بوصلة الصادرات المصرية تميل شرقا نحو أوروبا و"أفريقيا".. و"الميركسور" رهن التفعيل
الصادرات المصرية
قامت الحكومة المصرية خلال العقدين الماضيين بتوقيع عدد كبير من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول منفردة وتكتلات اقتصادية دولية مختلفة بهدف تشجيع نمو الصادرات المصرية وضبط عجز الميزان التجارى، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية مرتكزة على حجم الأسواق التى يمكن للمستثمر النفاذ إليها من خلال الاتفاقيات، وشملت أبرز هذه الاتفاقات كلاً من الاتحاد الأوروبى ودول الكوميسا والميركسور والافتا وأغادير، فضلاً عن الاتفاقات الثنائية مع عدد من الدول مثل تركيا وسوريا والمغرب وتونس وليبيا والأردن والعراق، كما تسعى للدخول فى اتفاقات جديدة مثل الاتحاد الأوروآسيوى واتفاقية التجارة الأفريقية وغيرها من الاتفاقات.
245 مليار دولار حجم تجارة دول الكوميسا مع العالم.. ونصيب مصر منها لا يتجاوز 1.5 مليار
ومن الجانب الاقتصادى يُقاس مدى نجاح الاتفاقيات التجارية من عدمه، بمدى القدرة على نفاذ الصادرات المصرية إلى دول العالم وزيادتها، بجانب استخدام هذه الاتفاقيات للترويج للاستثمار الأجنبى المباشر وزيادته، ورغم هذه الاتفاقيات التى تشمل شراكات مع حوالى 73 دولة، ما زالت مصر تعانى عجزاً مستمراً فى الميزان التجارى مع جميع دول العالم بما فى ذلك دول الاتفاقيات باستثناء مجموعة دول الكوميسا، وهو ما أظهرته بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فضلاً عن عدم ظهور تأثير قوى لهذه الشراكات على جذب الاستثمارات الأجنبية التى شهدت تراجعاً بـ23% خلال العام المالى الماضى.
12 مليار جنيه فاقداً جمركياً سنوياً من واردات السلع المعفاة بموجب اتفاقيات لم تثبت جدواها بعد
ويرجع ذلك إلى عدم استفادة مصر من هذه الاتفاقات الدولية بالشكل الأمثل، فيما يعود أحياناً عليها بنتيجة عكسية واستغلال بعض الدول هذه الاتفاقيات لغزو السوق المصرية، حيث سجل العجز فى الميزان التجارى لمصر 8.2 مليار دولار خلال العام المالى 2018/2019، كما أنها تهدر رسوماً جمركية سنوياً تقدر بـ12 مليار جنيه نتيجة الإعفاءات الممنوحة لواردات الدول التى دخلت معها مصر اتفاقيات تجارية، بحسب تصريحات سابقة لدكتور مجدى عبدالعزيز رئيس مصلحة الجمارك، وهو ما يوضح فشل القطاع الصناعى المصرى فى اختراق الأسواق العالمية.
وتوضح البيانات التالية التى تحلل مدى استفادة مصر من أبرز الاتفاقيات الدولية، ضرورة إعادة النظر والتقييم لهذه الاتفاقيات، والتركيز على بعض الأسواق التى تتناسب مع المميزات النسبية ومستوى جودة المنتج المصرى، وذلك بعد تحليل هيكل الواردات للدول التى تربطها اتفاقيات تجارة حرة مع مصر، وتنازل العديد من المستثمرين المحليين عن جملة «جارٍ توفيق الأوضاع».
الشراكة الأوروبية
حققت مصر استفادة نسبية جراء توقيع اتفاقية مع الاتحاد الأوروبى فى 2001، والتى تنص على تحرير التجارة بين الطرفين بما يشمله من قيود كمية وتعريفة جمركية، حيث حققت الصادرات المصرية معدل نمو بـ188.5% منذ تفعيل الاتفاقية عام 2004 وحتى 2018، فيما حققت الواردات نمواً بـ83.78% خلال الفترة نفسها، وعلى الرغم من هذا النمو الكبير فى حجم الصادرات إلا أن الميزان التجارى يرجح كفة الواردات الأوروبية.
اتفاقية أغادير
تحقق مصر استفادة نسبية من اتفاقية أغادير، حيث تُقدر حجم صادراتها للدول الأربع المشاركة فى الاتفاقية بـ1.19 مليار دولار خلال 2017، وذلك فى مقابل 340 مليون دولار فقط للواردات، ولكن بالتدقيق فى الهيكل التجارى للدول المشاركة، سنجد على سبيل المثال أن هذه القيمة لم ترتقِ حتى لحجم طلب هذه الدول على منتج واحد من المنتجات التى تمتلك فيها مصر ميزة نسبية مثل المنسوجات التى تستورد تونس منها بقيمة 2.11 مليار دولار خلال 2017، بينما تستورد المغرب المنتجات المعدنية بـ5.86 مليار دولار.
فيما تُصدر مصر فى المنسوجات بـ3.85 مليار دولار، والمنتجات المعدنية بـ6.83 مليار دولار، ومع ذلك لم تتمكن مصر من استغلال مميزاتها فى هذه المنتجات فى ظل وجود اتفاقية تجارة حرة مع هذه الدول والاستفادة من الطلب الكبير لهذا النوع من المنتجات.
اتفاقية الكويز
وقعت مصر فى أواخر عام 2004 بروتوكولاً فى إطار ما يعرف بالمناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتسمح الاتفاقية لبعض المنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون جمارك أو حصص محددة شريطة ألا يقل المكون الإسرائيلى فى هذه المنتجات عن 11.7%، وقد حققت هذه الصادرات داخل الاتفاقية نمواً بـ204.1% منذ تفعيلها فى 2005 وحتى 2018، لتصل إلى 877 مليون دولار.
اتفاقية الميركسور
شهدت معدلات نمو الصادرات المصرية لدول اتفاقية الميركسور التى تم تفعيلها عام 2017 وتشمل كلاً من الأرجنتين والبرازيل وباراجواى وأوروجواى، تزايداً بـ159.8% خلال العشرة أشهر الأولى من 2018 مقارنة بالفترة نفسها قبل تفعيل الاتفاقية فى 2016، ولكن بالتدقيق فى المؤشرات سنجد أن هذا النمو لا يمثل سوى 7.3% من قيمة واردات مصر من هذه الدول والتى حققت تراجعاً بـ13% خلال الفترة المقارنة، وهو ما ينم عن فشل الجانب المصرى بالاستفادة من هذه الاتفاقية.
اتفاقية الكوميسا
تعتبر اتفاقية الكوميسا من أكثر الاتفاقيات التى أحرزت فيها مصر تقدماً كبيراً، حيث حققت الصادرات المصرية نمواً بـ1103% منذ عام 2001 أى بعد تفعيل الاتفاقية بعامين فقط وحتى عام 2017، فيما حققت الواردات المصرية من الدول الأعضاء نمواً بـ176% خلال الفترة نفسها، ولكن تظل هذه الاتفاقية لم تستغل الاستغلال الأمثل بعد حيث تُقدر الصادرات المصرية بـ0.65% فقط من حجم تجارة منطقة الكوميسا مع العالم والتى تُقدر بـ245 مليار دولار.
اتفاقية الإفتا
على الرغم من معدلات النمو الكبيرة التى حققتها الصادرات المصرية للدول الأعضاء فى اتفاقية الإفتا قبل توقيعها بعامين أى منذ 2005 وحتى 2017 والتى تُقدر بـ579.6% مقابل 142.9% فقط للواردات، إلا أن الغلبة فى الميزان التجارى لصالح الدول الأربع المشاركة حيث تُقدر الواردات المصرية من هذه الدول بـ941 مليون دولار مقابل صادرات بـ109، وفى المجمل تُعتبر هذه الأرقام ضئيلة ولا ترتقى لحجم الميزان التجارى لكل دولة على حدة، وهو ما يشير إلى أن هذه الاتفاقية لم تمد وصال التعاون بين الدول الأعضاء بالشكل الكافى.
اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا
منذ بداية تفعيل اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا فى 2011، اتخذت الصادرات المصرية اتجاه صعود لتصل إلى 1.91 مليار دولار فى 2017 بمعدل نمو 782.6% مقارنة بـ216.4 مليون دولار فى 2011، فيما حققت الواردات تراجعاً بـ48.2% خلال الفترة نفسها لتصل إلى 2.06 مليار دولار فى 2017.
وإذا ما استمرت مصر فى المضى قدماً بهذه الوتيرة ستتمكن من تحويل العجز فى الميزان التجارى مع تركيا إلى فائض خلال السنوات القليلة القادمة.