محمد فاضل: ماسبيرو "رمانة الميزان" بقطاعاته المختلفة
محمد فاضل
في الذكرى الـ60 لافتتاح ماسبيرو، يزال التلفزيون الوسيلة الأهم لإيصال الرسائل السياسية والفنية والاجتماعية للجمهور، ذلك المبنى الذي شهدت جدرانه عراقة الزمن الجميل بأعماله الدرامية وخطاباته السياسية وبرامجه المتنوعة، وتناوب عليه كبار مخرجي التلفزيون، وكان المخرج محمد فاضل من أهم مخرجي الأعمال الدرامية لـ"ماسبيرو"، فلقد أخرج نحو 20 مسلسلاً منذ بداية نشأته حتى عام 2011، كان لكل منهم أثر بنفوس المشاهدين.
وكان لجريدة "الوطن"، حوارا خاصا مع مخرج الدراما ليكشف من خلاله عن معايير ميثاق شرف محتوى الخاص بـ"ماسبيرو"، والتسهيلات التي كان يقدمها لأبناءه في ذلك الوقت، ومنافسة القطاع الخاص له، فضلاً عن طموحاته للمبني خلال الفترة المقبلة.
- حديثنا في البداية عن كيفية التحاقك بمبنى ماسبيرو، بعد مرور 60 عاما على إنشاءه؟
يجب أن ننوه أن حجر الأساس لماسبيرو وضع عام 1958، وتم افتتاحه رسمياً في 21 يوليو 1960، وقتها بدأ الأمر بعدما رسالني المخرج نور الدمرداش عام 1962 تليغرافاً للحضور إلى القاهرة لخوض امتحان مسرح التليفزيون، وبالفعل اجتزت الاختبار، وعملت مساعداً رئيسياً مع "نور"، إلى جانب عملي بالقطعة في التليفزيون، وأخرجت بعدها عدد كبير من المسلسلات ما يصل إلى أكثر من 20 عملاً دراميا.
- هل كان هناك ميثاق يسير عليه "ماسبيرو"؟
منذ بداياته وضع ماسبيرو ميثاق شرف لكل مايقدم من خلاله، فهو أنشئ من أجل رسالة محددة، وكان لابد من أن يكون له قيم وأسس خاصة، ويجب في الوقت الحالي ألا ينجذب ماسبيرو تجاه القنوات التجارية الخاصة، ويجب أن يظل كما هو معبراً عن التليفزيون القومي للوطن، فهناك اعتراف رسمي أن ماسبيرو هو التلفزيون القومي للدولة المصرية، ويجب أن يعامل على هذا الأساس ونبعد عن الجانب التجاري.
- وماهي معايير ميثاق الشرف، وهل التزم بها كل من عمل بـ"ماسبيرو"؟
ماسبيرو يعُتبر "رمانة الميزان" بقطاعاته المختلفة، بجانب تواجد القطاع الخاص الرشيد الذي كان يعلم جيداً أن هناك مسؤولية، فكان لا ينجذب لـ"شهوة" الإعلانات من أجل التضحية بالقيم، وكان من أهم معايير ميثاق الشرف الاهتمام بالمحتوى من أجل خدمة المجتمع، وإعلاء قيمة الانتماء لمصر والدفاع عنها، ورفض كل ماهو غير هام وعدم وجود أي مواد تسيء لتقاليد المجتمع، أما بالنسبة لمحتوى المسلسلات فكان لابد أن تكون البطولة انتصار للخير فقط، وكان الجميع ملتزم بذلك، والمخرج مسؤول بشكل كامل على العمل ويتحمل كل ماينتج عنه.
- هل كانت لك الصلاحيات بإخراج المسلسلات بالمدة التي تحددها؟
كان الأمر يدار فى التليفزيون بشكل مختلف، بمعنى إخراج عمل فني لا تزيد مدته على نصف ساعة، ثم يزداد تدريجياً بحسب كفاءة المنتج الفني.
- هل ترى أن ماسبيرو استطاع أن ينتج أعمال لن تُكرر مرة أخرى؟
ماسبيرو كان له دور في إنتاج أكبر وأهم الأعمال الفنية، منها "رأفت الهجان" و"ليالي الحلمية"، وبشأن أعمالي فقدمت في ماسبيرو عدة مسلسلات منها، "أبو العلا البشري" و"أبنائي الأعزاء شكراً" و"أخو البنات"، "مازال النيل يجري"، وأخر أعمالي به "السائرون نياما"، وقدمت مع صوت القاهرة "الشارع الجديد" و"سنوات الحب والملح" و"القاهرة والناس" فهو يعتبر أهم عمل قدمته في بداية مشواري الفني، خاصة أنه لم يكن مسموحاً لأي مخرج في ذلك الوقت التصدي لمسلسل أسبوعي، واقتصر الأمر على 5 مخرجين فقط، ولكن بعد عدة محاولات قمت بإخراج حلقات امتدت لنصف ساعة ثم زادت إلى ساعة.
إخراج العمل الفني بالتلفزيون كانت لا تزيد مدته على نصف ساعة.. ثم يزداد تدريجياً
- هل استطاعت بشكل محايد كمخرج دمج الحالة السياسية التي تمر بها البلاد خلال أعمالك بماسبيرو؟
بالفعل، فماسبيرو كان صوت الشارع بكل معاناته، فأننا بعد تقديم مسلسل "القاهرة والناس" شكلنا مجلس تحرير له وكنا نتفق على رؤوس الموضوعات كل أسبوعين حتى وقعت نكسة يونيو 1967، فحاولنا تغيير منهجنا، وأدخلنا أسباب الهزيمة ضمن أحداث المسلسل تماشياً مع واقع مصر فى ذلك الوقت، وساعدنا في نجاح المسلسل ظهور الوجوه الجديدة التى شاركت الممثلين القدامى، ويعتبر ذلك نهجاً جديداً فى الدراما حينها، إضافة إلى أنني استطعت إظهار قدرات ومهارات تمثيلية جديدة للأبطال، وهذا صنع لى علاقة مباشرة مع الجمهور، والمسلسل كان بمثابة دراما اجتماعية تقدم مجموعة من النجوم بشكل مختلف.
- ولكن فيلم "ناصر 56" تم تصويره بـ"الأبيض والأسود"، هل كان ذلك بناء علي قرارك أم تدخلات من إدارة ماسبيرو ؟
فيلم "ناصر 56" من إنتاج ماسبيرو ولم يكن من المتوقع أن يتم تصويره أبيض وأسود، ولكنني أصررت على أن يكون كذلك، رغم أن ممدوح الليثي اندهش وقت، ورفض الأمر، ولم يتدخل الكاتب محفوظ عبدالرحمن أو الفنان أحمد زكي في الأمر، وصممت على قراري، ومنعت التصوير الصحفي، وأحضرت مواد خام من الخارج حتى خرج العمل بهذه الصورة.
ماسبيرو كان ينُتج أعمال تفوق جودة القطاع الخاص
- هل كان ماسبيرو منافساً قوياً للقطاع الخاص آنذاك ؟
ماسبيرو كان ينُتج أعمال لا تنافس القطاع الخاص بل تفوقه في جودته ومحتواه، وتلك المنافسة كانت تؤدي إلي سعي منتجي ومخرجي أعمال القطاع الخاص إلى عرض أعمالهم في ماسبيرو، حتي وإن كانت أعمالهم عرُضت بالخارج، فكان "ماسبيرو" بالنسبة لهم شهادة الجودة والنجاح لأعمالهم، لذا كان القطاع الخاص يلتزم بميثاق الشرف الخاص بـ"ماسبيرو" لكي يعرضوا أعمالهم خلال شاشته.
- هل كان "ماسبيرو" يقدم كل التسهيلات التي يحتاجها العمل الفني وقت إنتاجه؟
بالفعل، كانت كل التسهيلات متاحة بالنسبة لنا، فأنني أذكر العمل الأخير بماسبيرو "السائرون نياما" كان المهندس أسامة الشيخ رئيس الإتحاد في ذلك الوقت، سهل لنا تصوير أحداث المسلسل بأكمله في سوريا بكل إمكانياته وديكوراته والمعارك والملابس، بالإضافة إلي مسلسل "الشارع الجديد"، فهو كان من إنتاج صوت القاهرة وتم تصويره في ديكور حي الإسكندرية الذي تم بناءه باستديو مصر، ومسلسل "أخو البنات" كان أول عمل يصور فى أمريكا.
ينقص ماسبيرو تسويق ما يملكه من كنوز
- ماهي رسالتك في ذكري إنشاءه الـ"60"؟
سيظل "ماسبيرو "حاملاً للقيم والمبادئ، ولكن نحن نحتاج إلي جهاز تخطيط استراتيجي للإعلام المصري، ونحتاج إلي إعادة النظر في تنظيم الإعلام، حتي يعود إلى رونقه مرة أخرى، مع احترامي الشخصي لكل المديرين الحاليين بماسبيرو، ولكن الأمر يحتاج إلي وجود لجنة من المتخصصين تنظر إلي حال ماسبيرو وتحاول من تطويره مرة أخرى، واعتقد أن ديون ماسبيرو ليست ضخمة ولكن ينقصه تسويق ما يملكه من كنوز، وتحصيل ديونه عند الآخرين من وزارات، فذلك المبني لديه كنوز درامية، وكنوز سياسية، بالإضافة إلي المباريات الرياضية، والأعمال الموسيقية بكل تراث أم كلثوم وحفلاتها المسُجلة، الذي يمكن استغلاله ليكون عائد مادي قوي له.