القصة الكاملة لقضية "تهريب الآثار الكبرى".. كيف خرجت 22 ألف قطعة من الكنوز وعادت؟
مفاتيح سقوط "بطرس غالي" والقنصل الإيطالي: "أجندة" وواتساب وخادمة
آثار مصرية
اشتهرت قضية تهريب الآثار، التي عوقب فيها الممثل بطرس رؤوف غالي والقنصل الإيطالي السابق في الأقصر أوتكر سكاكال، بـ"قضية تهريب الآثار الكبرى"، حيث تعد أكبر قضية تهريب آثار خلال العقود الأخيرة، نظرا لكثرة عدد القطع المهربة، والزخم الإعلامي الذي حظيت به منذ اكتشاف عملية التهريب في ميناء ساليرنو بإيطاليا، حتى الحكم بسجن المتهمين فيها، مرورا بعودة القطع الأثرية المهربة كاملة إلى مصر بالتنسيق مع السلطات الإيطالية بعد التأكد من تهريبها بطريقة غير شرعية.
التحقيقات في القضية كشفت جوانب مهمة من طريقة تهريب القطع الأثرية التي تنتمي لعدة عصور من الحضارات المصرية المتعاقبة، لكن ظلت الطريقة التي هُرب بها هذا العدد الكبير من القطع الأثرية دفعة واحدة موضع تساؤلات، على الرغم من الكشف عن عنوان عام لعملية التهريب يتعلق بأنها وضعت داخل حاوية دبلوماسية من ميناء الإسكندرية إلى ميناء ساليرنو في إيطاليا قبل أن تكتشف هناك.
من خلال التحقيقات ومصادر ذات صلة بالقضية منذ بدء التحقيق فيها، تبين أن عملية التهريب لهذا العدد الكبير من القطع الأثرية بها تفاصيل معقدة وكثيرة جدا نفذها المتهمون حتى تنقل القطع الأثرية في هدوء دون أن يعرف أحد، بالإضافة لتفاصيل إجراءات اتخذوها حتى لا يتعرف أحد على هويتهم في حالة اكتشاف ما بداخل الحاوية التي بها الطرود المهربة.
بعد اكتشاف الآثار المصرية في إيطاليا وإخطار السلطات المصرية ممثلة في وزارة الخارجية والنيابة العامة، تبين أن الطرود التي وضعت بها الآثار كانت 22 طردا مرقمة من 1 إلى 22 داخل حاوية دبلوماسية بها طرودا أخرى، لكن الطرود التي بها الآثار مسجلة باسم شخص يدعى ماسيمليانو سبونفيل، وهو موظف سابق كان يعمل بالسفارة الإيطالية بالقاهرة، لكن فور اكتشاف عملية التهريب توجه ماسيمليانو إلى السلطات في بلاده وأقر بأنه لا علاقة له بتلك الطرود ولم يشحنها من القاهرة أساسا وأنه لم يعد يعمل في القاهرة.
أعيدت الآثار المصرية المهربة، وأجرت النيابة المصرية تحقيقات موسعة لكشف ما حدث، بدأت من شركة الشحن التي شحنت تلك الطرود باسم ماسيمليانو، فتبين أن مسؤولا بالشركة يدعى مدحت ميشيل هو من أنهى إجراءات الشحن من ميناء الإسكندرية باسم شركته، فأصدرت النيابة قرارا بضبطه وإحضاره وتفتيش منزله، وعثرت في المنزل على عددا من القطع الأثرية والمتعلقات الخاصة بالملك فاروق، وتحفظت عليها وعلى جهاز اللاب توب الخاص به، ووجدت مراسلات بينه وبين شركة الشحن الإيطالية تفيد طلبه تسليم الطرود من 1 إلى 22 في الحاوية التي عثر بداخلها على الآثار المصرية إلى شخص يدعى أوتكر سكاكال، هو قنصل إيطاليا الفخري السابق في القاهرة وليس ماسيمليانو الذي شُحنت تلك الطرود باسمه، فأصدرت النيابة قرارا بضبط "سكاكال" وتفتيش منزله.
توجه فريق التحقيق إلى منزل القنصل السابق بمنطقة الزمالك لتفتيشه فوجد عددا من القطع الأثرية النادرة وتحفظ عليها وأرسلها لوزارة الآثار واستجوب المحققون خادمته، فقالت إنها لا تعلم شيئا عن تلك الآثار، وبمناقشتها عن معارفه وأصدقاؤه قالت إن الممثل المعروف بطرس رؤوف غالي، شقيق وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، صديقه المقرب، وأضافت أنه في إحدى المرات كان "سكاكال" في إيطاليا واتصل بها هاتفيا وطلب منها تنظيف الشقة وترتيبها لأن صديقه بطرس غالي وآخرون سيحضرون إلى الشقة لمشاهدة بعض التحف الموجودة بها.
القبض على بطرس غالي.. ورقم موبايل يقود لسقوط المتورط الأخير
أمرت النيابة بالقبض على "رؤوف غالي" وأمرت بتفتيش منزله وقررت التحفظ على أمواله وممتلكاته هو و"سكاكال" ومدحت ميشيل داخل مصر، مع الكشف عن حساباتهم في البنوك، وتفتيش شقة أخرى مملوكة للقنصل السابق في منطقة قصر النيل، عُثر بداخلها أيضا على قطع أثرية، وأخرطت النيابة من الجهات المصرفية بأن القنصل السابق له خزينة مستأجرة في أحد البنوك الشهيرة ومنذ استئجارها كان لبطرس غالي حق التعامل عليها وفتحها ووضع أو أخذ أشياء منها فتوجه فريق من المحققين إلى تلك الخزينة وفتحوها ووجدوها بداخلها آثارا أخرى تحفظوا عيها.
أثناء معاينة النيابة للقطع الأثرية المهربة لإيطاليا وجدت ورقة مطوية في إحدى القطع بها رقم هاتف يتبع شركة هواتف محمولة في مصر، وعندما عاد المحقق للقاهرة استعلم رسميا عن الرقم، فوجده مسجل باسم شخص يدعى أحمد مجدي من منطقة الأقصر، يعمل فرد أمن على إحدى المراكب فألقت النيابة القبض عليه وفتشت منزله فوجدت به آثار فرعونية، وبتتبع رقم هاتفه تبين وجود علاقة بينه وبين القنصل الإيطالي السابق.
أمرت النيابة بحبس المتهمين الذين توصلت لعلاقتهم بتهريب الآثار جميعا وهم بطرس رؤوف غالي، والقنصل الإيطالي السابق ومدحت شفيق مسؤول شركة الشحن وأحمد مجدي الذي تبين أنه منقب عن الآثار.
"أجندة" ورسائل واتساب تكشف التعاملات المالية
ووفقا لتصور النيابة، فإن أحمد مجدي كانت مهمته البحث عن آثار ثم إخطار سكاكال الذي يبلغ بطرس غالي ويدفع ثمن القطع الأثرية ويجري نقلها للقاهرة، ويسهل مدحت ميشيل مسؤول شركة الشحن إخراجها من مصر بتسجيلها بأسماء لا تعرف عنها شيئا ثم يتسلمها سكاكال في إيطاليا بعد إخطار "ميشيل" لشركة التفريغ هناك بأن من سيتسلمها هو القنصل الإيطالي السابق ثم يبيعونها لتجار الآثار في إيطاليا وأوروبا.
عندما أجرت النيابة تفتيشا لمنزل "رؤوف غالي" وفتشته، وجدت في مكتبته "أجنده" في أحد أوراقها مدون اسم أوتكر سكاكال، وبتلك الوررقة مكتوب أرقام مبالغ مالية بعملات أجنبية وعندما تحفظ النيابة على هاتف بطرس غالي المحمول وجدت رسائل عبر تطبيق واتس اب بينهما يبلغه فيها ببعض المعلومات عن مداهمة السلطات الإيطالية لشقته والعثور على القطع الأثرية التي بها وبالكشف عن حساباتهما البنكية تبين وجود تعاملات مالية وتحويلات بينهما بمئات الآلاف من العملات الأجنبية في فترات زمنية مختلفة.
تقرير خبراء الآثار: القطع مسروقة من عمليات حفر في مواقع وتمثل قيمة تاريخية
خبراء الآثار وخبراء العملات، الذين طلبت النيابة منهم تقريرا مفصلا عن القطع الأثرية المضبوطة سواء التي ضبطت في إيطاليا أو التي عثر عليها في منازل المتهمين، قدموا تقاريرا للنيابة بشأن نتائج فحص الآثار المضبوطة أشاروا فيها إلى أنها تضم مئات القطع النادرة المسروقة من القصور العلوية والمواقع الأثرية، وبعضها مسروق بعد عمليات حفر في مواقع أثرية وبعضها يضم قطعا من الياقوت والألماس والزمرد والمرجان الذي يمثل قيمة تاريخية وحضارية كبيرة إضافة إلى قيمته المادية.
أنهت النيابة تحقيقاتها وأرسلت ملف القضية إلى محكمة الجنايات بالقاهرة التي قضت بمعاقبة المتهمين بالسجن وألزمتهم بدفع مبالغ مالية كبيرة بموجب الاتهامات المنسوبة لهم مسدلة الستار على واحدة من أكبر قضايا تهريب الآثار المصرية خلال العقود الماضية.