"ناصر لسة عايش".. شهود الجنازة في الذكرى الـ50: حسينا إننا يتامى
جمال عبدالناصر
«أبا خالدٍ/
يا قصيدة شعرٍ تُقالُ؛ فيخضرٌّ منها المدادْ/
إلى أين؟/
يا فارس الحلم تمض/
وما الشوط.. حين يموت الجوادْ؟/
إلى أين؟/
وكل الأساطير ماتتْ بموتك»..
رثاء الوطن العربى على لسان شاعره، شاعر الأرض والحب، نزار قبانى، بعد يومٍ أسود لمصر وللعروبة قبل 50 عاماً، غادر فيه الزعيم، طويلا كنخل الصعيد، قوياً مثل السد العالى، باهياً مثل سطوع الشمس فى الكفور والنجوع، صاخباً كضجيج ماكينات الغزل والنسيج فى المصانع، حارقاً كنار الحديد والصلب، صادقاً ككل فلاح، مخلصاً ككل عامل، واصلاً بين ماضٍ ومستقبل، هبة جاء للمصريين كالنيل، حاراً كصيف مصر، جاء وذهب على عجل، كحلم استغرق عقدين إلا قليلاً، حلم لا يزال المصريون يذكرونه كل عام فى ذكرى الميلاد والممات والثورة التى أنهت احتلالاً وألغت ملكية وأسست لحكم المصرى للمصرى بعد عقود طويلة من حكم الغرباء.
جمال عبدالناصر، حلم أمة تجسد فى شخص، الحلم كان جميلاً، لكن «مشهد النهاية» جاء حزيناً للغاية، ما زال المصريون يتذكرونه، رحل جمال دون سابق إنذار، رحل ككابوس مفزع لشعب خرج كبيره وصغيره إلى شوارع مصر كما لم يخرج فى وداع من قبل. «الوطن» فى الذكرى الخمسين لوفاة «ناصر» تسترجع بعض مشاهد هذا اليوم الحزين على لسان بعض من حضروه أطفالاً أو شباباً وما زالوا يحملون فى ذاكرتهم الكثير عنه.
شهود الجنازة: حسّينا باليُتم بعد وفاته.. ومصر تحولت إلى سرادق عزاء كبير
خمسون عاماً مرت على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر لكنه ما زال حاضراً فى وجدان الشعب المصرى، ويراه الكثيرون أنه كان نصيراً للغلابة والفقراء، وأعاد الاتزان الاجتماعى من جديد بعد حقبة طويلة من الظلم والقهر الذى تعرضوا له على يد الملكية والاستعمار.
"الأعصر": سيظل محفوراً فى قلوبنا
وقال العمدة محمد الأعصر، 68 عاماً، إن جمال عبدالناصر أوجد العدالة بين المواطنين وساهم فى بناء أجيال مثقفة، وأتاح التعليم مجاناً من خلال إدخال التلاميذ للمدارس ومن خلاله ترقوا اجتماعياً ومادياً، واستطاع تحرير مصر من الاحتلال وساهم فى تحرير العديد من الدول المجاورة، لذلك استحق جمال عبدالناصر لقب «ناصر الغلابة». ونوه الأعصر بأن عبدالناصر استطاع تحويل الحكم الملكى إلى جمهورى، ونشر الأمن والأمان فى مصر، مشيراً إلى أنه ما زال محتفظاً بصورة الزعيم معلقة داخل منزله. وأضاف: «ناس كتير بتنتقد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وده يدل على الجهل، لأنه هو اللى بنى السد العالى لإدخال الكهرباء مدن وقرى مصر اللى ما كانش فيها إنارة، وأنشأ المصانع الحربية، وسيظل محفوراً فى قلوبنا، ورمزاً للقوة والعدل». وأوضح «الأعصر» أنه بعد مرور أقل من ساعة على إعلان خبر وفاة الزعيم، خرج أهالى قرية الحجناية فى الشوارع حزناً على فراق عبدالناصر، وقرر بعضهم إقامة عزاء له داخل القرية لحبهم له، إلا أنه قرر السفر لحضور الجنازة وتوديع الجثمان بنفسه، واستقل قطار القاهرة الذى كان ممتلئاً بالمواطنين، ، متابعاً: «القطر كان زحمة وما كانش فيه مكان نتنفس منه، تقريباً القطر بالكامل كان رايح يعزى والكل كان حزين وقتها، لأن عبدالناصر كان حاسس بالغلابة».
"الشرقاوى": مات لكنه ما زال فى القلب
«عبدالناصر مات لكنه ما زال فى القلب»، بهذه الكلمات بدأ محمد الشرقاوى، 70 عاماً، حديثه لأنه ما زال يتذكر تفاصيل يوم الوداع المفزع على حد تعبيره، وكأنه أمس، لأنه فوجئ أثناء استماعه للراديو بعدما انتهى من أداء صلاة العشاء، ببيان للرئيس السادات ينعى للأمة المصرية والعربية الرئيس «عبدالناصر»، قائلاً بصوت حزين: «فقدت الجمهورية العربية المتحدة وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية كلها رجلاً من أغلى الرجال، وأشجع الرجال وأخلص الرجال، هو الرئيس جمال عبدالناصر»، فوقع الخبر المرعب كالصاعقة، مضيفاً: «كنت مصدوم وما كنتش مصدق، لدرجة إنى بكيت على الزعيم لأنه كان أكتر حد حاسس بالغلابة، وكأنه واحد مننا وما كانش فيه فرق عنده بين غنى وفقير، ده خلى عندنا كل حاجة من تعليم وأكل وفرص عمل، إحنا كنا بنحبه وشايفينه زعيم وقائد لينا»، وقال إن الحياة توقفت تماماً فى هذا اليوم، فأغلقت المصانع والمحال التجارية والمدارس أبوابها لمدة 3 أيام حداداً على روحه، وعلقت المنازل والميادين اللافتة السوداء، وأذاعت المساجد القرآن الكريم بمكبرات الصوت حزناً على رحيل عبدالناصر، وتابع: «الناس كانت بتبكى بالدموع على وفاته لأنه كان مهتم بقضايا الشعب المصرى، ولما كنا بنمر بفترات صعبة كان بيطلع فى خطابات يشرح الوضع، فالكل كان فى حالة حزن حباً فيه ودايماً كان بيحاول يرضى الشعب، ولذلك يوم وفاته الكل أعلن وبدون اتفاق مسبق حالة الحداد، لأنهم كانوا شايفين إنهم هيكونوا يتامى من بعده»، مؤكداً أن أغلب الشعب المصرى وقتها قضى ليلتين فى الشارع دون نوم بكاء وحزناً على الزعيم.
"دولت": بدعيله وهفضل فاكراه.. وكان يؤمن بالمرأة المصرية
لم يقتصر حب الزعيم الراحل على الرجال فقط، بل تعلقت به الكثير من السيدات رئيساً وزعيماً للبلاد، وقالت دولت الطنيخى، 82 عاماً، إن الزعيم كان يؤمن بالمرأة المصرية ويعتبرها من الركائز الأساسية فى تنمية مصر، مؤكدة أن الزعيم كان يؤمن بالمرأة فى المشاركة فى الحياة السياسية، ولذلك كان فى عهد الزعيم الراحل لأول مرة من حق المرأة الترشح فى المجالس النيابية، وكانت أول وزيرة فى التاريخ المصرى الحديث.
وأضافت أنه قبل عهد الزعيم كانت المرأة المصرية ممنوعة من دخول جامعة الأزهر، وهذا وفقاً لقانون الأزهر الشريف، ولكن الزعيم الراحل أصر على تعديله، وبالفعل تم تعديل القانون ليسمح لها بالانضمام إلى جامعة الأزهر الشريف.