الراهب نوفير الأنبا بيشوي: المسيح صام مرة واحدة لمدة 40 يوما
«المسيح» حذر من الصوم من أجل الآخرين وليس من أجل الله
الصوم وصية إلهية وكان شريعة لليهود منذ آلاف السنين، ويهدف لترويض الجسد من خلال الامتناع عن تناول الأطعمة لفترات محددة، وذلك بهدف السمو الروحى، ومع مجىء رسالة المسيح أصبح للصيام مكانة عظيمة فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وبالأخص الصيام الكبير الذى يسبق عيد القيامة المجيد، ويستمر لمدة 55 يوماً، كما صامه السيد المسيح.
وقال الراهب نوفير الأنبا بيشوى، فى تصريحات لـ«الوطن»، إن صيام السيد المسيح كان مرة واحدة فقط فى الكتاب المقدس لمدة 40 يوماً وليلة على الجبل، موضحاً أنه بعد تعميد السيد المسيح فى نهر الأردن، اتجه إلى الجبل وصام واعتكف هناك لمدة أربعين يوماً.
وتابع الراهب القبطى أن صيام السيد المسيح كان صوماً انقطاعياً لمدة 40 يوماً دون طعام أو شراب، مضيفاً أن المسيح لم يكن يحتاج إلى الصوم لتدريب جسده أو تقويمه لكن ليكون قدوة للبشر للتحرُّر من رغبات الجسد، وتغليب رغبات الروح، لكنه صام وسمح للشيطان أن يجربه من أجل أن يمهد الطريق للبشر للاجتهاد والنصرة على الشيطان، حيث يقول الكتاب المقدس: «هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشىء إلا بالصلاة والصوم»، وكلمة الجنس هنا تعود على الشياطين.
وأضاف الراهب نوفير أن السيد المسيح علَّم البشر أهمية الصلاة قبل البدء، من خلال الاختلاء لوقت طويل فى مناجاة، يطلب المرء فيها التوبة والإيمان بالإنجيل، موضحاً أن المسيح صام ليبارك طبيعتنا بالصوم، فكان الآباء يقولون «باركت طبيعتى فيك وأكملت ناموسك عنى».
الراهب: كانت ذكرى أسبوع الآلام تمر مرة كل 33 عاماً والكنيسة ضمته للصيام الكبير حتى يتمتع به الشعب
وأوضح الراهب القبطى أن السيد المسيح صام لمدة 40 يوماً، لكن الكنيسة أضافت فى البداية أسبوع استعداد ليكون بديلاً عن الأيام التى لا يجوز فيها الصيام، مثل يومى السبت والأحد، لأنهما يمثلان قيامة السيد المسيح، وفق العقيدة المسيحية، مشيراً إلى أنه فى نهاية الصيام تمت إضافة أسبوع الآلام، موضحاً أن ذكرى هذا الأسبوع كان يتم الاحتفال بها مرة كل 33 عاماً هى عمر السيد المسيح، لكن كثيراً من المسيحيين لم يكونوا يشهدون تلك الذكرى أكثر من مرة أو مرتين خلال فترة حياتهم، لذلك تمت إضافة الأسبوع فى نهاية الصيام الكبير، وبذلك يكون صيام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية 55 يوماً.
وشدد الراهب نوفير الأنبا بيشوى على أن السيد المسيح حذر من الصوم من أجل الآخرين وليس من أجل الله، حيث يقول الكتاب المقدس: «وعندما تصومون، لا تكونوا عابسى الوجوه، المنافقون الذين يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين. الحق أقول لكم إنهم قد نالوا مكافأتهم. أما أنت، فعندما تصوم، فاغسل وجهك، وعطر رأسك، لكى لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذى فى الخفاء. وأبوك الذى يرى فى الخفاء، هو يكافئك»، مشيراً إلى أن الصيام يجب أن يكون من أجل المنفعة الروحية وليس لمجرد أن يقول الآخرون إنه شخص مؤمن أو صائم، مؤكداً أن الصيام التزم به رسل السيد المسيح منذ بداية المسيحية، فهو علامة ثابتة فى الإيمان والعقيدة المسيحية.
القس مرقس رمزى: السيد المسيح صام عنا وليس عن نفسه
وعن كيفية صيام السيد المسيح قال القس مرقس رمزى، كاهن دير الأنبا شنودة بمدينة نصر: ذُكر فى الكتاب المقدس فى بشارة لوقا الإنجيلى «ولم يأكل شيئاً فى تلك الأيام. ولما تمت جاع أخيراً»، لقد صام السيد المسيح صوماً انقطاعياً كاملاً، ومن الطبيعى أن الغريزة البشرية والاحتياج البيولوجى لا يحتمل ذلك ولكن كما صام موسى النبى مرتين أربعين يوماً لتسلم الشريعة «ودخل موسى فى وسط السحاب وصعد إلى الجبل. وكان موسى فى الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة»، وإيليا أيضاً كذلك «فقام وأكل وشرب، وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب» وكان ذلك بمعونة إلهية لولاها ما حدث.
وأضاف القس مرقس رمزى أن السيد المسيح لم يكن محتاجاً إلى الصوم لتدريب جسده أو تقويمه لأنه الوحيد الذى بلا خطية بين البشر جميعاً، وإنما كان ذلك وصية إلهية لتساعد على التحرر من رغبات الجسد وتغليب رغبات الروح، ولتدريب الإرادة على ضبط النفس أى قمع الجسد، كما أنه يساعد فى تذللنا أمام الله، مضيفاً أننا نردد دائماً فى ألحان الصوم الكبير «يسوع المسيح صام عنا أربعين يوماً وأربعين ليلة»، فالسيد المسيح صام نيابة عن البشر وليس عن نفسه، وفق العقيدة المسيحية.
وفى كتابه «المسيح مشتهى الأجيال»، قال الأنبا بيشوى، مطران كفر الشيخ الراحل للأقباط الأرثوذكس، إن الصوم بالنسبة للأقباط يستمد قوته وفاعليته من صوم السيد المسيح، والنصرة الروحية فى الصوم تأتى من رصيد النصرة الذى حققه المخلص الصالح الذى صام أربعين يوماً وأربعين ليلة، مشيراً إلى أن الوصية الأولى للإنسان كانت تحمل فى مضمونها وصية صوم «لا تأكل من شجرة معرفة الخير والشر»، لافتاً إلى أن الإنسان مكوّن من روح وجسد وليس جسداً فقط.
وقال: «كما أن الجسد يحتاج إلى طعام لكى يحيا ويعيش، هكذا الروح أيضاً لها غذاء تحتاج إليه وتحيا به وهو كلام الله. لهذا قال السيد المسيح للشيطان حينما طالبه قرب نهاية صومه بأن يحوّل الحجارة إلى خبز: «مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله» (لو 4: 4)».