"أبطال هليوبوليس".. حكاية عمال شاركوا فى إنشاء أكبر محطة مترو فى الشرق الأوسط
عاملون بمحطة مترو هليوبوليس داخل الاستراحة
لم تمنعهم الظروف الشاقة من مواصلة العمل ليل نهار حتى يتمكنوا من إنجاز مهمتهم على أكمل وجه، عمال قرروا أن يقفوا صفاً واحداً كى يتمكنوا من تحقيق الهدف المنشود والمتمثل فى إنشاء أكبر محطة مترو فى الشرق الأوسط وأفريقيا.
«الوطن» حاورتهم لتتعرف على الجهود الشاقة التى يبذلها هؤلاء كى ينتجوا مشروعات ضخمة فى أزمنة قياسية، وشعورهم حال افتتاح أحد المشروعات التى طالما عملوا بها شهوراً عديدة.
داخل الاستراحة المخصصة لهم بأحد الكرفانات أعلى المحطة، جلس عدد كبير من العمال الذين شاركوا فى بناء وتجهيز محطة مترو هليوبوليس بمصر الجديدة، والتى تم افتتاحها مؤخراً على مساحة ١٠ آلاف متر، يتناولون وجبة الغداء بعد عمل شاق بذلوا فيه أقصى ما لديهم كى يكتمل الافتتاح، البعض يأكل والبعض الآخر يلهو، وهناك مَن اتخذ من الكراسى المخصصة للجلوس أماكن للنوم، حتى يتسنى لهم الحصول على قسط من الراحة قبل البدء فى عمل التشطيبات الخارجية للمحطة.
فى ساحة واسعة تضم عدداً من الكراسى الخشبية، وثلاجات المياه، وبعض «الترابيزات»، فضلاً عن سقف مصنوع من الصاج يمنع دخول أشعة الشمس التى أنهكت هؤلاء طيلة شهور عديدة عندما كان العمل خارجياً متعلقاً بالتشطيبات، جلس عشرات العمال بعدما منحوا ساعة راحة.
بجوار الباب الخشبى المخصص للدخول جلس عجوز خمسينى، بشعره الأبيض المميز بين كل هؤلاء الشباب، مستريحاً على كرسى خشبى، بعدما أزاح الخوذة من على رأسه كى يستطيع الاستمتاع بالراحة: «الراحة حلوة خصوصاً لما بتيجى بعد شقا وتعب، محدش بيحسها إلا اللى انكوى بنار الشقا»، هكذا لخص محمد عيسى، البالغ من العمر ٥٦ عاماً، شعوره بعدما أخذ الراحة، متحدثاً عن طبيعة الأعمال التى أوكلت إليه فهو الذى يتخصص فى تسوية الخرسانات والتى تستغرق نحو ٨ ساعات كى تجف، يقضيها الخمسينى بجوارها.
"عيسى": شاركت فى افتتاح ٢٧ محطة
بوجه مبتسم تبدو عليه علامات الرضا، يجلس «عيسى» كى يتناول «ساندويتشات» الفول ومعها قليل من الشاى: «بعيداً عن التعب اللى بيحصل ده شىء عظيم، وأنا باعتبر إن مترو الأنفاق أهم مشروع فى مصر، ومن غيره الحياة تقف»، معبراً عن أهمية المترو بالنسبة للمواطنين، واصفاً شعوره بأنه يعتبر مشاركته فى المشروعات المتعلقة بالمترو بمثابة عمل قومى، ويتابع: «أنا باحارب زيى زى العساكر، مصر كبيرة وتستحق تكون زى الدول الأوروبية»، ويضيف: «بقالى ١١ سنة شغال فى الإنشاءات الخاصة بالمترو ومفيش يوم ملّيت أو تعبت، بالعكس كل ما نفتتح محطة، يبقى نفسى فى التانية وهكذا، لحد ما شاركت فى افتتاح ٢٧ محطة».
يمسك بطرف الحديث أصغر عمال المشروع الذى يبلغ من العمر ١٩ عاماً، حيث يعمل فى مجال الخدمات العامة والأمن، محمد عبدالحميد، أحد أبناء محافظة القاهرة، قرر أن يكون فرداً فى منظومة الإنشاءات الخاصة بالمترو: «من زمان نفسى أشارك فى أى مشروع قومى، وأول ما ربنا كرمنى واشتغلت بقيت حاسس إنى جندى بيدافع عن بلده، ومن محطة لمحطة بيزيد تعلُّقى بشغلى»، لم يشعر يوماً أن عمله مرهق، حيث يتلخص دوره فى حراسة كل ما يتعلق بالمشروع.
"على": هاحكى لأحفادى إنى ساهمت فى تطوير بلدى
ويقول على حامد، ٣٧ سنة، من السيدة زينب، فنى كهرباء، إنه يعمل منذ ما يزيد على ٧ سنوات، عرف خلالها الكثير من الأشياء التى جعلته يزداد إصراراً على مواصلة العمل فى إنشاء أكبر عدد ممكن من المحطات: «شُفت الزحمة بعينيّا فى شوارع القاهرة ومع كل يوم أتأخر فيه عن ميعاد الشغل بسبب الزحمة، بيزيد إصرارى على المشاركة فى بناء أكبر عدد ممكن من المحطات علشان الزحمة فى الشوارع تخف».
"فؤاد": شرف لينا نشارك فى هذا الإنجاز التاريخى
لم يختلف الحال كثيراً بالنسبة للأربعينى أحمد فؤاد، الذى يأتى من شبرا كل صباح منذ عامين، كى ينجز مهمته فى البناء: «باعمل كل حاجة متعلقة بالطوب، وبقالى ٢٦ سنة فى الصنعة دى، لكن من فترة عرفت إن الشركة المسئولة عن المترو عايزة صنايعية، فرحت وقُلت أهو شغل ثابت وربنا هيكرمنى منه، وفعلاً بقالى ٤ سنين شغال والحمد لله ربنا كرمنى»، وعن رأيه فى محطة هليوبوليس يقول: «مفيش، شك إن الواحد فخور إنه اشتغل وسط كل الناس دى، علشان نعمل محطة تعتبر هى الأكبر فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ودى مش حاجة قليلة، وبتهون الصعوبات اللى بتواجهنا فى شغلنا».
أمام الساحة المخصصة للعمال، تحت ظل إحدى الأشجار جلس أسامة خليفة، ٣٢ سنة من بولاق، بعدما خلع حذاءه ليتمكن من فرد ساقه التى نال منها الإرهاق: «شغل المعمار متعب جداً وما باصدّق أفرد رجلى، شغلنا دلوقتى فى الشمس اللى ما بترحمش، بس كل ده بيهون والله لمجرد بس إنى أقول بلدى تستاهل أتعب علشانها».