إبراهيم حجازى يكتب: هى دى الحكاية! (6)
إبراهيم حجازى
سبحان الله على طبعنا!
ما نقدر على امتلاكه وشرائه بفلوسنا.. وفى أى وقت.. نقدر بفلوسنا نِغَيِّره ونشترى غيره.. وإيه! اهتمامنا به فوق الوصف ومحافظتنا عليه تفوق الوصف!
فى نفس الوقت.. ما يستحيل شراؤه بكل مال الدنيا.. ومستحيل تعويض أى جزء منه.. هو خارج تفكيرنا، ولا على بالنا، وبعيد عن اهتمامنا وكأنه يتبع أحداً غيرنا! إيه الحكاية؟
والله هى حكاية غريبة جداً.. وأغرب ما فيها أنها غير واردة فى قاموس مراجعات أخطائنا وهفواتنا! ما أقوله بعيد كل البعد عن جلد الذات! الذى أقوله رصدٌ لتناقضات غير مفهومة وغير مبررة وغير قابلة لأى تفسير من أى نوع! الذى أقوله محاولة لكشف وفضح ممارساتنا الخاطئة فى حق أنفسنا.. وهذه أمثلة لا نملك إنكارها ولا نستطيع تفسيرها!
أنا وأنت وهو وهى.. عندما نشترى موبايل.. قبل ما «نمسكه».. نشترى له الجراب ونركب له «الإسكرينة».. لأجل الحفاظ عليه! أى منا عندما يشترى سيارة.. «ما ينامش» الليل قبل ما يفصص كتالوج أجزائها وتعليمات صيانتها! يحفظ كل همسة عن تشغيلها وكل معلومة عن أجزائها! يحفظ عن ظهر قلب مقاييس زيت الموتور وزيت الفتيس وزيت «الكرونا».. والعياذ بالله من اسمها.. وهى التى تنقل الحركة من الموتور إلى العجلات! كلها تعليمات ومحظورات وأوامر.. ونحفظها عن ظهر قلبنا ونلتزم بها.. وفى المقابل!
كم واحداً منا.. أنا وأنت وهو وهى.. واخد باله من جسده الذى خلقه الله سبحانه وتعالى فى أحسن تقويم؟!
الصيانة التى أقصدها هى الحركة والنشاط، أى المجهود البدنى الذى يجب أن يقوم به كل إنسان يومياً.. ليس على سبيل الرفاهية، إنما لكونه احتياجاً حتمياً لجسد الإنسان طوال حياته! هذا المجهود البدنى اليومى الحتمى هو فى سنوات الطفولة وحتى بداية مرحلة الشباب لأجل أفضل بناء لكل أجزاء جسم الإنسان! الطفل الصغير فى مراحل نموه المختلفة.. أهم احتياجاته هو ذلك المجهود البدنى المقنن وفقاً للمرحلة السنية! بناء هذا الجسد لا بد أن يكون من خلال تمرينات بدنية خاصة لكل مرحلة سنية.. لبناء العضلات والأربطة والعمود الفقرى والمفاصل.. وبناء قدرات الأجهزة الداخلية، حيث ترتبط معدلات اللياقة البدنية للإنسان بتلك القدرات.. وتحديداً القلب والرئتين! وبعد أن يتم بناء الجسد فى الطفولة وحتى بداية الشباب.. المجهود البدنى اليومى لكل إنسان حتى آخر العمر مطلوب وحتمى.. وهذه المرة هو مطلوب وقاية وصيانة.. وأيضاً علاج.. وإن أغفله الإنسان ضربت الأمراض أعضاء جسده!
هناك مثال ذكرته قولاً وكتابة مئات المرات.. بأن غياب المجهود البدنى هو استدعاء للأمراض! وقت سباق الوصول إلى الفضاء بين الاتحاد السوفييتى وأمريكا.. كانت رحلات السوفييت للفضاء تستمر فترات طويلة.. خلالها مركبة الفضاء تقضى فى الفضاء شهوراً طويلة.. فماذا حدث؟ رواد الفضاء السوفييت الذين أمضوا شهوراً طويلة فى الفضاء فى انعدام الجاذبية.. أصيبوا بهشاشة عظام، نتيجة انعدام المجهود البدنى بسبب انعدام الجاذبية!
من فضل الله على الإنسان أنه جعل بناء وصيانة ووقاية جسده متاحة لكل البشر وفى متناول الفقير والغنى! لأن عملية بناء وصيانة الجسد أهم احتياج لكل إنسان.. حظر الله احتكارها وجعلها فى متناول ومقدرة الجميع.. وترك حرية الاختيار لكل إنسان.. يبنى ويصون، أو يهمل ويهلك، الجسد الذى منحه الله له! حرية الاختيار التى منحها الله للإنسان دون سائر خلق الله! هذه الحرية جعلت الإنسان فى أغلب الأوقات هو العدو الأول لنفسه! كل اختراع واكتشاف وبحث يصب فى خانة العلاج والبناء والخير والسلام والرخاء.. يقابله عشرات الاختراعات تتفنن فى الدمار والهلاك والموت والمرض بالفيروسات القاتلة والقنابل الذرية والأقراص المخدرة.. والأهم!
كل الاختراعات «البريئة» للبشر، دون أن تعى، كانت تحريضاً للبشر على عدم القيام بأى مجهود بدنى! زمان.. كان المجهود البدنى الذى يبذله الإنسان فى يومه كافياً لحمايته! الآن.. لم يعد أحد يمشى، واكتملت المأساة بالكارثة «اللى اسمها توك توك».. كان زمان الناس تمشى مثلاً من محطة وسيلة النقل حتى منزلها. الآن.. لو 500 متر يركب التوك توك! زمان.. عندما تشاهد التليفزيون.. كل فترة تقوم وتتحرك لتغيير القناة. الآن.. كل الحركة المطلوبة ضغطة بإصبعك على الريموت! كل ما كنا نبذله من مجهود بدنى نحن فى أشد الحاجة إليه.. انتهى!
الذى نعانيه.. ثقافة انعدمت فى الصغر.. غاب بسببها الوعى فى الكبر!
لابد وفوراً.. إدخال التربية البدنية إلى المدرسة مادة أساسية.. لأجل بناء أجساد أكبر قاعدة بشرية فى الوطن!
لابد وفوراً من عودة الوعى.. لأجل محو النظرة الدونية الحالية الهائلة للمشى.. أسهل وأرخص رياضة!
لابد وفوراً.. أن يعرف ويدرك كل منا يقيناً أن المشى نعمة عظيمة مجانية منحها الله لنا!
نعرف أن المشى يومياً ساعة أو نصفها.. أعظم وقاية وأفضل صيانة! هى دى الحكاية!.