«إعلان جربة».. آفاق سياسية إصلاحية وآمال اقتصادية واعدة للدول الفرانكفونية
القمة في تونس
مناقشات واجتماعات مغلقة جمعت قادة الدول والحكومات المشاركين بالدورة الثامنة عشرة للقمة الفرانكفونية على مدى يومين بجزيرة «جربة» التونسية، وما تبعها من أعمال النسخة الرابعة من المنتدى الاقتصادي الفرانكفوني الذي اختتم أعماله قبل ساعات، خلصت جميعها إلى ضرورة اعتماد آفاق سياسية إصلاحية من خلال نهج الحوار والحل السلمي في التعاطي مع النزاعات القائمة وفقا لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والبحث عن شراكات استثمارية تضامنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود لبلدان الفضاء الفرانكفوني.
مضمون إعلان جربة
وجاء «إعلان جربة» في مضمونه ليؤكد هذه القرارات والآمال والطموحات التي تبناها قادة المنظمة الدولية للفرانكفونية، خاصة ما يتعلق باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة الدول والقانون الدولي، وليعبر، في الوقت نفسه، عن استياء الدول الفرانكفونية مما تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات سلبية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية، ما يفرض على دول الفضاء الفرانكفوني التضامن لمواجهة هذه التداعيات، ودعوة المجموعة الدولية لبذل ما في وسعها للحد من تداعيات هذه الحرب على الشعوب المتضررة.
تنديد إعلان جربة بالإرهاب
وندد «إعلان جربة» بالإرهاب بجميع أشكاله وصوره، وأكد تضامن وتوحد دول الفرانكفونية من أجل مكافحة الإرهاب والحد من جميع أشكال التطرف والوقاية منه، معربين – في الوقت نفسه - عن تضامنهم مع كل الشعوب والدول التي كانت ضحية هذه الآفة .
الوقوف لمواجهة التغيرات المناخية
وأكد قادة وممثلو الدول الفرانكفونية وقوفهم يقظين إزاء التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية، مشيدين بمختلف القمم التي تم تنظيمها في هذا الشأن من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بالحد من تأثيراتها.
وضع حد للاحتلال الإسرائيلي
وعلى صعيد آخر، عبروا عن دعمهم للجهود الدولية الرامية لإحلال سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الأوسط بما يضع حدا للإحتلال الإسرائيلي، ويعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وفق مقررات الشرعية الدولية، منددين في الوقت ذاته بكل دعوات وأشكال العنف، والتوسع الاستيطاني وعمليات هدم المنازل وإخراج المواطنين الفلسطينيين من منازلهم عنوة.
دعم اللاجئين الفلسطينيين
وناشد قادة الفرانكفونية المجموعة الدولية مواصلة دعم منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إلى حين إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين بما من شأنه تعزيز الاستقرار في المنطقة .
أهمية الدورة الـ18 للقمة الفرانكفونية
وفي ضوء هذه المخرجات السياسية.. يرى الدكتور علية العلاني المحلل السياسي والباحث في القضايا الاستراتيجية، إن الدورة الـ18 للقمة الفرانكفونية لها ظرفية خاصة ، أولا بانعقادها في جزيرة جربة باعتبار تونس أحد مؤسسي المنظمة الدولية للفرانكفونية عام 1970، وثانيا لأنها تأتي تزامنا مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تنعكس بالضرورة على المنظمة والدول الفرانكفونية، خاصة فيما يتعلق منها بالجانب الاقتصادي والطاقي والغذائي.
مواكبة أحداث القارة الإفريقية
وقال العلاني – لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إن القمة كذلك تواكب ما يحدث في القارة الإفريقية، باعتبار أن معظم دول المنظمة ينتمون لهذه القارة، بخلاف كندا ومقاطعة الكيبيك وبعض الدول الآسيوية والأوروبية، مشيرا إلى أن القارة الإفريقية الآن أصبحت محل تنازع كبير وتعاني بعض دولها مثل مالي وبوركينا فاسو من حالة عدم استقرار، فلذلك ربما جاءت هذه القمة لترمم نوعا ما من الاهتزازات التي يشهدها الفضاء الفرانكفوني.
المشاركون في القمة
وتابع أن القمة ناقشت كذلك موضوعا في غاية الأهمية، وهو ما يتعلق بكيفية تطوير آليات عمل المنظمة الدولية للفرانكفونية، وطرح السؤال: هل الفرانكفونية هي فضاء ثقافي أم فضاء ثقافي واقتصادي؟ وهل بالضرورة أن يكون المنتمون لهذا الفضاء يتحدثون اللغة الفرنسية؟ لتأتي الإجابة بالتأكيد أن الفضاء الفرانكفوني لا يعني فقط الدول الناطقة بالفرنسية، والدليل على ذلك مشاركة الإمارات ومصر، وربما تنضم السعودية قريبا لهذا الفضاء، وهو ما سيعطي الإضافة النوعية للمنظمة بدخول العنصر الخليجي.
دور مصر الفاعل
وأشار إلى أن مصر تاريخيا وجغرافيا لها عمق إفريقي مهم للغاية، مضيفا: «ومن الأهمية أن تلعب مصر دورا فاعلا خلال السنوات القادمة في المنظمة، حتى تخرج المنظمة من إطارها التقليدي إلى إطار أوسع، خاصة أن المنظمة تعيش ظروفا مالية صعبة، وتمويلها لا يرتقي للمنظمات الكبرى بالعالم، رغم أنها تضم في عضويتها العديد من الدول بالقارات الخمس، ولذلك فانضمام دول جديدة لها سيزيد من إشعاعها».
صندوق خاص للاقتصاد الرقمي
وتابع أن القمة تناولت القضايا المطروحة للمستقبل وعلى رأسها التكنولوجيا والرقمنة، وتدشين صندوق خاص للاقتصاد الرقمي، وفي شهر يونيو المقبل سيعقد مؤتمر اقتصادي في مقاطعة الكيبيك بكندا حول التعاون الرقمي بين دول المنظمة، ولذلك يمكن القول إن قمة جربة حلقت خارج الإطار التقليدي من الناحية الاقتصادية، وفتحت الباب أمام الدول الأخرى للانضمام إلى الفضاء الفرنكفوني.
أهمية دعم القضية الفلسطينية
وحول دعم القمة للجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية، قال العلاني إن هذه القضية بطبيعة الحال تظل أحد الاهتمامات الرئيسية لدى العديد من الدول بدرجات متفاوتة، وستظل مطروحة على مائدة الفعاليات الدولية، مضيفا : «ومن الممكن أن تجد القضية الفلسطينية في المستقبل دعما أكبر من منظمة الفرانكفونية، نظرا لما تتمتع به المنظمة من نفوذ أدبي ومعنوي يمكنه أن تدفع في اتجاه دعم القضية الفلسطينية».
من ناحية أخرى، ثمن قادة الفرانكفونية التوجهات الجديدة للمنظمة الدولية للفرانكفونية ومختلف الجهود الرامية إلى تجديد آليات عملها "من أجل فرانكفونية متجددة في خدمة الشعوب» ، ولا سيما تلك المتصلة بمستقبل اللغة الفرنسية، وترسيخ قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وتمكين النساء والفتيات، والحق العادل للجميع في تعليم جيد في مختلف مراحله وفي التدريب والثقافة والاقتصاد والرقمنة والتنمية المستدامة.
السعي لتعزيز المساواة بين الجنسين
وأكدوا التزامهم بالسعي لتعزيز المساواة بين الجنسين بوصفها مبدأ إنسانيا ثابتا وشرطا أساسيا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أعربوا عن اعتزازهم بالآباء المؤسسين للفرانكفونية، وأبرزهم الحبيب بورقيبة (تونس)، وليوبولد سيدار سينغور (السنغال)، ونورودوم سيهانوك (كمبوديا)، وهاماني ديوري (النيجر) .
تجديد التمسك باللغة الفرنسية
وجددوا تمسكهم باللغة الفرنسية واحترام التنوع الثقافي واللغوي داخل دول الفضاء الفرانكفوني باعتبارها قاعدة صلبة للفرانكفونية، مشيدين في الوقت نفسه بالاهتمام الخاص الذي توليه منظمة الفرانكفونية للشباب والمرأة، ولا سيما من خلال اعتماد الاستراتيجية الفرانكفونية الرقمية (2022ـ2026) والتي تشكل الإطار الأمثل الذي يكفل للفضاء الفرانكفوني تحقيق التحول الرقمي المنشود وضمان اندماجه في الاقتصاد الرقمي العالمي، في إطار احترام حقوق الإنسان والديمقراطية.
أهمية مكتسبات القمة
وترى الدكتورة سامية زوالي الخبيرة الاقتصادية أن أهم مكتسبات القمة والمنتدى الاقتصادي الفرانكفوني تتمثل في التوافق على إقامة منطقة للتبادل الاقتصادي والرقمي الحر بين بلدان المنظمة، والدخول في شراكات اقتصادية واستثمارية ثلاثية بما يحقق التضامن الاقتصادي لشعوب المنظمة، وهو من الأهداف المهمة التي تسعى إليها قادة الدول الفرنكفوينة منذ سنوات طويلة.
المحور الرئيسي للقمة
وقالت زوالي – لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إن اختيار موضوع «التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية والتضامن في الفضاء الفرانكفوني» محورا رئيسيا للقمة كان أمرا موفقا للغاية، نظرا لما توفره الحلول الرقمية من فرص للنهوض الإقتصادي السريع، وما يمكن أن تلعبه من دور لتوثيق التواصل بين شعوب الفضاء الفرانكفوني، وتعزيز التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية .
الالتزام بالنهوض الرقمي
وأضافت أنه من هذا المنطلق أكد قادة الفرانكفونية التزامهم بالنهوض بالرقمنة كوسيلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، واعتماد الحوكمة الرشيدة للرقمنة، وتحقيق الانتقال الرقمي، فضلا عن إزالة كافة الحواجز التي تحول دون التنقل الحر في الفضاء الفرانكفوني خاصة للشباب ورجال الأعمال، وهو ما يعمل على دعم وتعزيز علاقات التعاون الإقتصادي .
إشادة بالتوصية التونسية
وأشادت زوالي بالتوصية التي أصدرتها تونس في ختام المنتدى الاقتصادي والخاصة بتدشين «صندوق صناديق» لدعم الشركات الناشئة في الفضاء الفرانكفوني، والتي لاقت قبولا وترحيبا من معظم الدول الأعضاء في منظمة الفرانكفونية، مؤكدة أن هذا الصندوق سيشجع العديد من الشباب في دول الفضاء الفرانكفوني لإنشاء مشروعات جديدة ومتكاملة خاصة في ظل تعزيز وتيسير إجراءات المبادلات التجارية بين دول المنظمة.
إرساء فضاء للازدهار
ولفتت إلى أن المنتدى الاقتصادي نجح في إرساء فضاء للازدهار المشترك بحضور أكثر من 600 مشارك من رجال الأعمال وممثلي المؤسسات المالية الدولية والإقليمية، وتوقيع العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري واستكشاف فرص الاستثمار والشراكة بين البلدان الأعضاء خاصة في مجال اقتصاد المعرفة، إضافة إلى حصول تونس على هبات ومنح مالية، ومنها الحصول على 200 مليون يوور من فرنسا وغيرها من الدول .