الدولة تنتفض لحماية الآثار.. البرلمان يقر تعديلات القانون لـ"تغليظ العقوبات"
"تنقيب وحيازة وتهريب": وقائع التعدي على "الآثار" عرض مستمر
التنقيب عن الآثار
على مدار السنوات الماضية، وقع العديد من جرائم التعدى على الآثار المصرية، بداية من تنقيب بعض المواطنين الحالمين بالثراء الفاحش عند عثورهم على الكنوز الفرعونية أسفل منازلهم أو الأراضى التى يمتلكونها فى مختلف محافظات مصر، أو محاولة بيع هؤلاء للقطع الأثرية التى وجدوها، أو التهريب خارج مصر بمختلف الطرق، ليكتمل المشهد بإقامة المزادات العلنية فى دول الخارج لبيع الآثار، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل لإهانة تلك الممتلكات بأفعال مخالفة للآداب كان أبطالها من أصحاب الجنسيات الأجنبية.
وخلال شهر فبراير الماضى وتحت قبة البرلمان، تمت الدعوة لمناقشة قانون رقم 117 لسنة 1983 الخاص بحماية الآثار من أجل تعديل القانون وتغليظ عقوبات المعتدين على كنوز مصر بمختلف عصورها، «الوطن» رصدت نماذج من وقائع التنقيب والتهريب والأفعال الفاضحة، إضافة إلى التعديلات الجديدة على القانون التى وافق عليها البرلمان، كما استمعت إلى آراء خبراء الآثار والأمن والقانون، وحلولهم من أجل القضاء على الظاهرة.
«تنقيب.. حيازة.. سرقة.. تهريب»، تعددت وقائع وجرائم التجارة فى الآثار على مدار السنوات الماضية فى مختلف المحافظات، ومعها تكثف الجهات الأمنية متمثلة فى رجال شرطة السياحة والآثار فى كشف هؤلاء العابثين بكنوز مصر.. «الوطن»، ترصد مجموعة من تلك الوقائع التى أثيرت، وأحدثت ضجة خلال الشهور القليلة الماضية.
مدينة البدرشين التابعة لمحافظة الجيزة لها تاريخ طويل مع التنقيب عن الآثار، حيث شهدت تلك المنطقة العديد من محاولات الأهالى فى البحث عن آثار مدفونة تحت منازلهم، وكان من ضمن تلك المحاولات فى 6 ديسمبر من العام الماضى، حين حاول أحد الأهالى، 62 عاماً، ويعمل بقالاً تموينياً، التنقيب عن الآثار الموجودة داخل قطعة أرض يمتلكها فى منطقة «ميت رهينة»، وتم ضبطه والتحفظ على الأرض، وأعترف البقال بالحفر للبحث والتنقيب عن الآثار، حيث اتضح وجود حفرة فى المنطقة بداخلها كتلة من الجرانيت الوردى يظهر منها جزء به نقش غائر للإله «بتاح»، واقفاً يمسك بيده صولجان، وعليها بعض الكتابات الهيروغليفية، إضافة إلى بعض الكتل من الجرانيت الوردى، وعاين مفتشو آثار ميت رهينة المضبوطات، موضحين أن الحجر المضبوط يُعد كشفاً أثرياً يرجع إلى العصر الفرعونى، وأنه يعتبر امتداداً لمعبد الإله بتاح الذى أنشأه رمسيس الثانى تكريماً له، الذى يقع على بعد 15 متراً من منطقة الحفر.
وفى محافظة المنيا، وتحديداً فى 21 نوفمبر 2019، تم ضبط أحد المزارعين، 38 عاماً، يُقيم بدائرة مركز بنى مزار، كانت بحوزته 28 قطعة أثرية تعود للعصور الفرعونية والرومانية، حيث خبأها بمزرعة مواشى يملكها للتجارة والتربح، وبعرضها على لجنة من مفتشى آثار المنطقة أفادت بأثريتها، وضمت تمثالاً من البازلت الأسود لسيدة على قاعدة بطول 50 سم، مدون عليه كتابات فرعونية بالقاعدة، والظهر يعود للعصر الفرعونى، إضافة إلى تمثال من الحجر الجيرى لآدمى على قاعدة بطول 35 سم يرجع للعصر اليونانى الرومانى، مع تمثال من البازلت الأخضر لآدمى على قاعدة طولها 10 سم، مُدون عليه أيضاً كتابات فرعونية على القاعدة والظهر يرجع للعصر الفرعونى، وجاء من ضمنها 25 عملة معدنية مختلفة الأحجام ترجع للعصر الرومانى.
ومن المنيا إلى محافظة سوهاج، الشهيرة باحتوائها على الكثير من الآثار الفرعونية فى بعض المناطق المعروفة هناك، وهو ما يطمع فيه بعض أهاليها، ويدفعهم للتنقيب أسفل المنازل والأراضى، ومن ضمن تلك الوقائع كانت فى 13 فبراير، وتحديداً فى طما شمال سوهاج، بطلها يدعى «سامح»، 47 عاماً، مدير مدرسة إعدادية بقرية سلامون، نقب داخل منزله، وفور استهدافه من قبل رجال شرطة السياحة والآثار، وُجد حفر أثرى بعمق 7 أمتار، وآخر ينتهى بسرداب بطول 40 متراً، مع أدوات للحفر والتنقيب، ومن ضمن المضبوطات كانت إناء من الفخار يرجع للعصر البطلمى.
وفى 25 من فبراير الماضى، بمدينة القوصية التابعة لمحافظة أسيوط، استطاعت مباحث السياحة والآثار بالمحافظة ضبط 3 أشخاص بحوزتهم 3 تماثيل أثرية، كانوا عرضوها للبيع بـ10 ملايين جنيه، من ضمنهم «سعيد» 30 عاماً، وتم ضبطهم بعد الاتفاق معه على مقابلته بأحد المقاهى لشراء التماثيل التى بحوزته عقب مُعاينتها أولاً، وجاء معه فى الموعد المُحدد شريكاه الاثنان، وكانت التماثيل من الحجر الجيرى بأشكال وأحجام وألوان مختلفة، وعليها رسومات وزخارف وكتابات باللغة الفرعونية، وأوضحت لجنة الآثار أن المضبوطات أثرية.
وفى محافظة الأقصر 17 ديسمبر من العام الماضى، كانت هناك واقعة أخرى من سلسلة جرائم التنقيب عن الآثار، حيث تم ضبط شقيقين لتنقيبهما عن الآثار داخل منزلهما فى منطقة الطارف غرب المحافظة، وداخل المنزل تم العثور على حفرة بعمق 3 أمتار، و39 قطعة أثرية متنوعة ما بين تماثيل صغيرة الحجم وأوانٍ فخارية.
ومن أشهر وقائع تهريب الآثار خارج مصر، التى أثيرت خلال الفترة الماضية للفنان بطرس رؤوف غالى، شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى، ومشاركته فى أكبر عملية تهريب آثار مصرية إلى الخارج على مدار السنوات الماضية، حيث تم الكشف عن تهريب أكثر من 21 ألف قطعة أثرية عبر ميناء ساليرنو فى إيطاليا خرجت عن طريق حاوية دبلوماسية، ونفذت عملية التهريب بطرق كثيرة مُعقدة لضمان نجاح نقل القطع.
شارك فى عملية التهريب كلٌ من شقيق وزير المالية الأسبق، وقنصل سابق لإيطاليا عمل فى مصر، وأحد المنقبين عن الآثار، مع مسئول بإحدى شركات الشحن، فيما أعلن المستشار نبيل صادق، النائب العام، أن عدد القطع المُهربة 21855 قطعة، تنتمى إلى الحضارة المصرية فى عصورها التاريخية المختلفة، كما قضت محكمة جنايات القاهرة بعابدين يوم 15 فبراير، بالحكم على «بطرس» بالسجن المشدد 30 عاماً وغرامة 6 ملايين جنيه، والحكم على شركائه بالسجن المُشدد 15 عاماً، وتغريم كل منهم مليون جنيه.
إلى جانب وقائع التجارة والتنقيب والتهريب، طرأت مؤخراً ظاهرة جديدة تكررت أكثر من مرة، وهى قيام أفراد من الجنسيات الأجنبية بأفعال فاضحة داخل الأماكن الأثرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فى شهر ديسمبر لعام 2018، نشر مصور دنماركى يُدعى «أندرياس هيفيد»، فيديو إباحياً برفقة صديقته أعلى سطح الأهرامات، وأثار وقتها ضجة كبيرة لما فيه من إهانة لقيمتها.
مساعد وزير الداخلية الأسبق: دور مباحث الآثار جمع التحريات وتسليمها.. ولو ركزنا المكافحة على التنقيب والتجار هنقطع طريق "التهريب"
وأوضح اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن «جرائم الآثار تنقسم إلى 3 وقائع، الأولى: التنقيب، والثانية: السرقة أو التجارة، والأخيرة: التهريب خارج مصر، وأن دور شرطة ومباحث الآثار هو جمع التحريات والمعلومات المطلوبة وتسليمها إلى الجهات المختصة، إضافة إلى تأمين تلك الجهات أثناء تنفيذ الضبط»، مضيفاً: «مهما كان رجل ضليع فى الآثار مش هيفهم زى المتخصص»، مشيراً إلى أنه فى العديد من عمليات التنقيب انهارت الكثير من المنازل على الأشخاص الذى نقبوا أسفلها، وأن تلك الوقائع تحدث فى المناطق المشتبه أو المرجح أنها تكون أثرية، والتى من المفترض أن يعلمها المختصون داخل الوزارة.
وأكد «البسيونى» أن «على هؤلاء المسئولين تحديد تلك المناطق جيداً، وبعدها يتولون مأمورية التواصل مع أصحاب المنازل التى من المحتمل وجود أسفلها آثار، والاتفاق بين الطرفين أن يقوم المختصون التابعون للوزارة بالحفر، وإذا وجدوا بالفعل قطعاً أثرية تُحدد له نسبة جيدة من كل ما يُستخرج من أسفل منزله، وبالتالى سيتجنب صاحب المنزل الخطورة، ويتم تقنين التنقيب بوضع سليم، وتتحمل الدولة تكاليف الحفر كاملة»، قائلاً: «كدة لا البيت هيقع ولا هينهار عليهم، والكل هيستفيد، سواء الدولة أو صاحب البيت، وده الحل الأنسب لأزمة التنقيب».
ويرى مساعد الوزير أن توعية المواطنين إعلامياً مهمة للغاية لمكافحة التنقيب، إضافة إلى إقامة ندوات بالمناطق الأثرية، وأنه يجب أيضاً الانتباه إلى الأراضى التابعة للآثار الخالية والمُعين عليها الخفر، وإحاطتها بسلك شائك، لأن هؤلاء لا يذهبون إليها وتترك خالية»، موضحاً أن «تركيز المباحث المختصة على تُجار الآثار مهم لأنهم حلقة الوصل، ولو ركزنا عليهم هنقطع الطريق على التهريب».
اقرأ أيضًا:
عضو "الجمعية التاريخية": عمليات "التنقيب" خارج السيطرة.. و"التوعية" و"كهربة الآثار" هي الحل
أستاذ قانون: تعديلات مواد "حماية الآثار" تستهدف سد الثغرات وتأمين الممتلكات العامة