إبراهيم حجازى يكتب: هى دى الحكاية (12)
إبراهيم حجازى
واضح.. أن دعوة الرئيس للنهوض بالريف المصرى لم تصل لنا ولم تشغل بالنا ولم تأخذ طريقها مثل «عين القاهرة» لأجل أن تكون حدث رأى عام.. أو تحظى بأن تكون على بال السوشيال ميديا!
واضح.. أننا اعتبرنا الأمر مسألة خاصة ما بين الرئيس والحكومة.. ولا علاقة لنا بالموضوع.. وكأن نهضة الريف لا تعنينا!
واضح.. الغياب الإعلامى التام فى هذه القضية رغم أهميتها البالغة! لو اجتهد الإعلام قليلاً.. لعرف المصريون كثيراً!
عرفوا أن نهضة الريف أحد الأعمدة الرئيسية لنهضة مصر! عرفوا أن ريف مصر هو قاعدة المشروعات الصغيرة العظيمة فى مصر.. وأن كل بيت فى كل قرية ونجع وكفر وعزبة.. فيه مشروع صغير يؤمّن اقتصاد مصر! عرفوا أن ملايين المشروعات الصغيرة هذه فى محافظات مصر المختلفة توقفت من زمن.. لأن الريف كان بعيداً عن الحكومة.. والبعيد عن العين بعيد عن القلب.. والريف «قعد» بعيد قرب الـ40 سنة! عرفوا أن دعوة الرئيس السيسى للنهوض بالريف هى رد اعتبار للفلاح المصرى.. وهى أول اهتمام من القيادة السياسية منذ الستينيات وقت كان لكل قرية وحدة صحية وجمعية زراعية ومرشد زراعى وزيارة شهرية من قافلة ثقافية! عرفوا أن مشروع نهضة ريف مصر الذى بدأ الرئيس تنفيذه أبعد كثيراً من رصف طريق أو إنارة شارع.. أنه مشروع إزالة تراكمات تجاهل وإهمال سنين طويلة للريف! عرفوا أن مشروع نهضة ريف مصر مسئولية كل شعب مصر وليس فقط رئيس مصر!
مسئوليتنا جميعاً.. أنا وأنتِ وهو وهى.. أن نفكر فى حلول لما يجب أن يكون! ما يجب أن يكون.. هو التوسع الطبيعى لريف مصر! يعنى استصلاح الأراضى الصحراوية الصالحة للزراعة والمتوفر لها مياه جوفية أو أمطار موسمية!
أنا وأنتِ وهو وهى.. بيننا أعظم خبراء العالم فى استصلاح الأراضى وفى الزراعة وفى الرى.. وهذا وقتهم لنسمع خبرتهم وآراءهم.. وهذا دور الإعلام للبحث عنهم والحوار معهم وتخصيص المساحات الكافية ليقولوا آراءهم!
أنا من جهتى عرضت الأسبوع الماضى فى «الوطن» اقتراحاً تم تنفيذه على الأرض.. لا كلام على ورق.. صاحبه الدكتور مهندس سامى على محمد كامل، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة حلوان، مشروعه اسمه «البناء الأخضر» بتطوير خامات البناء المحلية! المشروع يعتمد على الحجر الجيرى الموجود فى صحراء مصر الشرقية وفى الساحل الشمالى.. وكل محافظات الصعيد التى ظهيرها الصحراوى فيه محاجر الحجر الجيرى الذى نجح الدكتور سامى فى استخدامه وحده دون أى مواد أخرى فى بناء وحدات.. حوائط وأسقف.. من الحجر الجيرى.. والأهم!
نجح فى بناء منشآت.. أرضى وفوقه ثلاثة أدوار.. جميعها من الحجر الجيرى.. الحوائط والأسقف! فى قرية بنى خالد مركز سمالوط.. مدرسة ابتدائية تم تشييدها سنة 2000.
هذا الاقتراح أو الاختراع عرضته من سنتين فى برنامج دائرة الضوء بالتليفزيون.. وكتبت عنه فى «الأهرام» وأحد لم يهتم.. وأعرضه اليوم فى «الوطن» نموذجاً ومقترحاً لما يجب أن يكون عليه الريف الجديد.. فى أراضى مصر المستصلحة!
عندنا عباقرة فى الهندسة المعمارية.. وعندنا ثروة معدنية عظيمة فى صحراء مصر.. رمالها وأحجارها.. يمكن أن تكون بديلاً عظيماً للخرسانة والطوب الأحمر! بديلاً من البيئة.. هو أفضل ما يصلح للتعامل مع البيئة! مثلاً الحوائط الحاملة من الحجر الجيرى وفرت الأعمدة الخرسانية.. واختراع الدكتور سامى وفر الأسقف الخرسانية.. وليس هذا فقط.. الحوائط والأسقف من الحجر الجيرى هى أفضل عازل للبرد وللحر.. يعنى البيت من الحجر الجيرى فى الصحراء.. تكييف ربانى!
قلت فى نهاية حلة الأسبوع الماضى «بالوطن».. عندى فكرة تؤمّن عودة ونجاح المشروع الصغير فى البيت الريفى.. والأهم.. تعيد إلى ريف مصر بيت العائلة مبدئياً.. وإلى أن تظهر أفكار مهندسينا المعماريين لتصميم بيت ريفى يسمح بتربية الحيوانات والطيور التى هى المشروع الصغير لأى فلاح.. وأيضاً!
هذا البيت الريفى، وفقاً لتصميم د. سامى، أظنه إلى أن يظهر الأفضل فى الخامات والتصميم، هو الأنسب للقرى الجديدة فى صعيد مصر بالظهير الصحراوى لها! أنسب لأن الحجر الجيرى موجود.. والذى هو بدوره أفضل خامة تتعامل مع الحر الشديد فى جنوب مصر!
اقتراحى هنا، مع كل الاحترام والتقدير للسادة المهندسين المعماريين.. الدور الأرضى فيه القاعة والمندرة و«أوضة» الفرن والحظيرة للحيوانات وعشش الطيور.. وتتوسطها مساحة مكشوفة.. والدور الثانى فيه «المقاعد» وهى حجرات النوم الصيفية.
البيت، وفقاً لتصميم الدكتور سامى، أرضى وثلاثة أدوار.. والحوائط الحاملة تتحمل ذلك! البيت فى المرحلة الأولى أرضى ودور فوق الأرضى.. لأجل أب وأم وطفلين! البيت قابل للارتفاع طابقين.. قبل أن يتحول إلى بيت عائلة عندما يكبر الطفلان ويتزوجان وينجبان.
هذا حافز إيجابى عملى فى مواجهة «حرب» الزيادة السكانية! بيت ريفى يعيد العائلة إلى بيوتنا.. ويوفر الحياة الكريمة لأهالينا الفلاحين.. ويعيد للفلاح مشروعه الصغير العظيم.. الذى يعيده إلى مكانه ويعيد له مكانته.. منتجاً لا مستهلكاً ونموذجاً يُحتذى به فى «الحرب» على الزيادة السكانية! وهى دى الحكاية!.