البداية من حضرة الشيخ تهامي بالحواتكة.. تربى على حب «آل البيت والأولياء»
التهامي في شبابه مع أصدقائه
يسرد الدكتور محمد الباز فى كتابه عن الشيخ ياسين التهامى رحلة حياته من البدايات حتى اليوم، بعرض شيق وممتع يستعرض فيه مسيرة ثرية بالأحداث والمواقف والتفاعلات الهائلة التى شكّلت وجدان وشخصية الشيخ ياسين.
فى السادس من ديسمبر عام 1948 كان ميلاد ياسين تهامى حسنين محمد، فى مدينة الحواتكة مركز منفلوط بمحافظة أسيوط. كان «ياسين» طفلاً من بين 4 أطفال فى الأسرة، شقيقه الأكبر الجميل محمود، وشقيقتيه أم كلثوم وفاطمة. لم ينل «التهامى» حظوة عن أشقائه، بل كان مثلهم فى بيت لم يكن أبناؤه يسمعون فيه إلا ذكر الله والصلاة على الرسول، والتغنى بفضائل آل البيت وكرامات أولياء الله الصالحين، وهو ما جعل «التهامى» يتشبّع بحالة تداخل فيها العقل والقلب، وتعانق على هامشها الوجدان والروح.
أبناء الشيخ لا ينادون عليه بـ«يا أبونا» بل «يا عم الشيخ ياسين أو يا مولانا»
الشيخ الوالد تهامى حسنين تربى فى بيئة متدينة معروفة بالعلم والقرآن، يقوم بالزراعة من صباه حتى شبابه لأنه أكبر إخوته، حفظ القرآن فى صغره، متلقياً عن ابن عم أبيه الشيخ المقرئ المتقن محمد على حنتير، ووالده الشيخ حسانين محمد كان حافظاً للقرآن الكريم أيضاً وشيخاً لقرية الحواتكة «شيخ ناحية»، محباً لأهل البيت ولأحبابهم، والجد الشيخ محمد حسانين على حنتير، كان عالماً بالقراءات والفقه، أجاز كثيراً ممن كانوا فى عصره بالقراءة والإقراء للقرآن الكريم وعلومه وقراءاته.
فى ظاهرة «التهامى» المترامية الأطراف التى طوت عقوداً طويلة وهى ترفع بناءها الكبير، لا بد أن نبحث عن الجذر، وهو هنا الأب الذى تجاوز فى حياة ابنه معنى الرعاية التقليدية والحماية المعتادة، إلى ما يمكننا اعتباره معنى خاصاً منحه الله وجعله سراً بين الشيخ تهامى والشيخ ياسين، ثم الشقيق الذى حل محل الأب، بعد وفاته فى العام 1986، وهو الشيخ الجميل محمود الشقيق الأكبر، فبينهما ما لا يبوحان به لأحد، وما لا يقدر سواهما على رسمه وتفصيله.
يقول د. محمد الباز عن نشأة «التهامى»: لن تستطيع أن تفهم حالة التسامح التى يعيشها إلا إذا عدت إلى منابع طفولته الأولى، فتربى على الأصول، فى بيت لا يعرف إلا التسامح، وأخذه من والده، فتعامل مع الأولاد بنفس المنطق، حازم بدون قسوة، منتبه رغم انشغاله، فلا ينادى أولاد الشيخ ياسين أباهم بـ«يا أبونا» على عادة أولاد الصعيد، بل يقولون «يا عم الشيخ ياسين أو يا مولانا».
«تهامي والجميل» حارسا «ياسين».. عاش في أجواء صوفية وتشرّب «الحب» من نبع والده
كان الشيخ الوالد تهامى هو الحارس الأول لابنه، فنشأ «التهامى» فى بيئة صوفية خالصة، كأن الله كان يعده للمهمة الكبيرة التى يدّخرها له، شرب حب النبى من نبع أبيه الذى يشهد له من عرفوه بأنه كان أحد أولياء الله الصالحين. يقول «الباز»: «ما لا ينكره ياسين التهامى على والده أنه كان من وضعه على أول الطريق الذى رتبته الأقدار له، دون أن يرتب هو شيئاً لنفسه، ففى الليالى التى كان الشيخ تهامى حسنين يقيمها فى بيته احتفاء بآل البيت وأولياء الله الصالحين، سمع ياسين للمنشدين والمداحين، فامتزجت الأشعار التى يطلقها أصحابها فى محبة النبى بدم الطفل الصغير، وتسرّبت إليه صرخات المحبين فسكنت قلبه، كان ينظر إلى الشفاه التى لا تكف عن طلب المدد فتماهى معها، قرأ ملامح الهائمين فأمسك بما يجب أن يكون عليه، فلم يُفلت طريقاً اعتقد أنه اختاره، دون أن يدرى أن الطريق هو من يختار سالكيه».
لوالد الشيخ ياسين التهامى ضريح فى قريته، وله مولد سنوى، ومسجد يتميز بأنه وحده من بين مساجد القرية الذى له مئذنة يصل طولها إلى 67 متراً، وتُعد أطول المآذن هناك، وإمام المسجد هو الشيخ محمود ياسين التهامى، الذى يقوم على رعايته حباً وتقرباً وطلباً للمدد من جده.
حفظ القرآن منذ الصغر ودرس بالأزهر حتى الصف الثاني الثانوي ثم انغمس في الإنشاد
التحق «التهامى» بالأزهر الشريف، مقصد العائلة الذى لا يضل أحد منها الطريق إليه، أنت تنتمى إلى بيت «التهامى» فلابد أن تكون أزهرياً. يقول الشيخ ياسين عن أسرته: «أبناء الأسرة حافظون لكتاب الله وعاملون بسنة رسوله، لهم من العلوم الشرعية نصيب قسمه الله لهم، ولأنهم حفظوا الله فيه، فقد حفظهم الله به». وفى عام 1970 وصل الشيخ ياسين إلى الصف الثانى الثانوى فى دراسته الأزهرية، بعد رحلة فى الغالب لم يكن الطريق فيها ممهداً، وهو ما جعله يقرر مغادرة معهده إلى غير رجعة، وينكر أن نداهة الإنشاد الدينى كانت السبب، قائلاً: «لم يكن للإنشاد علاقة بالأمر، أقول هذا وأنا مطمئن القلب مرتاح الضمير.. كان لتركى التعليم الأزهرى أسباب أخرى تفاصيلها معى وحدى، يمكننى أن أقول إننى لا أعرف عنها شيئاً، أو للحقيقة أنا لا أقدر على أن أعرفها».
فى تقدير الدكتور محمد الباز، فإن «اللحظة التى غادر فيها التهامى معهده الأزهرى، لم يكن قد أمسك بيديه نقطة النور التى ستقوده عبر محطات حياته، كان يذهب إلى الموالد طالباً لجوار الأولياء، وليس للعمل فى الإنشاد، لم يكن ياسين التهامى ابن الصدفة أبداً، يحلو له هو أن يقول ذلك عن نفسه، رغم أنه فعلياً ولو كان منصفاً مع نفسه، لقال إنه ابن القدر، والذى سيقود تمرداً كبير فى دولة الإنشاد الدينى فيما بعد».