بكاء في الضريح واحتفالية في الأوبرا.. ذكرى مرور 50 عاما على رحيل ناصر
بشير الأسواني يبكي أمام ضريح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
لم تنقطع وفود الزائرين عن ضريح الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، رغم مرور نصف قرن على رحيله، عادة ما يتوافدون 3 مرات سنوياً فى 3 تواريخ مهمة، الأول 15 يناير ذكرى ميلاده، والثانى 23 يوليو قيام الثورة، والثالث 28 سبتمبر ذكرى رحيله، ليرفعوا أياديهم، داعين له بالرحمة والمغفرة.
ضريح ناصر يفتح أبوابه أمام الوافدين منذ الصباح الباكر، ولا يغلقها إلا بعد صلاة العصر، وهو وقت كافٍ يستوعب كل من يرغب فى زيارته، وفي العادة يكون أبناؤه أول الحاضرين، خالد الأكبر قبل أن يتوفى، وعبدالحكيم الأصغر الذى يواظب على الحضور دائماً، يقف على الباب الخارجى يستقبل الزائرين، ويشد على أياديهم، قبل أن ينصرفوا جميعاً، تاركين المكان يغرق فى صمت مهيب، يقطعه بعض الزائرين ممن اعتادوا التردّد على المكان.
شارع صاخب لا ينقطع عنه ضجيج السيارات، وبوابة خشبية تقود الوافدين من جميع البلدان العربية إلى الداخل، وأرضية رخامية تستقبل خطواتهم، وضريح حجرى يرتفع فى مواجهتهم، مزين بنقوش إسلامية وآيات قرآنية ولوحة رخامية تحمل عبارة تقول: رجل عاش لأمة واستشهد فى سبيلها، يتمدّد تحته جسد ناصر، يسلمون عليه، قبل أن يتحوّلوا عنه إلى ضريح آخر جواره، ترقد تحته زوجته الراحلة تحية كاظم، يقرأون لها الفاتحة، ثم يتوجهون لقاعة الزوار التى عادة ما تمتلئ عن آخرها بمريدى الزعيم، وتحوى مجموعة من صوره، وسجادة مطرّزة بماء الذهب، كتب عليها إهداء من الشعب الباكستانى، ليستريحوا قليلاً، قبل أن يولوا وجوههم شطر البوابة التى جاءوا منها لتنتهى الزيارة.
الضريح يقع داخل مسجد كوبرى القبة الخيرى -جمال عبدالناصر حالياً- فى الطابق الأرضى بمنطقة كوبرى القبة فى القاهرة، على بُعد أمتار قليلة من وزارة الدفاع وجامعة عين شمس، وعلى بُعد مسافة قصيرة من المنزل الذى كان يسكنه ناصر بمنطقة منشية البكرى، وينفصل الضريح عن المسجد انفصالاً تاماً، إذ ينفرد ببوابته الكبيرة التى تطل على شارع الخليفة المأمون، وتبعد عن بوابة المسجد التى تطل على المسافة الواقعة أسفل كوبرى السيارات الذى يصل ما بين شارع الفنجرى، وميدان حدائق القبة، فى حين يقع الضريح فى الطابق الأرضى، فإن المسجد يرتفع قليلاً ليحتفظ للأماكن المخصّصة للصلاة بخصوصيتها.
أرض هذا المسجد مهداة من الدولة لجمعية كوبرى القبة الخيرية بإيجار رمزى قدره جنيه واحد سنوياً، وبدأ الزعيم العمل فى هذا المسجد عام 1962، وأمر باستكمال المشروع على نفقة الدولة وأشرف على إعداده وتجهيزه على الطراز العربى الحديث فى عام 1965، وتكلف إنشاؤه أكثر من 300 ألف جنيه، وأدى فيه صلاة الجمعة عدة مرات قبل أن يواريه التراب فى المسجد نفسه.
«بشير» يقطع 800 كيلومتر من أسوان إلى القاهرة: أزوره حتى لو هابيع جلاليبى
ناصر الذى عاش بمقاييس الزمن حياة قصيرة، ومثلت سنوات حكمه فصلاً استثنائياً فى المشهد المصرى والتاريخ العربى كله، يتوافد على ضريحه زائرون من جميع البلدان لتهديه تعبيراً عن ولائهم واحترامهم له وتقديرهم لزعامته، مثلما يفعل بشير الأسوانى (65 عاماً)، الذى يقطع مسافة 800 كيلومتر من أسوان إلى القاهرة لزيارة الضريح، إذ يقول لـ«الوطن»: لا يهمنى الظروف أو عناء الطريق، المهم أزور الزعيم حتى لو هابيع جلاليبى، ده راجل عاش ومات علشان الغلابة اللى زينا.
أبورائد العقرباوى، مواطن فلسطينى (78 عاماً)، مقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية، لا ينقطع عن زيارة ضريح ناصر، إذ يقول: لا يمكن أن تفوتنى مناسبة للزعيم كى ألقى السلام على روحه الطاهرة، الذى يمثّل لنا كعرب رمزاً للعزة والكرامة وخسرنا كثيراً برحيله.
الاحتفاء بذكرى رحيل ناصر، لن يقصرها محبوه على زيارة ضريحه فقط، بل احتفلوا بها في دار الأوبرا المصرية، إذ يقول الدكتور مجدي زعبل إن الزعيم لا يحتاج تكريم من أحد فقد كرم نفسه بحب الناس له، وسيظل حياً بيننا بمشروعه القومى والوطنى الذى لا يزال قابلاً للانتصار على التحديات المستقبلية، واستطاع أن يبنى دولة انتصر فيها للطبقات الفقيرة من الفلاحين والعمال.
ويقول المفكر اللبناني أسعد السحمراني، إن عبدالناصر لم ولن يرحل بتأثيره ومساره القومي، ولا يوجد موقع في العالم إلا وتجد له أثر فيه، فهذا رجل صنع أمة وسيظل زعيم حاضر بيننا بمشروعه، وعلينا كعرب استعادة حلمه والتوحد في مواجهة كل التدخلات الأجنبية وحماية أمننا العربي.
النائب السيد فليفل، عضو مجلس النواب، يرى أن صورة جمال عبدالناصر الحاضرة في الأذهان العربية رغم مرور 50 عاما على رحيله هي المرجعية للانتماء القومي العربي، مؤكداً أن ناصر هو تحويل الحلم إلى واقع، فبنى مؤسسات الدولة وشيد المشروعات القومية التي لاتزال موجودة حتى الآن من جامعات ومدارس ومستشفيات ومصانع فضلاً عن السد العالي الذي يعد أكبر مشروع تنموي في القرن العشرين بشهادة جميع خبراء العالم.