكون مازال حيًا؟.
محمود عبد الظاهر، أحد الشباب العاملين ضمن طاقم الأمن بمعهد الأورام، وهو الأخ الأصغر في عائلة "عبد الظاهر"، اعتاد يوميًا الذهاب إلى عمله، عصر كل يوم، ويعود بعد منتصف الليل لأبناءه وزوجته، ولكن اليوم وعلى غير العادة حضر الليل ولم يعد، "نفسنا بس نستريح، إحنا مش لاقيين اسمه في قايمة المتوفيين ولا المصابين، ومش قادرين نتنفس من التعب والتفكير"، بحسب أخويه لـ"الوطن".
في الساعة الثانية صباحًا، بدأت سيارات الإسعاف في نقل حالات معهد الأورام إلى مستشفى "هرمل" للأورام بدار السلام، ومعهد ناصر بشبرا، لينتقل معهم الأشقاء بواسطة الدراجة البخارية، بعدما اتفقا على أن يذهب عادل ومحمد إلى مستشفى "هرمل"، ويبقى الشقيق الثالث رفقة باقي الأقارب عند معهد ناصر.
وعلى أبواب مستشفى هرمل بدار السلام، وقف الشقيقان بوجوه ظهر عليها التوتر، يأملان أن يظهر شقيقهما هناك، ويمنيا نفسيهما بالظهور مع كل سيارة إسعاف تصل إلى المستشفى، قبل أن يرن هاتف الأخ الأكبر "عادل"، ويسمع خبر صادم يتمزق معه خيط الأمل الذي استندا عليه: "لقينا محمود ميت يا عادل".
حالة الحزن القاسية التي نالت من الشقيقين، قطعها اتصال آخر على هاتف "عادل"، ينفي خبر الوفاة، ما جعله يمسح دموعه، وينصت للمتحدث باهتمام، ثم أبلغ أخاه محمد: "يا محمد استنى عمك بيقولي إن الجثة اللي لقيوها مش بتاعت محمود، مطلعش هو الحمد لله".
الأمل عاد مرة أخرى إلى الشقيقين، ولكن التماسك والهدوء ذهبا ولم يعودا، بعدما ذاقا مرارة خبر الوفاة، في محاولات مستمرة من الأهالي الموجودين بتهدأتهما، ولكنهما لا ينظران لأحد وكأنهما فقدا الوعي، ولم يعد لسانهما ينطق سوى: "الحمد لله.. يا رب والنبي خيب ظننا.. يا رب يكون حي".