والد الشهيد عمرو: كان هو عكازي في الدنيا.. وهدية ربنا رجعتله تاني
والد الشهيد: كنت فاكر أنه هو اللي هيدفني مش أنا
والد الشهيد
على درجات عقاره، جلس بهدوء شديد كالذي يغلب على منطقته المتواجد بها الحي السويسري بمدينة نصر، لا يقطعه سوى أصوات أنفاسه المتسارعة التي يحاول بها كبت دموعه المتأججة داخله متفوقة على ألم السرطان، بينما ينظر للشارع بأعين مترقبة حزينة تأمل عودة نجله من عمله كعادته، ولكنها بعد استشهاده باتت أمرا مستحيلا.
قبل ساعات قليلة، كان العقيد عمرو عبدالمنعم، يؤدي عمله في سجن طرة برفقة عدد من رجال الأمن، ليتفاجأ بمحاولة 4 إرهابيين تابعين لتنظيم "داعش" المحكوم عليهم بالإعدام، الفرار من السجن، ليتصدى لهم مع أصدقائه بجسارة، ليودعون الحياة أثناء أداء الواجب، ليترك خلفه العقيد الشهيد طفلتين في عقدهم الأول من العمر، وأسرة بسيطة كانت تعتمد عليه في المقام الأول.
"كان عكازي وأيدي ورجلي، هو أول فرحتي وأكبر حزني"... بصوت متهدج وحلق جاف من شدة الإعياء عقب دفنه لجسد نجله الأكبر الشهيد العقيد عمرو عبدالمنعم، بمقابر الأسرة في مدينة نصر، يتحدث والده عبدالمنعم إبراهيم خليل، الذي شهد اليوم أسوء كوابيسه "كنت فاكر أنه هو اللي هيدفني مش أنا"، محاولا كتم دموعه، التي لم يتمكن من حبسها حتى جعلته غير قادرة على الحركة أو صعود منزله، ليجلس على كرسي بإحدى درجات عقاره، بعدما جاورت خطوط الحزن بجانب كبر السن على وجهه السبعيني.
رغم صعوبة الفراق والدموع التي لم تجف على وجهه، يحاول الأب المكلوم احتضان علم مصر بقوة، ليجد فيه التماسك والثبات بعد استشهاد نجله، الذي كرس حياته بين الإخلاص في العمل وممارسة الرياضة والاهتمام بأسرته وشقيقه "كان أي حد يحصله حاجة يبقى في ثانية عنده"، بجانب نجلتيه حتى بعد انفصاله عن زوجته منذ أعوام، ما ولد حب كبير له بين أهله وأصدقائه والعساكر معه بالسجون طوال 23 عاما من مدة خدمته، ليتأكد منه والده خلال مراسم الجنازة.
حب الأب لنجله الأكبر، ليس فقط لطيبته وجديته ولكن أيضا لكونه حقق حلمه السابق في الالتحاق بكلية الشرطة، حيث لم يتمكن الوالد من الانضمام لها مسبقا بسبب إصابته بعمى الألوان، لينضم لها بعد عدة أعوام، ويؤدي عمله بحب بالغ ويصبح "الواصي على العائلة".
المكالمة الأخيرة بين الأب ونجله الراحل كانت قبل يومين للاتفاق معه بشأن على موعد نقله إلى مستشفى الأورام للتحضير لجلسة الكيماوي، والتي اختلفت كثير عن المكالمة التي تلقاها قبل ساعات بشأن استشهاده، خلال اتصال أحد أصدقاء الشهيد بوالدته ويخبره بإصابة "عمرو" قبل الإفصاح عن وفاته، قائلا: "هو هدية من ربنا جابهالنا وخدها مننا دلوقتي.. ربنا يقوينا ويصبرنا على فراقه".