«مهند» يظهر مع الرئيس بعد تحقيق حلمه بـ«مادة القيم».. «كواليس أول حصة»
مهند عماد
في ديسمبر 2019، لمع اسم الطالب «مهند عماد» بعد احتفالية قادرون باختلاف النسخة الثانية بحضور رئيس الجمهورية، صغير لم يبلغ عامه الثاني عشر، استجمع حينها شجاعته وقدّم مطلبه المشروع لرئيس الجمهورية على الهواء مباشرة أمام المئات من الحضور وملايين المتابعين للحفل خلف شاشات التليفزيون، لم ترهبه الكاميرات ولا الموقف، وكانت معاناته دافعًا له، «يا ريت يا ريّس يتم تدريس مادة احترام الآخر في المدارس والجامعات»، ليجيب عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي: «يا مهند هتتعمل فورًا»، وبعد أقل من 9 أشهر على المطلب الذي أثار انتباه الحضور كافة، أصبح أمرًا واقعًا وباتت المادة مقررا دراسيا بداية من العام الدراسي الجديد.
في نسختها الثالثة، حضر الطالب الكفيف مهند عماد، احتفالية قادرون باختلاف لذوي الاحتياجات الخاصة، جالسا على خشبة المسرح يحاوره الرئيس مرة أخرى، بعد أن استجاب لمطلبه وباتت مادة القيم والأخلاق مقررا دراسيا في جميع مدارس الجمهورية.
وفي هذا السياق، تعيد «الوطن» نشر تفاصيل أول حصة لتدريس مادة القيم والأخلاق بصحبة الطالب مهند، صاحب الاقتراح، والذي نُفذ في مقر مدرسته طه حسين للمكفوفين التابعة لإدارة الزيتون التعليمية العام الدراسي الماضي.
ركض الفتى في اتجاه فصله الكائن بالطابق الثاني سريعا، يملؤه شعورا بالفخر والنجاح، بعد أن بات محط أنظار الجميع وهو لا يزال في الحادية عشرة من عمره، التقى رئيس الجمهورية ولم يهب اللقاء وتحدّث إليه بشجاعة، ساردا معاناته والواقع المفروض عليه هو وأمثاله، حيث طالبه بتدريس مادة للأخلاق والقيم لتغيير الواقع بالعلم والثقافة، فما كان من الرئيس إلا أن استمع إليه بإنصات وأعطى إشارة البدء في ثورة فكر تغزو عقول الطلاب الصغار لتنيرها، وخلال شهور قلائل أصدر وزير التربية والتعليم قراره بإدراج المادة لطلاب المرحلة الابتدائية، لتربية النشء على قدر من الوعي.
ليلة لم ينم فيها الصغير، باله منشغل بأول أيام العام الدراسي الجديد، ليس الأول له وسط زملائه بالمدرسة التي ينتمي إليها منذ المرحلة الابتدائية، لكنه الأول بعد أن تحقق حُلمه الذي تشبث به، وأقرت وزارة التربية والتعليم مقررا دراسيًا جديدًا بناء على رغبته، التي أعلنها على مرأى ومسمع الآلاف بل الملايين، وضع الكتاب الجديد أولا في حقيبته استعدادًا لمناقشته أمام أقرانه، والتباهي بإمضاء الوزير له على نسخته أمامهم.
على باب مدرسة طه حسين للمكفوفين التابعة لإدارة الزيتون التعليمية، رافقت عدسة «الوطن» الطالب مهند عماد، صاحب مطلب تدريس مادة القيم واحترام الآخر من الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال احتفالية قادرون باختلاف.
وسط زملاءه بالصف الأول الإعدادي، انهمك «مهند» في وصف كواليس اللقاء الذي جمعه الشهر الماضي، بالدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم في مكتبه، لإهدائه أول نسخة من كتاب مادة القيم والأخلاق المقررة حديثًا، وعليه إمضاء شخصي من الوزير «إلى الطالب الرائع مهند، هدية من مصر إليك للتعبير عن الإعجاب بأفكارك».
الحصة الأولى لمادة القيم واحترام الآخر
وما إن بدأت الحصة الأولى ودخلت معلمة مادة العلوم للشرح، حتى خيّم الصمت على أرجاء المكان وصغت لها آذانهم، كلما ألقت عليهم سؤالا لتنشيط ذاكرتهم بالمنهج يرفع «مهند» يده معلنًا رغبته في الإجابة، ووصفته معلمته لـ«الوطن» بـ«الطالب النشيط».
«وقت الاحتفالية توقعت استجابة فخامة الرئيس لأننا متعودين منه يسمعنا، لكن متوقعتش سرعة تطبيق المادة».. ببراءة طفل صغير، أعرب مهند عن فرحته بتطبيق مادة القيم والأخلاق بدءًا من العام الدراسي الحالي، فالقضية ليست قضيته وحده وإنّما قضية المكفوفين وذوي الهمم كافة، بحسب تعبيره.
انتهى وقت الحصة الأولى في جدول الصف الأول الإعدادي الذي ينتمي إليه مهند، وجاء موعد الحصة الثانية التي خصصتها المدرسة ليناقش فيها الفتى الصغير محتوى كتاب مادة القيم والأخلاق على زملائه بفصول المرحلة الابتدائية، كونها مقررة عليهم.
مهند عماد يشرح مادة القيم
تسمّر «مهند» قليلا، ووقف يلتقط أنفاسه قبل الدخول إلى أول حصة لشرح المادة، خواطر عدة تجول في رأسه الصغير، هنا في نفس المكان تمنى قبل عام واحد فقط أن يصرخ في وجه كل من يرمق أحد أصحابه المكفوفين في الشارع بنظرة سلبية تترك جرحا غائرا في صدورهم: «طول الوقت كنت بتمنى أقول للناس إحنا من حقنا نعيش وسطكم بشكل طبيعي، وبزعل لما حد يضايقني أنا وزمايلي بكلمة، والنهارده أنا حققت الحلم»، بحسب تعبير مهند.
«القيم واحترام الآخر.. معا نبني».. هكذا جاء اسم الكتاب المقرر بداية من الصف الثالث الابتدائي على الغلاف الخارجي، للنسخة التي تسلمها مهند من الوزير في مكتبه بالوزارة، ينقسم إلى أبواب عدة ذات محتوى أخلاقي تدعم مفاهيم الاحترام وقبول الآخر، والتسامح والصدق والأمانة، مدعما برسوم معبرة للمواقف المختلفة لتوصيل معنى الرسالة للطلاب بخاصة في هذا السن الصغير، كرسم يوضح تعريف مفهوم الأمانة وأهمية النظافة الشخصية، ومن بين الشخصيات طفل كفيف يتحدث خلال ندوة عامة أمام الجمهور، في إشارة إلى حق هذه الفئة في المشاركة المجتمعية ودورهم الفعال في المجتمع.
برع مهند في تقمّص شخصية معلم الفصل، بدأ بشرح محتوى الكتاب لطلاب المرحلة الابتدائية بثقة وثبات، يتصفحه أمامهم ويستمع إليهم كلما أعرب أحدهم عن رغبته في رواية موقف تعرض فيه للتنمر من فقدان بصره: «الكتاب ده هيخلي الأطفال اللي قدنا تفهم اختلافنا»، قال عبدالتواب، أحد الطلاب المكفوفين بالفصل خلال مناقشة مهند لمحتوى المادة المقررة حديثا.
سونيا عبدالمجيد، مدير مدرسة الطالب مهند، تحدّثت لـ«الوطن» مشيدة بموقف الرئيس السيسي، حين منح الفرصة لطفل أصغر من عمر أبنائه للتعبير عن مشكلة تواجهه، ولم يكتف بذلك بل أعطى أوامره لتنفيذ مطلب الطالب: «ده بيأكد إن الكفيف ليه دور زينا وبيشاركنا في المجتمع»، بحسب تعبيرها.