ماذا يعني قرار «المركزي» زيادة الاحتياطي الإلزامي وتثبيت الفائدة؟
أصحاب الودائع يترقبون تأثير قرار "المركزي"
جاء القرار الذي أعلنته لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، مساء أمس، بتثبيت سعر الفائدة، مفاجئاً لأغلب مراقبي مؤشرات الاقتصاد الكلي والأسواق، إذ كانت التوقعات - في معظمها تكاد تُجمع على زيادة معدل الفائدة بأكثر من نقطة مئوية، على خلفية ارتفاع معدلات التضخم.
الرسالة الرئيسية
القرار الذي حمل العديد من المفاجآت بعث برسالة رئيسية مفادها أن المزيد من زيادة سعر الفائدة لن يكون الحل الأوحد لمكافحة التضخم، وأن ثمة أدوات أخرى يمكن أن تبنيها للسيطرة على التضخم - الذي هو الهدف الأساسي لأي بنك مركزي - بما لا يُعمق ويرسخ حالة الركود في الأسواق، وبما لا يزيد أعباء إضافية إلى بيئة الأعمال.
وبلغ معدل التضـخم السنوي لإجمالي محافظات الجمهورية 15.3% في أغسطس الماضي، مقارنة بـ 6.4% لنفس الشهـر من 2021، بحسب جهاز الإحصاء.
موقف سعر الفائدة
وفقا لبيان البنك المركزي، أمس، فقد تم الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند مستوى 11.25%، 12.25% و11.75% على التوالي، لكن الجديد في اجتماع أمس، القرار الخاص بزيادة نسبة الاحتياطي النقدي التي تلتزم البنوك بالاحتفاظ بها لدى البنك المركزي لتصبح 18% بدلا من 14%، وهي الخطوة التي قال عنها «المركزي» إنها ستساعد في تقييد السياسة النقدية التي يتبعها البنك، فماذا يعني ذلك؟
ما هو «الاحتياطي الإلزامي»؟
ببساطة شديدة، يعني إجراء «المركزي» أن تقوم البنوك التجارية العاملة في مصر بإيداع نسبة أعلى من أموال المودعين، التي بحوزتها، لدى البنك، كخطوة تهدف لامتصاص قدر من السيولة النقدية، بما لا يتيح بقاء تلك السيولة في البنوك، ومنها إلى الأسواق عبر الاقتراض، وبما يسهم في النهاية في تخفيف الضغط على السلع والمنتجات.
ببساطة أكثر، فإن «الاحتياطي الإلزامي» عبارة عن نسبة مكونة من الودائع يجب على البنوك وضعها بحوزة البنك المركزي، كنوع من الضمانة يمكن استخدامها إذا ما حدثت عملية سحب مفاجئ للأموال من جانب المودعين، كما أنه يعتبر أداة نقدية يلجأ إليها البنك المركزي للتحكم والسيطرة على كميات النقود المتداولة.
ومن المعروف أن توافر السيولة النقدية بشكل فائض في الأسواق أمر من شأنه تغذية الطلب على شراء السلع، ويعني خفض تلك السيولة، أو امتصاصها، تحجيم هذا الطلب.
رسالة أخرى بعث بها قرار «المركزي»، وهي أنه لا داعي للهاث خلف «قطار الفيدرالي الأمريكي»، الذي رفع الفائدة للمرة الثالثة على التوالي، كان آخرها الأربعاء الماضي بواقع 75 نقطة أساس، في محاولة منه لاحتواء غول التضخم الذي بلغ أعلى معدلات في 4 عقود، وهو ما يعني - من جانب المركزي المصري - أنه لا مجال للمنافسة في جذب «الأموال الساخنة»، التي خرجت بالفعل منذ فبراير ومارس الماضي، للاستفادة من العائد الكبير على أدوات الدين الأمريكية.
ليست المرة الأولى
بالنسبة للبنك المركزي المصري، لم تكن تلك المرة الأولى التي يقوم فيها باتخاذ هذا الإجراء، فقبل 5 سنوات، وتحديدا في أكتوبر من العام 2017 رفع البنك نسبة الاحتياطي الإلزامي من 10% إلى 14%، بعد أن ظلت عند النسبة الأولى منذ العام 2001.
بحسب رضوى السويفي رئيس قطاع البحوث بشركة «الأهلي فاروس»، فإن «الاحتياطي الإلزامي» يعتبر أداة فعالة للتشديد النقدي تساعد البنك المركزي على سحب السيولة الزائدة أو تقليل المعروض النقدي.
وفقا لما ذكرته «السويفي»، لـ«الوطن»، فإن رفع معدلات الفائدة يستغرق عمومًا حوالي 6 أشهر لإظهار تأثيره على السوق وسحب السيولة الزائدة، لكنه في الوقت ذاته يؤثر سلبًا على النمو وعجز الموازنة.
جذب سيولة بقيمة 150 مليار جنيه
وبالتالي، فإن رفع «الاحتياطي الإلزامي» يكون أسرع وأكثر كفاءة وليس له نفس الآثار السلبية على الاقتصاد مثل رفع أسعار الفائدة، بحسب «السويفي»، التي أوضحت أن تقديرات البنك المركزي بشأن السيولة الفائضة في الجهاز المصرفي تصل إلى نحو 600 مليار جنيه، وإن الإجراء الأخير من المتوقع أن يسحب ما بين 140-150 مليار جنيه من هذه السيولة الزائدة.
كيف سيتأثر أصحاب الودائع؟
يظل السؤال المطروح هو: كيف سيؤثر هذا الإجراء على أصحاب الودائع والمدخرات البنكية؟ تجيب رضوى السويفي بأن الأمر سيترتب عليه الاحتفاظ بنسبة أعلى من الودائع في احتياطيات إلزامية لدى البنك المركزي المصري، وهو ما يعني أن «البنوك ستفقد العائد على تلك الأموال، والتي لولا ذلك كان من الممكن استثمارها في قروض أو اذون خزانة».
وتوضح: «من أجل التعويض عن دخل الفائدة الضائع، فإن لدى البنوك عدة خيارات، بما في ذلك خفض معدلات الفائدة على الودائع، ورفع الأسعار المطلوبة في مزادات أذون الخزانة، أو رفع أسعار الفائدة على القروض»، وهو الأمر الذي لا تراه «سهلاً في ظل المنافسة بين البنوك العامة والخاصة».
واستشهدت في ذلك بما حدث في الربع الرابع من عام 2017، عندما رفع البنك المركزي الاحتياطي الإلزامي، حيث قامت حينها البنوك بخفض معدلات الفائدة على الودائع بشكل طفيف.