استقلال القرار والمصلحة الوطنية.. كلمة السر في خريطة التحالفات الخارجية
الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الروسى فلاديمير بوتين
شهدت السياسة الخارجية المصرية تحولات نوعية خلال السنوات الأخيرة نحو مزيد من التعددية والتوازن والاستقلالية ما عزز دور القاهرة على المستويين الإقليمى والعالمى، وعلى الرغم من الصعوبات الداخلية التى عانتها البلاد منذ ثورة يناير 2011 إلا أن «استقلال السياسة الخارجية» كان هدفاً قومياً تسعى إليه إرادة الشعب المصرى، بعد عقود وصفت بـ«التبعية»، لكن حكم جماعة الإخوان قد أعاد مصر مجدداً لمحور إقليمى داعم لتيار الإسلام السياسى عبر التحالف مع تركيا وقطر وإدارة الرئيس الأمريكى آنذاك باراك أوباما، لتأتى ثورة 30 يونيو 2013 وتصحح المسار على نحو جعل مصر شريكاً أساسياً للقوى الكبرى ممثلة فى الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبى، فضلاً عن تعزيز تحرك القاهرة لمرتكز للاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط وأفريقيا.
"زهران": تعزيز خطاب "المصلحة الوطنية" فى التحركات الخارجية
وقالت الدكتورة إيمان زهران، عضو لجنة العلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة، إن ثمة مناقشات فى عدة دوائر أكاديمية وسياسية تشير إلى تشكيل ما بات يعرف بـ«مبدأ السيسى» فى السياسات الخارجية، فى محاولة لتحليل التغير فى سياسات مصر الخارجية المرتبط بشخص الرئيس، موضحة أن التحول فى ممارسات السياسات الخارجية المصرية فيما بعد ثورة 30 يونيو 2013 تميز بكونه ذا طابع «انتقالى» يرتبط بمحددات رئيسية مثل تعزيز خطاب «المصلحة الوطنية» كموجه لدوائر التحرك المصرى فى الخارج، وعلى العكس من ذلك ما كان سائداً فى عهد الإخوانى محمد مرسى، حيث كان التحرك يعكس المصالح الخاصة بتنظيم الإخوان، وتصوراته للعالم، وهو ما انعكس فى بعض السياسات المتبعة والخاصة بتعزيز النفوذ السياسى لجماعة الإخوان فى الدول المجاورة، على نحو أدى إلى توتر العلاقات مع تلك الدول، مثل تصاعد التوتر المأزوم مع دولة الإمارات فى فترة حكم الإخوان.
وتابعت «زهران»: «ومن ثم، فإن أبرز سمات السياسة الخارجية المصرية فى حقبة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013 تمثلت فى: التعامل مع الإرهاب والفكر المتطرف كقضية ذات أولوية قصوى، وعلاقتها المباشرة بالأزمات التى تمر بها بعض دول المنطقة مثل سوريا وليبيا، والقضايا الدولية متعددة الأطراف، وقضايا الاقتصاد والتعاون الدولى، وعلاقات مصر الخارجية على المستويين الثنائى والجماعى، خاصة بعد أن نجحت الجماعة الإرهابية فى قطع العلاقات الاستراتيجية مع سائر دول الخليج والهرولة نحو الدول الداعمة للإرهاب سياسياً وتمويلياً»، موضحة أن هذا الملف كان له دور أساسى فى الانقلاب على تحالف الإخوان مع تركيا وقطر والاتجاه لتعزيز العلاقات مع دول الخليج والفاعلين الإقليميين لمكافحة الإرهاب فى المنطقة، مثل دعم استعادة الدولة السورية ودعم الجيش الوطنى فى ليبيا ودعم استعادة الشرعية فى اليمن، ودعم العراق فى مكافحة الإرهاب.
أما بالنسبة للمقاربة الدولية فى مكافحة الإرهاب، فقد «مكنت عضوية مصر فى التحالف الدولى ضد داعش، وانتخابها لعضوية المقعد غير الدائم فى مجلس الأمن الدولى لعامى 2016-2017 ورئاستها للجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن الدولى من القيام بعدد من المبادرات الرامية لتعزيز التعاون والتنسيق الدوليين فى ملف مكافحة الإرهاب، وهو ما تُوج بإقرار خطاب الرئيس السيسى أمام القمة العربية للأمم المتحدة بالرياض كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن الدولى، وكذلك استصدار قرار فى 25 مايو 2017 من مجلس الأمن، بإجماع آراء الدول أعضاء المجلس، للترحيب بالإطار الدولى الشامل لمكافحة الخطاب الإرهابى ووضعه موضع التنفيذ، وهو الإطار الذى سبق أن نجحت مصر فى اعتماده بالإجماع كوثيقة رسمية من وثائق مجلس الأمن».
ولفتت «زهران» إلى أن «العلاقات المصرية - الروسية شهدت انفراجة هائلة بعد إهمالها لعدة سنوات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، حيث بجانب التدريبات العسكرية المشتركة، فقد تم إبرام عدد من الصفقات العسكرية التى بموجبها أحدثت حالة من التنوع إذ لم يقتصر التسليح المصرى على المساعدات العسكرية الأمريكية أو غيرها فقط.
كذلك، حرصت القيادة السياسية فيما بعد 30 يونيو ومع بداية حكم الرئيس السيسى على تفعيل صيغة «2+2» من أجل تحقيق تنسيق عسكرى وسياسى كامل والتشاور المشترك، حيث أصبحت مصر سادس دولة ترتبط بهذه الصيغة مع روسيا».
وعلى المستوى السياسى، نجحت القاهرة أثناء رئاستها للاتحاد الأفريقى بدورته الحالية 2019، فى إعادة إنتاج التفاهمات المصرية الروسية كخطوة تُعد الأولى فى التاريخ الحديث، وتمت ترجمتها فى القمة «الأفريقية - الروسية» الأولى فى سوتشى فى أكتوبر 2019 وفقاً لأحدث نماذج التعاون الدولى والمتمثلة فى المعادلة «55+1»، بحسب «زهران».
"عيسى": "الانتشار المتوازن" ملمح أساسى
وقال عبدالله عيسى الشريف، الباحث فى العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه خلافاً للعديد من التوقعات حول اتجاه الدولة المصرية للانكفاء على شئونها الداخلية فى ثورة 30 يونيو تحت وطأة تحديات استعادة الدولة المصرية، جاءت توجهات الرئيس السيسى تجاه الدور الخارجى لمصر فى ظل التحولات الإقليمية المتلاحقة، والتحديات الأكثر خطورة على الأمن القومى، بما يمكن تسميته الانتشار المتوازن.
من خلال الانفتاح على جميع الدول لإقامة علاقات دولية تتسم بالتوازن والشراكات مع القوى الكبرى فى النسق الدولى واكتساب مزيد من القوة والنفوذ التدريجى على خريطة التفاعلات السياسية الدولية.
وقد جاءت أبرز التحولات التى شهدتها السياسة الخارجية المصرية منذ سقوط الإخوان فى 2013، متمثلة فى الخروج من الارتباط الإخوانى بتركيا، حيث «توترت العلاقات مع تركيا، لأن أردوغان لديه عقدة شخصية من القيادة السياسية المصرية والموقف من ثورة 30 يونيو».
وبحسب «الشريف» كان العنصر الآخر هو علاقات متوازنة مع أمريكا والاتحاد الأوروبى وروسيا والصين، حيث أدركت القاهرة ضرورة تنويع خياراتها الخارجية، حتى لا تكرر أخطاء الماضى، فنشطت الدبلوماسية المصرية ونوعت مصر عسكرياً الاعتماد على مصادر السلاح، وسياسياً تنويع مصادر الدعم من خلال علاقات ندية متوازنة مع مختلف القوى، مع الأخذ بعين الاعتبار خروج أمريكا من منطقة الشرق الأوسط، ولأن كل فراغ يبحث عمن يملأه، كان الدب الروسى حاضراً، فجاء تطوير العلاقات المصرية الروسية فى خدمة المصلحة المصرية أولاً، وعلى جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
"الشريف": شراكات مع القوى الكبرى
و«أصبح الحضور المصرى فى القمم الدولية بمثابة كلمة السر لنجاح منقطع النظير لعرض الإنجازات المصرية، فحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، قمة العشرين بأوساكا اليابانية يونيو 2019 ليس المرة الأولى، فقد سبق أن حضرها السيسى فى العاصمة الصينية بكين عام 2016 تأكيداً على ثقل مصر على الصعيدين الإقليمى والدولى، فضلاً عن المشاركة فى قمة شراكة مجموعة السبع وأفريقيا التى عقدت فى فرنسا أغسطس الماضى، وقمة سوتشى التى تُعيد صياغة أطر ومجالات أرحب للتعاون الروسى الأفريقى بقيادة مصرية»، بحسب «الشريف» الذى يرى أن من أبرز الملفات التى أصبحت مصر لها ريادة فيها على المستوى الدولى، مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، والأزمة الليبية، بالعمل على استعادة مؤسسات الدولة الليبية وهو ما لاقى تأييداً من القوى الكبرى.
"عدلى": الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا.. والانفتاح على روسيا والصين
ويرى أحمد عدلى، الباحث فى العلاقات الدولية أن مصر نجحت فى الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا والانفتاح على قوى أخرى مثل روسيا والصين، مضيفاً: «ولعل التصريحات التى أدلى بها الرئيس خلال لقائه بالرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال القمة الأفريقية الروسية الأخيرة التى عُقدت فى سوتشى، خير دليل على ذلك».
و«عكفت مصر على ترتيب أولويات سياستها الخارجية لتتماشى مع حجم وقدر تلك التحديات، وذلك بإعطاء الأولوية لدول الجوار واحتياجات الأمن القومى المصرى المباشر على غرار الأزمة الليبية وملف مكافحة الإرهاب. ولا يزال خطاب المصلحة الوطنية، هو الأكثر وضوحاً فى الخطاب الرسمى للدولة المصرية، على عكس ما كان سائداً خلال فترة حكم الإخوان، حيث طغيان المصلحة الخاصة بالجماعة على المصلحة الوطنية المصرية»، بحسب «عدلى»، الذى أكد أيضاً أن «جهود مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تتصدر قائمة أولويات السياسة الخارجية المصرية فى الوقت الراهن ويتضح ذلك من كون تلك القضية تشغل حيزاً لافتاً ومهماً فى التصريحات والكلمات الخاصة بالرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل المحافل واللقاءات والمؤتمرات الإقليمية والدولية والثنائية».
وقالت الدكتورة سالى شعراوى، الباحثة فى العلاقات الدولية، إن علاقات مصر الخارجية تنوعت مع القوى الكبرى انطلاقاً من أولوية المصلحة الوطنية المصرية، وذلك فى ضوء أن الساحة الدولية ومسار العلاقات الدولية لم يعد يتطلب التحيزات الأيديولوجية الضيقة أو الميل لطرف على حساب آخر بشكل جذرى، وهو ما يظهر فى علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة وروسيا فهى تتسم بالأداء السياسى المتوازن بصرف النظر عن طبيعة العلاقات التى تربط القوى الكبرى ببعضها البعض، كذلك يندرج التزامها بجهود مكافحته الإرهاب والهجرة غير الشرعية فى إطار سعيها لتكون عنصراً دولياً فاعلاً وجزءاً لا يتجزأ من الكيان الدولى الملتزم بمبادئ القانون وحفظ السلم والأمن الدولى.
«الصورة بقت حلوة».. من العزلة للريادة
قيادة القارة السمراء.. من "تجميد العضوية" إلى "رئاسة الاتحاد الأفريقي"
دبلوماسية "30 يونيو" تعمل على تمهيد العودة إلى الهوية فى مواجهة التطرف