دينا عبدالفتاح تكتب: .. «العدالة الكاملة».. وملامسة الشمس!
دينا عبدالفتاح
«العدالة الكاملة» مصطلح يعبر عن غاية يصعب أو يستحيل الوصول إليها بين البشر، فهى مسألة يستطيع الخالق فقط القيام بها بين مخلوقاته، ولكن تختلف مستويات العدالة المحققة بين مجتمع وآخر، أسرة وأخرى، فرد وآخر، وبالتالى فهى مسألة نسبية بشكل كبير.
لو تحدثنا عن «العدالة الاجتماعية» سنجد الأمر كذلك فلن تجد دولة واحدة فى العالم تحقق العدالة الاجتماعية الكاملة بين مواطنيها، فدائماً ستجد الفروقات موجودة، والتفاوتات شائعة فى كل المجتمعات، ولكنك ستجد مجتمعاً هو أقرب للعدالة الكاملة من مجتمع آخر، وستجد مجتمعاً بعيداً كل البعد عن العدالة مقارنة بمجتمع آخر.
وبالتالى ستظل «العدالة الكاملة» شبيهة بوجود الشمس بين الكواكب، هناك من يقترب منها أكثر، وهناك من يبتعد عنها، ولكن يصعب كثيراً تحقيق الاندماج الكامل.
فى مصر وعلى مدار السنوات السبع الماضية أصبحنا أقرب إلى «العدالة الكاملة» أكثر من أى وقت مضى، هذا بالتأكيد لا يعبر عن وصولنا للوضع الأمثل، ولكنه يعبر عن وصولنا لأفضل وضع على مدار عقود طويلة.
فلو قمنا بقياس العدالة الاجتماعية كمؤشر مركب مكون من عدة مؤشرات فرعية مثل؛ الأجور الحقيقية، السكن، الصحة، التعليم، التوظيف، خدمات البنية التحتية، سنجد أن هناك طفرة كبيرة فى جميع هذه المؤشرات.
فبدايةً بالأجور الحقيقية، وهو مصطلح اقتصادى يعبر عن القوة الشرائية للفرد، من خلال معادلة تتضمن عنصرين هما الأجر النقدى، أى المرتب أو الدخل الذى يحصل عليه كل منا، ومعدل التضخم الذى يوضح تحركات الأسعار فى السوق.
فمثلاً لو ارتفع الأجر النقدى للشخص، ولكن ارتفع التضخم بنسبة أكبر يتراجع الأجر الحقيقى للفرد، لأن الزيادة فى الأجر النقدى ستتآكل نتيجة زيادة الأسعار، وفى مصر على مدار الفترة الأخيرة نجحت السياسة النقدية للبنك المركزى باقتدار فى السيطرة على التضخم عند أدنى معدلات له، مع تحرك الأجور النقدية للعمالة بشكل كبير سواء فى الحكومة أو القطاع الخاص، أو أصحاب المهن والحرف، وذلك باستثناء فترة كورونا التى شهدت تراجعاً فى دخول أغلب الأفراد حول العالم.
وعلى مستوى السكن، لم يمتلك المواطن المصرى القدرة على تملك وحدة سكنية بتسهيلات كاملة وبفرص عادلة فى الحصول على هذه الوحدة إلا خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبح بإمكان كل مواطن محدود الدخل أن يحصل على وحدة سكنية مجهزة للسكن مع قسط شهرى لا يتجاوز 500 جنيه!
وعلى مستوى الصحة فلم تكن مستشفيات مصر فى وضع أفضل من وضعها الحالى خلال العقود الماضية، وساهمت المبادرات الرئاسية التى أطلقتها الدولة فى مجال الصحة فى تعزيز الخدمات الصحية بشكل كبير.
أما على صعيد التعليم، فلك أن تتأمل ما وصلت إليه مصر من وضع تعليمى متطور وتحسين خدمات التعليم وربطها بأدوات التعليم الحديث القائمة على التكنولوجيا وشبكة الإنترنت، وما أنجزته الدولة فى تطوير وتحديث تخصصات التعليم العالى وإضافة مجالات عالمية هامة مثل الذكاء الاصطناعى والكيمياء الحيوية والبرمجة والأتمتة إليها.
وفيما يتعلق بفرص التوظيف، فقد اختفت الوساطة بشكل شبه كامل من سباق التعيين فى المؤسسات الحكومية، وأصبحت الاختبارات تؤدى من خلال الإنترنت، وأصبحت المقابلات تتم فى حضور لجان متخصصة، وأصبح المجتهد والمستحق هو من يستطيع الحصول على الفرصة دون غيره.
وعلى مستوى خدمات البنية التحتية، نجد الآن الغاز اقترب من دخول كل بيت مصرى، ولم تصل خدمات الصرف الصحى لأفضل مما وصلت إليه حالياً فى أى وقت مضى، وتحسنت بشكل كامل خدمة الكهرباء وغاب انقطاعها الذى تكرر على مدار سنوات وعقود ماضية، وتمكنت الدولة من توفير شبكة طرق متكاملة تيسر على المواطنين حركة الانتقال وتحفزهم على إنجاز أعمالهم دون معاناة.
وفق كل ما سبق نجحت الدولة المصرية فى المؤشر المركب للعدالة أكثر من أى وقت مضى، وأصبحنا نقترب كثيراً من مصطلح «العدالة الكاملة» وما زال فى إمكاننا أن نقترب منه أكثر ولكن كما أوضحت فى البداية لا يمكن ملامسة الشمس!