إبراهيم حجازي يكتب:..هي دي الحكاية! (11)
إبراهيم حجازى
أما وقد عاد الريف المصرى إلى ذاكرة مصر بقرار من رئيس مصر.. يقينى، وأعتقد أنه يقين كل مصرية ومصرى، أن نفس القرار الرئاسى دعوة لنا جميعاً للمشاركة بأفكارنا ومقترحاتنا فى مشروع نهضة ريف مصر!.
الأسبوع الماضى فى هذه المساحة.. قلت إن الفلاح المصرى هو صاحب أول مشروع صغير فى مصر.. وإن العمود الفقرى للاقتصاد قائم على ناتج المشروعات الصغيرة فى قرى ونجوع وكفور وعزب محافظات مصر، التى هى موجودة فى كل بيت ريفى، وتتخطى العشرة ملايين مشروع.. دخلها هائل للاقتصاد، وتوفيرها بالغ فى الاستيراد.. لأن المسألة ببساطة أن كل فلاح على أرض مصر إنتاجه من المحاصيل يغطى عدداً من سكان المدن.. والأهم.. أن هذا الفلاح لا يمثل عبئاً على الحكومة فى الأكل والشرب!. هو لا يقف أمام فرن ليشترى «عيش».. ولا يزاحم فى جمعية من أجل فرخة مجمدة أو كرتونة بيض!. هو منتج لا مستهلك.. يكفى نفسه وأسرته وعدداً من أهل المدن!.
وفى يوم وليلة.. أعظم مشروعات مصر الصغيرة العظيمة «اتنسفت».. والفلاح أصبح يشترى من الفرن رغيف عيشه.. ويزاحم فى الجمعية على فرخة وعلبة سمن صناعى وكرتونة بيض.. لأن مشروعه الصغير توقف.. لأن البيت الريفى الذى كان فيه متسع لتربية الحيوانات والطيور.. «انهد وطلع مكانه بيت بالخرسانة والطوب الأحمر على عدة أدوار ليستوعب الزيادة السكانية».. وبطبيعة الحال.. لم يعد هناك مكان للمشروع الصغير!. هو فيه جاموسة.. لا مؤاخذة.. تعرف تطلع الدور التانى ولا التالت؟!.
السؤال الآن، وهو لنا جميعاً.. أنا وأنتِ وهو وهى: هل يمكن أن يعود المشروع الصغير إلى ريف مصر بصورته الحالية؟. أنا شخصياً لا أعرف مدى إمكانية ذلك.. لكن ما أنا متأكد منه أن كل شىء ممكن.. فيما لو أننا جميعاً فكرنا فى حلول واجتهدنا بمقترحات!.
هذا عن ريف مصر القائم.. المستحيل أى توسع عمرانى على أراضيه الزراعية.. فماذا عن ريف مصر القادم فى الظهير الصحراوى لأغلب محافظات مصر؟!
عندنا مهندسون معماريون عباقرة.. وعندنا نقابة عريقة للمهندسين، بإمكانها.. وهذا ما أنتظره منها.. أن تعلن عن مسابقة لأفضل تصميم للبيت الريفى الذى يسمح للفلاح بعودة مشروعه الصغير العبقرى.. يخبز فى فرن بيته رغيف عيشه.. ويربى فى بيته كل ما يقوم عليه مشروعه الصغير!.
تعالوا نستفد بخيرات الطبيعة علينا!. تعالوا نقتنع بحتمية الاستفادة من ثروة مصر المعدنية الموجودة فى رمالها وصحاريها وجبالها!. تعالوا نؤمن بأن الطوب الأحمر والخرسانة ليسا المواد الوحيدة للبناء!. تعالوا نفتح صدورنا وعقولنا لأفكار مصرية عبقرية.. تقدم حلولاً فى مجالات كثيرة.. وللأسف لم يفكر أحد فى أن يسمعها ولا نقول يناقشها.. وهذا مثال لها!.
هذا المثال.. اقتراح لحل غير تقليدى فى عالم المعمار.. تلقيته قبل سنتين تقريباً.. وقدمته فى برنامج «دائرة الضوء» وكتبت عنه فى «الأهرام».. صاحبه الدكتور مهندس سامى على محمد كامل، الأستاذ المساعد وقتها بكلية الهندسة بالمطرية جامعة حلوان.. وقد أطلق على اقتراحه اسم «البناء الأخضر».. وفيه يقول: قمت بتطوير أسلوب إنشاء المبانى.. باستخدام خامات البناء المحلية.. ممثلة فى الأحجار الجيرية الطبيعية.. التى يتم تقطيعها فى المحاجر بواسطة المناشير الكهربائية، ويتم استخدام بلوكات الحجر فى البناء مباشرة، ثم استخدام نفس البلوك الحجرى.. لكن بمقاسات أخرى.. لبناء الأسقف على شكل منحنيات يتم ردمها وتسويتها لتصبح أرضية أفقية تماماً.
بهذه المواصفات تم بناء منشأ من ثلاثة طوابق فوق الطابق الأرضى!.
نفذت الفكرة فى بناء مدرسة ابتدائية من ستة فصول.. باستخدام نفس الأسلوب الإنشائى فى محافظة المنيا.. وذلك فى قرية بنى خالد، مركز سمالوط، عام 2000.. المدرسة التى شيدتها فى المنيا حصلت على الجائزة الأولى فى مسابقة بعنوان «العودة إلى الطبيعة».. نظمتها مجلة البيئة والتنمية اللبنانية المهتمة بالشئون البيئية.
واختتم الدكتور سامى كلامه بقوله: البناء بالحجر الجيرى، وفق هذا الأسلوب الإنشائى، صالح للتنفيذ فى كل محافظات الصعيد وسيناء والساحل الشمالى والصحراء الشرقية.. وجميعها تضم محاجر حجر جيرى.. علماً بأننى حصلت على موافقة مركز بحوث الإسكان فى استخدام هذا الأسلوب الإنشائى فى المجتمعات الجديدة.
انتهت الرسالة التى عرضتها من سنتين ولم يهتم أحد بها.. لكن الاقتراح قائم والاقتراح عظيم.. ويمكن أن يكون أساساً تنطلق منه أفكارنا ومقترحاتنا لأجل نهضة ريف مصر.. وأهم متطلبات هذه النهضة المنزل الريفى الذى يؤمِّن الحياة الكريمة للفلاح وأسرته.. ويعيد إلى الفلاح مشروعه الصغير داخل بيته الريفى الجديد!.
عندى هنا فكرة.. تؤمِّن نجاح عودة المشروع الصغير للريف.. والأهم.. تعيد إلى ريف مصر بيت العائلة القديم!.
وهى دى الحكاية!.