"محمود" طالب دمج بالثانوية حصل على 97% فالتحق بـ"تجارة".. والتعليم العالي ترد
الطالب محمود
عينيه هي ذاكرته، وأذنيه لسان إجابته، ظل لعامين يعتمد عليهم كليا، يقرأ جميع الكتب التعليمية ويستمع لشرح معلميه وما تنقله له والدته التي خضعت للدروس بدلا منه لعدم قدرته على الحركة والخوف من انتقال فيروس كورونا له، ليبذل قصارى جهده بالثانوية العامة، من أجل تحقيق حلمه في الالتحاق بكلية الإعلام، لينشر تجربة تحديه للمرض ويكون يد عون لغيره، قبل أن يصطدم بعقبة عرقلت كل جهوده.
محمود عرفة.. طالب بالثانوية العامة لهذا العام في الشعبة الأدبية، درس بجد واجتهاد حتى تمكن من الحصول على مجموع مرتفع، وهو 97%، ليظن أنه أخيرا سيحقق حلمه الذي عمل لأجله لأعوام وهو الالتحاق بكلية الإعلام، ليتفاجئ بأنه لا يوجد أمامه سوى خيارين لا ثالث لهم، وهم كليتي "الآداب" أو "التجارة"، كونه "طالب دمج".
ولد "محمود" قبل حوالي 18 عاما، يعاني من نقص الأكسجين ليتم وضعه في حضانة، لقي فيها إهمال طبي سبب له شلل بالدماغ وعدم القدرة على السير أو حركة اليد اليمنى، لتسخر له والدته هبة محمد خيرت، خريجة كلية التجارة، وشقيقته الكبرى آية، وقتهم بالكامل، ليعيش حياته بطريقة عادية.
حقق بالفعل الطالب نجاحات خلال الدراسة، حيث كان بين الطلاب بالمدارس العادية، قبل أن ينتقل إلى الدمج بالمرحلة الإعدادية، بسبب نصيحة بعض المعارف لوالدته من أجل تخفيف المناهج عليه، ويحصل بالصف الثالث الإعدادي على مجموع 92%، حيث لمست "هبة" لديه ذكاء وقدرة سريعة على التعلم وحب الرياضة، حتى بات سباحا ماهرا.
"محمود" متفوق منذ الصغر ويحلم بكلية الإعلام لطرح قضيته ومساعدة غيره
"من وهو صغير نفسي يدخل كلية إعلام علشان يوصل صوته وتجربته هو وصحابه للكل ويقدر يساعد غيره من الأجيال التانية".. ترعرع ذلك الحلم داخل نفس "محمود" يوما بعد يوم، مع انتقاله للمرحلة الثانوية، على حد قول والدته، لذلك درس بجد واجتهاد وتحدى صعوبات ذلك الأمر، وساعدته والدته بشدة، حيث كانت "روحت الدروس بداله وكنت بجبله كل الكتب وأسجله الحصص وأتابع مع المدرسين وانقله كل ده وأذاكر معاه ليل نهار".
عامين من الصعوبة، قضتهم "هبة" مع نجلها الأصغر "محمود"، خاصة أن شقيقته الكبرى "آية" التحقت بكلية الهندسة في ماليزيا، وصفتهم الأم بـ"اتمرمطنا فيهم جدا"، زادت صعوبتهم مع انتشار جائحة كورونا، لتزيد الأعباء على عاتقها لكنها لم تكل أو تمل، ودعمته بكل السبل، حتى وصلت للمرحلة الأخيرة بالامتحانات، فرافقته بكل منهم وحرصت على اتباع كافة الإجراءات الاحترازية له.
97%، كانت النتيجة التي حصل عليها "محمود"، والتي أدخلت بهجة وسعادة كبيرة للغاية على أفراد أسرته الصغيرة، واعتقدوا أنه سيحقق حلمه بالفعل، ليسارعون إلى التقدم بأوراقه لكلية الإعلام والخضوع لاختبارات القبول، ليتفاجئوا بأولى الصدمات وهي أن "الكلية لا تستقبل طلاب الدمج" وتتلقى الأم رد "متتعبيش نفسك كتير"، وأن حالته الصحية تفرض عليه الانضمام لكليتي الآداب أو التجارة فقط، لتنهار على تلك الصخرة آمال الطالب الثانوي وأسرته.
عند فتح باب تسجيل التنسيق للمرحلة الأولى، حرص محمود ووالدته على كتابة الرغبة الأولى أن تكون "كلية الاقتصاد والعلوم السياسية"، بينما لم تتاح لهم كلية الإعلام لاشتراط الاستمارة النجاح باختبارات القدرات لاختيارها، بينما لم تتوافر لهم أيضا كلية الألسن لاشتراط وجود لغة أجنبية ثانية وهو ما لم يدرسه الطالب الثانوي بالدمج لتخفيفها عنه ضمن الدراسة، وفقا لقول والدته.
حالة ضخمة من الاكتئاب دخل فيها طالب الدمج ورفض الاختلاط مع الآخرين أو الحديث وفقد شهيته وفضل الوحدة، وهو ما دفع والدته للبحث من جديد عن طريقة لتحقيق حلمه، فتبحث عن منح تعليمية بإحدى الجامعات الخاصة لتظهر بشرى جديدة لها ما لبث أن انقشعت بعد رفض الجامعة، لتعيد الكرة مع كلية أخرى كبرى تتفاجأ فيها بفاظة مسيئة.
موظفة بكلية تجارة تتنمر على "محمود".. والأم: ابني قالي وفري فلوس تعليمي علشان علاجي
قادت الظروف والدة "محمود" من جديد نحو كلية التجارة بجامعة عين شمس، لتحاول أن تحفظ لنجلها مكانة بالجامعة الحكومية، لتتعرض لكم كبير من التنمر والإساءة من إحدى الموظفات العاملات بمكتب شئون ذوي الإعاقة: "كنت بحكيلها مشكلة ابني، اتفاجأت بردها أنها بتقولي أنتي هتقارني ابنك التعبان ده ببتني اللي شقيت وتعبت طول السنة"، لتكون تلك واحدة من المحطات المؤذية من التنمر والإساءة التي يتعرض لها الطالب وأسرته كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة.
حالة سيئة من الألم باتت تسيطر على الأم ونجلها، خاصة لخوفها من التحاقه بكلية التجارة في جامعة القاهرة وجود ذلك التعامل المسيئ والتنمر من قبل العاملين فيها "يعني هسيب ابني ازاي هناك مع التعامل ده"، لتحاول البحث عن منح أخرى بالكليات له، قائلة: "فكرت أدخله كلية خاصة بس مش هقدر ماديا، لدرجة أنه قالي وفري فلوس الكلية واصرفي على علاجي"، لذلك وجهت والدة محمود إغاثة عاجلة لحل مشكلة نجلها وغيره من طلاب الدمج.
التعليم العالي: طلاب الدمج غير محددين بكليتي التجارة والآداب
فيما نفى الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي، تحديد كليات معينة فقط لطلاب الدمج، حيث إن التنسيق الإلكتروني يتاح للجميع دون تحديد فئة للطالب، كما أن الكشف الطبي يجري بعد تلك الخطوة للالتحاق بالكلية المختارة وفقا للتنسيق.
وأضاف عبدالغفار، لـ"الوطن"، أن كلية الإعلام تستقبل طلاب الدمج، ولكنها تشترط النجاح في اختبارات القبول بها أولا، موضحا أن الوزارة أتاحت باب التظلمات سابقا، مشددا على أن التعليم العالي تضمن لكل طالب حقه في الالتحاق بالكليات المنشودة في حال كان مجموعه يسمح له بذلك، وأنه لا يتم التفريق بين الطلاب على الإطلاق بسبب حالتهم المرضية.