دراسة بـ«المصري للفكر» توضح تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا
داليا يسري
أعدت داليا يسري، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة تحليلية بحثية حول تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، قائلة إن الغرب يواصل متابعة حلقات جديدة من مسلسل العقوبات على روسيا عقب خطوة الاستفتاءات الأخيرة التي أعقبها خطوة إعلان الضم.
المملكة المتحدة: 92 عقوبة جديدة في إطار التجهيز ضد روسيا
وجنبًا إلى جنب مع إجمالي العقوبات الغربية التي صدرت بحق روسيا منذ تاريخ 2014، بلحظة ضم شبه جزيرة القرم، وصولاً للحظة الراهنة التي أعقبت الضم الجديد.
اقترح الاتحاد الأوروبي توقيع حزمة ثامنة من العقوبات على روسيا.
كما أعلنت المملكة المتحدة أنه يوجد هناك نحو 92 عقوبة جديدة في إطار التجهيز ضد روسيا بسبب الاستفتاءات الزائفة.
بينما أعلنت الولايات المتحدة اعتزامها الإعلان عن المزيد من العقوبات خلال الأيام المقبلة.
فيما صرح ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، الأربعاء 29 سبتمبر، أن الجزء الثاني من الحزمة الثامنة من العقوبات ضد روسيا تستهدف أولاً المتورطون في الحرب والضم غير القانوني لمناطق في أوكرانيا.
ويندرج تحت الحزمة الجديدة عدد من المسؤولين في قطاع الدفاع، ويشمل ذلك كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية من أولئك الذين يدعمون القوات المسلحة الروسية من خلال توفير المعدات والأسلحة للجيش بما في ذلك الصواريخ والطائرات المقاتلة ويشاركون في التعبئة.
كما سيواصل الاتحاد الأوروبي، وفقًا له، استهداف الجهات الفاعلة التي تنشر معلومات مضللة حول الحرب.
ومن الناحية الاقتصادية، سيتم ضم أي شخص يشارك في مساعدة روسيا للالتفاف على العقوبات حتى لو لم يكن من حاملي الجنسية الروسية.
وعند هذه النقطة، يطرح سؤال نفسه: ما النتائج المترتبة على هذه العقوبات؟ وكيف تنال من الاتحاد الروسي؟ للرد على هذا السؤال، يجب التنويه أولاً إلى أنه يوجد هناك فواتير عدة من وراء هذه العقوبات؛ منها ما تتحمله روسيا ومنها ما ينعكس على أوروبا فتتحمله بدورها.
وبالنسبة للفواتير الروسية؛ منها ما هو اقتصادي ومنها ما يترك بصماته على الحياة الاجتماعية في البلاد.
وبالنسبة للحالة الأولى، فإن إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الروسي تقلص بنسبة 5% بالمقارنة مع العام الماضي.
كما تراجعت عملية الإنتاج الصناعي بما في ذلك قطاعي النفط والغاز الروسيين بنسبة 2% فقط. وفيما يتعلق بمعدلات التضخم، فقد سجلت دائرة الإحصاء الفيدرالية الروسية، أغسطس 2022، أن التضخم السنوي قد هبط من 15,9% في يونيو إلى 15,1% في يوليو.
وبوجه عام، تأثر الاقتصاد الروسي وتضرر العديد من الصناعات بفعل افتقارها للمكونات التي كانت روسيا تقوم بطبيعة الحال باستيرادها من الخارج. لكن هذا لا ينفي أن أداء الاقتصاد الروسي لا يزال من الممكن وصفه بأنه يبلي بلاءً حسنًا، بشكل يتعدى توقعات المحللين الغربيين الذين رجحوا مع بداية الحرب أن هذه العقوبات ستكون كفيلة بإرغام روسيا على الانسحاب من حربها في غضون أشهر. ومن الناحية الاجتماعية، تأثرت الحياة في روسيا بالتأكيد.
نظرًا لخروج العديد من العلامات التجارية الغربية وحرمان المواطن الروسي منها، بشكل ترتب عليه وجود فجوات –تعاملت معها الحكومة الروسية على الفور- في القوى العاملة التي خلفها خروج هذه العلامات.
بالإضافة إلى خلق صعوبات أمام المواطن الروسي في شراء بعض المنتجات الغربية.
خاصة بالنسبة لهؤلاء من ذوي الطبقة العليا أو رواد الطبقة الفوق متوسطة من اللذين اعتادوا على ممارسة نمط حياة ينطوي على العديد من السلع الغربية.
الحكومة الروسية دأبت على إيجاد بدائل للسلع أو الخدمات الغربية
لكن في الوقت نفسه، هذه ليست النهاية، إذ أن الحكومة الروسية دأبت على إيجاد بدائل لهذه السلع أو الخدمات، إما محلية أو مستوردة من دول صديقة مثل الصين.
مثال دامغ على ذلك، عندما قام رجل الأعمال الروسي، ألكسندر جوفور، بشراء مطعم الوجبات السريعة «ماكدونالدز»، في يونيو، بعد إعلان انسحابه من السوق الروسية احتجاجًا على الحرب.
وأبقى على ما به من عمالة تمتلك أسرار المهنة وتعرف بالفعل كيفية إعداد الوجبات السريعة الأمريكية لمواطني روسيا.
بمعنى أن الحكومة الروسية سعت بكفاءة لاحتواء التأثيرات الاجتماعية للعقوبات الغربية التي تم تصميمها لأجل بعث الشعور بالعزلة على حياة المواطن الروسي العادي في الشارع.
فضلاً عن ذلك، يجب التنويه إلى أن السوق المحلية الروسية وعلى خلاف العديد من الدول حول العالم في الوقت الراهن، لا تشهد ارتفاعات متطرفة في أسعار المواد الغذائية.
علاوة على ذلك، تتجه الآلة الإعلامية الروسية نحو بث رسائل إقناع تفيد بأن الحياة في عزلة ليست نهاية الحياة والدليل على ذلك أنه يوجد هناك النموذج الإيراني، الذي يتم تناوله كنموذج ناجح لدولة استطاعت الحياة في ظل عقوبات غربية مشددة وتحقيق نجاحات صناعية في مجالات متعددة.
من ناحية أخرى، يظل من الضروري عدم نسيان الارتدادات العكسية للعقوبات في وجه الغرب أنفسهم أولاً وقبل أي شيء آخر.
فقد نجم عن سياسات الغرب أن تشهد بلادهم؛ أزمة غذائية، وأزمة طاقة، وتضخم يأكل الجميع، وتهديدات بموجات احتجاجية بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء.
وفيما من الممكن القول إن العقوبات الغربية أثرت بالفعل على الاقتصاد الروسي، تظل المعاناة الأكبر في أوروبا التي صارت اليوم تعاني بعد أن أصبحت مهددة بأن تشهد انهيارًا صناعيًا بفعل وجود أزمة في الطاقة لا يبدو لمستقبلها أي معالم واضحة.
في غضون ذلك، يتوقع محللون اقتصاديون أن يستطيع الاقتصاد الروسي التعايش مع المصاعد الكبرى المرتبطة بالعقوبات لمدة عامين بينما يرى آخرون أن حدوث انهيار اقتصادي مرتقب لروسيا بشكل كامل سيستغرق أكثر من عامين.
ويرجع ذلك لأسباب عديدة، يأتي على رأسها الارتباطات الاقتصادية الوثيقة والعميقة بين روسيا والصين التي ساهمت بدورها في تخفيف تأثيرات العقوبات.