بريد الوطن.. ذات ليلة في الحياة البائسة
ليالى الشتاء
إنها ليلة أخرى من ليالى الشتاء الباردة الكئيبة، يجلس حجازى كعادته أمام غرفته الصغيرة متدثراً بمعطفه، يحدق فى النيران أمامه بعيون ناعسة، يتهاوى رأسه كل حين فينتفض فجأة، يلتفت حوله ثم يعاود التحديق فى النيران مرة أخرى، لتنغلق عيناه فى بطء ويتهاوى رأسه مجدداً، بجوار النيران طاسة الشاى الصدئة وكوبان متسخان وصرّة تحوى الشاى والسكر، ومن راديو صغير بجانبه ينبعث صوت أم كلثوم مختلطاً بالذبذبات والضجيج الاستاتيكى، تدعو الشمس ألا تأتى إلا بعد سنة.. مش قبل سنة. لترد عليها صراصير الليل بغناء رتيب تبارى به نقيق الضفادع الآتى من المصرف البعيد عبر سكون الليل. حجازى فى الأربعين من عمره يعمل «غفيراً»، أو كما يحب أن يطلق عليه مسئول أمن ليلى على مخازن مصنع للزيوت والصابون والمواد العطرية.. تمر عليه الليالى رتيبة مملة يقضيها فى عمل الشاى والاستماع إلى الراديو، يقوم مرات ليحرك رجليه قليلاً ويمر حول المخازن والراديو فى جيبه، على الرغم من كونه «غفيراً أو مسئول أمن»، إلا أنه لا يمتلك سلاحاً ما، وهو شىء عجيب فعلاً. ارتج المكان فجأة بضجة عالية بددت السكون آتية من ناحية المخازن، انتفض حجازى وقد تهاوى قلبه بين قدميه واتجهت يده نحو عصاه غريزياً، استند عليها ليقف فى بطء ويحكم لفَّ «التلفيعة» حول رقبته ويحمل عصاه ليتجه فى بطء متردداً صوب المخازن ومن خلفه يدوى الصوت الذى بدا له مختلفاً لأول مرة: «هو العمر إيه غير ليلة.. زى الليلة».
أحمد الحسينى
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com