إبراهيم حجازى يكتب.. هى دى الحكاية! (5)
إبراهيم حجازى
عادات وتقاليد وثقافة أى شعب.. هى ترمومتر تقدم هذا الشعب!
الشعوب التى اندثرت عاداتها وتقاليدها وخفتت ثقافتها.. ولا مليون قانون يعيد توازن حياتها.. لأن المشكلة هى انعدام وعى لا غياب قانون.. وهذه الحكاية مثال!
لأجل نغَيّر لا بد أن نَتَغَيَّر.. وكل واحد منا يبدأ بنفسه.. بدلاً من التنظير على الآخرين!
«الزبالة» تطل علينا من كل مكان.. هذه حقيقة يستحيل إنكارها!
كلنا يشكو، والكل يتأفف، وجميعنا يترحم على أيام زمان وجمال ونظافة شوارعنا فى الأفلام الأبيض وأسود.. وأيضاًً هذه حقيقة كلنا يلمسها!
الكل دون مراجعة مع النفس.. يلوم الحكومة ويحمّلها المسئولية وفى دهشة من عدم تحركها لحل مشكلة الزبالة فى شوارعنا.. وهذه حقيقة ثالثة كلنا يقولها!
للأسف الحقيقة التى لا نريد أن نراها غير «كِده» وأكبر كتير من «كِده»!
هى ثقافة وسلوكيات اختلفت.. لأن قيماً ومبادئ وعادات وتقاليد انعدمت!
هى حرب بجد «قايمة» علينا من سنين لم نتنبه لها إلا فى 2011، التى ظهرت ووضحت فيها شراسة حرب التجريف.. تجريف كل ما هو إيجابى فى الوطن.. رمزاً كان أو حدثاً أو إنجازاً أو مكاناً!
تجريف كل قيمة ومبدأ ورمز.. حتى لا تجد الثقافة مكاناً تركن فيه وترتكز عليه.. وعليه أى أعراف وقيم ومبادئ وتقاليد ننتظر وجودها؟
أنا وأنت وهو وهى.. كل منا يقطن بمنزل فى شارع.. يقينى أننا متفقون على هذا الأمر ولا شُبهة خلاف على ذلك!
طيب.. لو أنا وأنت وهو وهى.. سكان هذا الشارع.. اتفقنا على أن كل واحد منا يبدأ بالمنزل الذى يعيش فيه.. وكلنا سكان هذا المنزل أياً كان عدد شققه.. نتفق على أن المبنى ككل.. منزلاً أو عمارة.. هو يخصّنا جميعاً وملكنا جميعاً ومسئوليتنا جميعاً.. يعنى بقدر حرصنا على نظافة شققنا التى نقطن فيها.. يكون حرصنا على نظافة وصيانة مرافقها.. السلالم والبَسْطَة والمدخل!
مطلب منطقى وعادل ومتحضر وحضارى.. مؤكد أنه ينعكس إيجاباً علينا جميعاً سكان هذا المنزل أو تلك العمارة!
إن اتفقنا على هذا الجزء.. يعنى اتفقنا على أننا مسئولون عن سلامة ونظافة كل ما نستخدمه وليس فقط ما نملكه شخصياً! لو اتفقنا.. نذهب إلى ما هو أبعد وأهم.. إلى الشارع!
كل منزل أو عمارة له حرم فى الشارع.. هو المساحة التى بعرض هذه العمارة.. وعمودياً حتى نصف المسافة للعمارة المواجهة! أنا وأنت وهو وهى.. سكان هذا المنزل أو تلك العمارة.. نحن متفقون مسبقاً على أن نظافة وسلامة ما هو داخل العمارة.. مسئوليتنا! طيب.. تعالوا نتفق على أن حرم هذه العمارة فى الشارع.. هو الآخر مسئوليتنا!
مسئوليتنا الإبقاء عليه نظيفاً.. بأننا أول من يلتزم بعدم إلقاء أى مخلفات لنا فيه! لو أنا فى عمارتنا وأنت فى عمارتك وهو وهى كل فى عمارته فعل هذا.. الشارع كله سيبقى نظيفاً!
طيب.. والناس الأغراب الذين يسيرون فى الشارع.. ممكن يرموا مخلفاتهم فيه؟ وارد أن يحدث هذا.. إلا أننا بإمكاننا إجبارهم على الالتزام بعدم إلقاء ولو عود كبريت فى الشارع! كيف؟
إن أردت أن تُطاع.. أؤمر بما يستطاع! نُريد عدم إلقاء شىء على الأرض.. يبقى لا بد أن يكون عندى البديل المتاح المرئى.. ألا وهو سلة القمامة الموجودة فى كل مكان.. بما يضمن رؤيتها والالتزام بإلقاء ما نريده فيها!
على فكرة.. النظافة تجيب نظافة والعكس صحيح.. وعندما يكون الشارع نظيفاً.. يجبر كل من يسير فيه على نظافته.. يصبح سهلاً جداً التزام كل من يسير فيه بنظافته.. وهذا مثال!
فى بعثة كروية لمنتخب مصر بأفريقيا.. خرجت مع الراحل الكبير المهندس نور الدالى رئيس البعثة، إلى جولة فى نيروبى عاصمة كينيا.. وقتها أنا وهو نُدخن وكل منا فى يده سيجارة.. وفجأة وقع نظرنا على سيدة تجلس بجوار رصيف الشارع.. وفى يدها فرشاة عريضة «تكنس» بها التراب الناعم الذى يتراكم فى حروف الأرصفة!. السيدة تنظف الشارع من التراب الناعم الذى تراه العين، وليس من المعلبات والأكياس وقشر البرتقال!
فى وقت واحد تلاقت أفكارنا.. أنا والمهندس نور الدالى رحمة الله عليه.. هنعمل إيه فى المصيبة اللى فى إيدينا!. عقب سيجارة كل منا أصبح مشكلة تبحث عن حل.. لاستحالة أن نرميه على الأرض بعد الذى رأيناه!
السيدة قرأت ما نُفكر فيه.. ومدت الجاروف الذى تستخدمه فى رفع التراب.. وأطفأنا فيه السيجارتين!
أعود وأكرر أن الحل.. حل أى مشكلة يبدأ من كل واحد منا.. وأى شارع سيصبح نظيفاً لو أنا وأنت وهو وهى لم نرمِ مخلفاتنا فى الشارع!. طيب لماذا لا يحدث هذا؟
لأن أم المشاكل فى ثقافتنا.. ما لا أملكه شخصياً يولع بجاز! نفعل هذا ونصر على ذلك.. رغم إن اللى هيولع بالجاز أستخدمه يومياً ولا حياة لى بدونه!
المسألة لا علاقة لها بالغنى والفقر أو الجهل والتعليم.. هى غياب وعى طال الكل!
عادى جداً أن ترى سيارة فارهة.. يقذف من شباكها، وهى على أى طريق.. الأكياس التى تحمل بقايا وجبة سريعة بأكوابها الورقية التى ترش وجوهنا ببقايا المياه الغازية!
لو فكرت تعترض على «البيه» اللى بيرمى زبالته فى الشارع.. يقول لك: أنا حر!
هو لا يعرف أنه حر ما لم يضر.. ولا يدرك أن الشارع مسئول منه مثل بيته.. ولا يعلم أن نظافة الشارع مردودها إيجابى على صحته النفسية! كيف له أن يعرف وهو أصلاً يجهل أن النظافة سلوك وثقافة.. هى دى الحكاية!